الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السياحة تترنح في «مطماطة» التونسية

16 نوفمبر 2013 22:49
تتميز قرية مطماطة التونسية، التي تقع في جنوب غرب مدينة قابس، بهياكل منازلها المكونة من حفر في الأرض محاطة بكهوف تستخدم كغرف معيشة، والتي قطنها بطل سلسلة أفلام حرب النجوم لوك سكايوالكر. وأضحى الآن المنزل الذي بدأ منه سكايوالكر رحلته، فندقاً ومعلماً سياحياً. لكن أثناء زيارة المنطقة، مع أخي نيد، وجدتها أشبه بصحراء. وقد وصلنا مبكراً وانتظرنا على أعتاب الفندق حتى يفتح أبوابه، لكن سرعان ما توقف أمامنا شاب يركب دراجة نارية، وتحدث إلينا بلغة إنجليزية ركيكة: «هل ترغبون في القيام بجولة في الصحراء؟». وبينما كانت علامات التعب والإرهاق تعتلي عينيه، قال: «أتودون امتطاء جمل؟». وبدا الشاب مثل كثير من أقرانه في مطماطة هذه الأيام، يائساً من العثور على عمل. ذلك أن السياحة تراجعت بشكل كبير بعد أن أثرت الثورة التونسية في عام 2011 على المنطقة. وأخافت الثورة، التي أطاحت بالرئيس السابق، بن علي، الزائرين والسياح الذي طالما دعموا الاقتصاد. وهبطت إيرادات السياحة بنحو 40 في المئة خلال عام 2011، حسب البيانات الحكومية، ولا تزال أقل سبعة في المئة مقارنة بمستويات ما قبل الثورة، بينما تبقى معدلات النمو هزيلة بشكل عام، ومستويات البطالة مرتفعة. ووجدت أنا ونيد مكتب السياحة في مطماطة مغلقاً، وكانت الشوارع شاغرة باستثناء كراسي أحد المقاهي متناثرة على الرصيف، وكان الطقس حاراً في ذلك اليوم، وبدا وكأن الشمس تقرع قمم التلال الصفراء. عندئذ حضر شخص لطيف أصلع وقصير القامة، رحّب بنا، كان هو مدير الفندق. وفتح المدير، الذي ارتسمت على شفتيه ابتسامة عريضة، باب إحدى الغرف، وقال: «يمكنكم النزول في هذه الغرفة»، لكنه سرعان ما فتح باب أخرى، مضيفاً: «ولم لا تكون هذه؟». وأي شخص شاهد سلسلة أفلام «حرب النجوم» يمكنه التعرف بسهولة إلى منزل لوك، الذي يتكون من حفر أرضية تربطها أنفاق وغرف مجاورة، والتي كانت منازل تقليدية لشعب الأمازيغ المحلي، الذين قرروا قبل قرون أن العيش تحت الأرض أفضل طريقة للتبريد. ورغم أن اللغة العربية استبدلت بلغتهم الأصلية، فإن منازلهم بقيت كما هي. وفي عام 1976، استخدم جورج لوكاس المناظر الطبيعية القاحلة كمكان لكوكب تاتوين، مستعيراً الاسم من مدينة تطاوين الجنوبية، ويظهر المنزل بوضوح في الفيلم الأول من سلسلة حرب النجوم. وفي أحد مشاهد الفيلم البارزة، بينما يتناول لوك إفطاره، كان يجادل عمه بشأن الوقت الذي يرحل فيه عن مزرعتهم الجرداء، لكنه يصاب في النهاية بخيبة الأمل. وتسأله عمته، التي ترى القلق يعتريه، «إلى أين ستذهب؟»، فيجيبها ممتعضاً: «يبدو أنني لن أذهب إلى أي مكان، فعلي الانتهاء من تنظيف هذه الآلات». وربما انتاب لوك شعور مماثل لذلك الموجود في مطماطة، إذ يبدو أن القرية تعتمد بشكل كبير على السياحة... عندما يتوفر سياح. وحدث ضجيج لفترة قصيرة في الفندق أثناء وقت الغداء، عندما وصل عدد من الحافلات المحملة بالسائحين، والذين التقطوا صوراً وتناولوا الطعام، ثم رحلوا مرة أخرى. لكني وشقيقي أردنا زيارة المنطقة، لذا بحثنا عن سيارة أجرة، وبدلا من ذلك، عثرنا على سائق هادئ يدعى عبدالكريم، استأجرنا سيارته الرمادية الطويلة من طراز أوبل القديمة ذات الأبواب الأربعة. وذكر عبدالكريم أنه يعمل في السياحة منذ أمد بعيد، لكن لا يوجد عمل كثير في هذه الآونة. وتراجع عدد الوظائف في قطاع السياحة التونسي من أكثر من 250 ألف وظيفة في عام 2010 إلى أقل من 212 ألفاً في الوقت الراهن، حسب تقرير مجلس السفر والسياحة العالمي. وشهد القطاع تحسناً في عام 2011، ويبدو أن السياحة تتعافى، لكن إلى الآن يناضل أشخاص مثل عبدالكريم من أجل العيش. وكانت سيارة عبدالكريم تناضل أيضاً، إذ بدأ صوت محركها يحدث ضجيجاً على طول الطريق إلى مدينة تطاوين القريبة، وكان مؤشر الوقود منخفضاً بدرجة خطيرة، لكن عبدالكريم أومأ بأنه «لا داعي للقلق»، واستخرج زجاجة بلاستيكية بها وقود دفع به في خزان البنزين، مشيراً إلى أنه ديزل ليبي وهو الوقود الوحيد المتاح في مطماطة. لكن السيارة أبت التحرك على الإطلاق، ومن ثم، تركناها تندفع من أعلى منحدر، ولبرهة بدأت في إحداث ضجيج مرتفع، ما أدى إلى فتح الباب المجاور لنيد، وضغط عبدالكريم بقسوة على قابض الحركة في السيارة، التي كافحت للعودة بصعوبة للعمل، مخلفة وراءها سحابة من الدخان. وعندئذ، تحدثت: «أشكرك، لكني لا أعتقد أنه مقدر لسيارتك أن تصل إلى تطاوين اليوم». فرد عبدالكريم وعلى وجهه ابتسامة قبول يائسة: «نعم أعتقد أنه غير مقدر لها ذلك». ورتب عبدالكريم لنا زيارة تطاوين مع صديقه عايد، الذي كانت لديه سيارة أفضل، وكان يعيش مع أسرته في بروكسل، حيث يتلقى تعليمه الثانوي، وكانوا يزورون بلدتهم القديمة مطماطة بمناسبة عيد الأضحى. وقال عايد: «أود العودة للعيش هنا، لكن لا يوجد عمل». وكان عايد يسعى للحصول على شهادة الثانوية العامة ويخطط لدراسة العلوم والتكنولوجيا في المستقبل، لكنه استطرد: «ماذا يمكنني أن أفعل بذلك هنا؟». وبينما كنا نجلس خارج مقهى أعلى قمة مرتفعة في تطاوين، مرت قافلة زفاف على متن شاحنات تطوف في أنحاء القرية، واستمرت أصوات الدفوف والغناء حتى المساء. وعندما عدنا إلى مطماطة، كان الفندق شاغراً، باستثناء الطباخ، الذي مكث ليجهز العشاء لنا، حيث كنا النزيلين الوحيدين! جون ثرون مطماطة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©