السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر.. غيبوبة القضاء في «متاهة» حكم «الإخوان»

مصر.. غيبوبة القضاء في «متاهة» حكم «الإخوان»
30 ديسمبر 2012 21:12
محمد عزالعرب (القاهرة)- شكلت «المتاهة السياسية» في مصر خلال العام 2012، السمة المركزية للمشهد الداخلي، ويبدو أن تداعيات هذه المتاهة ستتواصل في العام المقبل. فعلى الرغم من مرور ما يقرب من عامين على اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، حينما نجحت القوى الثورية في إسقاط رأس نظام حسني مبارك والقضاء على خطة توريث الجمهورية فيها والإطاحة بغالبية رموز النظام من مواقعهم الوظيفية، لا زالت المراحل الوسيطة بين انهيار النظام السابق وبناء النظام البديل، والتي يطلق عليها العملية الانتقالية، التي تعيشها مصر تتسم بالتعقيد الشديد، الناتج عن الدخول في مسارات متنوعة والاستنزاف في مراحل مختلفة، قد تؤدي في بعض الأحيان، إلى العودة إلى نقطة الصفر، لدرجة يمكن القول معها إن مصر تعرف «مراحل انتقالية متعددة» وليس «مرحلة انتقالية واحدة» أو ما يطلق عليه الموجات المتتالية للثورة المصرية. لذا، فإننا إزاء ثورة تعرف من أين جاءت ولكن لا تعرف إلى أين تسير. فقد كان هناك توافق بين القوى الوطنية والحركات الثورية، على هدم النظام القديم، لكن لم يتبلور اتفاق بشأن ملامح النظام الجديد، بما يمكن من ترجمة شعارات الثورة المختلفة «حرية سياسية، وعدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية» إلى وقائع يمكن تلمسها. بعبارة أخرى، كانت قوى الثورة واضحة في رؤيتها لجانب الهدم، لكن تفكيرها مضطرب في جانب البناء، واتضحت ملامح هذه المتاهة في نواحي مختلفة وعلى خلفية أحداث متعددة على مدار العام 2012، والتي تتمثل فيما يلي: يعتبر وصول حزب الحرية والعدالة المعبر عن جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم أبرز الأحداث التي عرفتها البلاد، في العام 2012، منذ حصولها على أغلبية المقاعد في انتخابات مجلسي الشعب «217 مقعد من إجمالي 498 أي 47 في المئة بخلاف الأعضاء الفائزين المحسوبين على التحالف الديمقراطي» والشورى «106 مقعد من إجمالي 270 مقعد أي 40 في المئة بخلاف ثلث الأعضاء الذين سوف يصدر قرار جمهوري بتعيينهم في الفترة المقبلة»، فضلا عن تولي أعضائها رئاسة ووكالة المجلسين وكذلك رئاسة اللجان البرلمانية أو الأعضاء الذين يمكن التفاهم أو التحالف معهم. بل فاز مرشح الحزب الدكتور محمد مرسي بانتخابات الرئاسة في يونيو الماضي، بنسبة 51.7 في المئة من إجمالي الأصوات الناخبة، ليكون الرئيس الأول بعد ثورة 25 يناير، والرئيس الخامس الذي يتولى سدة الحكم في مصر. وقد بدأ التمثيل الإخواني بخمسة أعضاء في الحكومة الحالية برئاسة الدكتور هشام قنديل، فضلا عن تعيين محافظين، وتمتد المناصب القيادية إلى رؤساء المدن والأحياء وحتى عمداء القرى. ولم تكتف الجماعة بالهيمنة على أجهزة الحكم، وإنما امتدت إلى بقية مؤسسات الدولة، في إطار ما اعتبره البعض بأخونة الدولة، مثل تغيير مجلس الشورى أعضاء كل من المجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للصحافة، وكذلك رؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف القومية، ليكونوا من «الموالاة» للإخوان المسلمين. وفي هذا السياق، تسعى النخبة الحاكمة لإعادة تشكيل تحالف السلطة والإسراع بعملية هندسة المجتمع، لتصبح «الجماعة» هي وحدة التجنيد لشاغلي السلطة بعد يونيو 2012، مقارنة بوحدات تحليل مثل العائلة أو الشلة أو الدفعة «أي دفعة التخرج» هي الحاكمة في معايير التجنيد النخبوي خلال العقود الستة الماضية. وفي مواجهة هذه الهيمنة الإخوانية، ظهر خلال العام 2012 تحالفان جديدان، الأول تحالف الأمة المصرية الذي يقوده عمرو موسى، والثاني التيار الشعبي الذي يقوده حمدين صباحي، بخلاف حزبين سياسيين جديدين وهما حزب الدستور الذي يترأسه د.محمد البرادعي وحزب مصر القوية الذي يترأسه د.عبدالمنعم أبوالفتوح. غير أن أكبر ما يجمعها هو كراهية حكم الإخوان، دون القدرة على تشبيك معارضة قوية ومتماسكة، يمكنها أن تشكل بديلا للحكم القائم. ساد خلال العام 2012 توجها لعزل بقايا الحزب الوطني بعد هزيمتهم في الانتخابات البرلمانية في مراحلها الثلاث في العام السابق، لدرجة أنه لم ينجح عضو واحد منتمي لعضوية هذا الحزب. كما نجحت المحاولات الإخوانية والثورية في إخفاق المرشح السابق لانتخابات الرئاسة الفريق أحمد شفيق على أساس ارتباطه بنظام حسني مبارك، سواء كقائد للقوات الجوية أو وزير للطيران المدني أو رئيس للوزراء بعد الثورة. وفي مرحلة لاحقة، برزت محاولات للنخبة الحاكمة الجديدة لفتح ملفات فساد تدين الفريق شفيق داخل وزارة الطيران المدني أو قضية أرض الطيارين. كما جاء في الإعلان الدستوري الأخير الذي أصدره الرئيس محمد مرسي في 22 نوفمبر 2012، مادة تتحدث عن قانون لحماية الثورة، بما يعطي الحرية لملاحقة ما يطلق عليهم في وسائل الإعلام بفلول أو ذيول النظام السابق، وتضمن أحد مواد الدستور الجديد توجها لعزل رموز النظام السابق عن المشاركة في الحياة السياسية لمدة عشر سنوات، وهو ما أثار حفيظة أعضاء الحزب المنحل، وخاصة في محافظات الصعيد، وهو ما يحمل تخوفات بممارسات عنف سياسي، لا يمكن التنبؤ بمساراتها. يعد واحدا من التحولات الحادثة في العام 2012 قيام الرئيس محمد مرسي بتصحيح موازين القوى بين الإدارة المدنية المنتخبة والمؤسسة العسكرية التي قامت بدور رئيس الجمهورية بعد تنحي مبارك في 11 فبراير 2011. فبعد أقل من 43 يوما على تولي زمام السلطة، لم يجمد الرئيس الإعلان الدستوري الصادر من المجلس العسكري في يونيو 2012 «والذي جرد السلطة الرئاسية من بعض صلاحياتها» فقد، ولكنه أقال مصدريه وهم أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، عقب مذبحة سيناء، وخاصة المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان. ولم يحدث هذا القرار ردود أفعال غاضبة من جانب القوى السياسية الثورية التي ظلت تردد على مدى عام ونصف شعار «يسقط يسقط حكم العسكر»، لينهي مسألة السلطة ذات الرأسين. وبرز صراع حاد بين الرئاسة والقضاة، في عدة قرارات اتخذها الرئيس منذ توليه السلطة، مثل محاولة إعادة البرلمان المنتخب إلى العمل، وإبعاد النائب العام السابق عبد المجيد محمود بتعيينه سفيرا في الفاتيكان، ثم إبعاد النائب العام مرة أخرى في إطار إعلان دستوري جديد يحصن قرارات الرئيس من الطعن عليها، بما يجرد السلطة القضائية من اختصاصها الأصيل، وتعيين نائب عام جديد المستشار طلعت عبد الله. وقد دفع ذلك عدة هيئات قضائية إلى تعليق أعمالها احتجاجا على التغول على سلطتها. ويتوقع، خلال المرحلة المقبلة، احتدام الصراع بين الرئاسة والسلطة القضائية بعدما أعلن المئات من أعضاء النيابة العامة بالاعتصام أمام دار القضاء العالي للضغط باتجاه إقالة النائب العام، وهو ما دفعه لتقديم استقالته في 17 ديسمبر. كما لوحظ خلال العام 2012 أن هناك اتجاه نحو «تسييس القضاء»، مع تبلور ما يسمى «حركة قضاة من أجل مصر» التي تتخذ موقفا مؤيدا لقرارات الرئيس، في مواجهة نادي القضاة الذي يتخذ موقفا معارضا له. فضلا عن ذلك، فإن ثمة تسريبات من رئاسة الجمهورية تفيد بوجود تقارير تفصيلية حول مؤامرة متعددة الأطراف، تشمل قيادات في المعارضة، وشخصيات رئيسية من بقايا النظام السابق، وقضاة في المحكمة الدستورية، وقضاة في المحكمة الدستورية، وقيادات عربية خليجية، استهدفت الإطاحة بالرئيس، على الرغم من أن أدلة هذه المؤامرة لم تطرح على الرأي العام، M6 هو ما يجعل القضاء طرفا في الصراع السياسي، بما يحدث صداما آخذا في التعاظم. لم تعد الصورة التوافقية التي كانت عليها القوى السياسية إبان فترة الثورة، هي الحالة النمطية، إذ ساد الاستقطاب، بين أطراف المعادلة السياسية، خاصة مع وصول رئيس جمهورية محسوب على التيار الإسلامي إلى سدة الحكم. فقد شهدت مصر جدلا حادا بين التيارين الديني والمدني بشأن المسألة الدستورية، سواء في توقيت صياغته، قبل أو بعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وعضوية فريق تأسيسه، ومضمون بنوده. فقد سارت مصر عكس الاتجاه الطبيعي للمرحلة الانتقالية، بعد استحواذ التيارات الإسلامية على الأغلبية في المؤسسة التشريعية، حيث سعت إلى الانفراد بكتابة الدستور، وهو ما قوبل بمقاومة مجتمعية نتج عنها إصدار محكمة القضاء الإداري في 13 يونيو الماضي، ببطلان الجمعية التأسيسية الأولى فضلا عن إصدار المحكمة الدستورية قرار ببطلان عضوية برلمان 2012. وعلى الرغم من تشكيل جمعية تأسيسية ثانية لكتابة الدستور خلال منتصف العام 2012، لكنها أثارت أزمة حادة منذ ميلادها، لاسيما بعد غلبة المكون الإسلامي على أعضائها والإصرار من جانبهم على تبنى وجهة نظرهم في صياغة «المواد الخلافية» وتجاهل مقترحات القوى المدنية، والإصرار على الانتهاء من مناقشته والتصويت عليه خلال 48 ساعة، برغم من أن الإعلان الدستور لرئيس الجمهورية قد تطرق إلى إطالة الأمد الزمني لكتابة الدستور لمدة شهرين حتى يحدث التوافق بين القوى السياسية، وانبثق عن التيار المدني تحالف أطلق عليه «جبهة الإنقاذ الوطني» يجمع ككيان تنسيقي القوى الرافضة للإعلان الدستوري المكمل ومشروع الدستور. وهو ما أدخل البلاد في انقسام حاد. ومع خواتيم العام وتحديداً في 24 ديسمبر كشفت النتائج الرسمية للاستفتاء على مشروع الدستور والتي جرت على مرحلتين. وبلغت نسبة من قالوا «نعم» 63.8 ? مقابل 36.2 في المئة لمن قالوا «لا». وبلغ إجمالي عدد الناخبين المدعوين للاستفتاء متضمنة المصريين في الخارج 51 مليونا و919 ألفا و67 ناخبا والذين ادلوا بأصواتهم 17 مليونا و58 ألفا و317 ناخبا. تفاقم الأزمات الاقتصادية واجهت مصر، خلال العام 2012، أزمات اقتصادية خانقة مختلفة، تتعلق بضعف معدلات النمو وزيادة مشكلة البطالة وتفاقم حالة الفقر، وتعود تلك الأزمة إلى نقص الموارد الأساسية لتلك الدول، سواء التي تعلقت بالسياحة أو تحويلات العاملين في الخارج أو رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار. وهنا تكمن الإشكالية الحقيقية، التي تتمثل في ان ثورة توقعات المجتمع المصري تفوق بكثير قدرة الدولة على الاستجابة لمطالبها. وقد دفعت هذه الأزمة مصر إلى طلب الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية مصر وتحديدا صندوق النقد الدولي، وطلب الحصول على المساعدات من بعض الدول الخليجية. ولا توجد إحصاءات دقيقة بشأن حجم الاحتجاجات الفئوية أو القطاعية في مصر، غير أن المشاهدة المباشرة تشير إلى تزايد الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية في مختلف محافظات مصر خلال العام 2012 بشكل كبير، على نحو أدى إلى إطلاق «أرصفة الغضب» على الشوارع المؤدية لمؤسسات الدولة وحتى هيئات قطاع الأعمال العام وبعض شركات القطاع الخاص. وعلى الرغم من أن تلك الأشكال الاحتجاجية لم تكن من الظواهر الشائعة بشكل منظم في السياسة المصرية، باستثناء ما يتعلق بالعمال لأسباب تاريخية، ولم يكن ميدان هذه الاحتجاجات هو «الشارع» وإنما محل العمل، لكنها بدأت تأخذ طبيعة اكتساحية، ولم تعد هذه الاحتجاجات قاصرة على العمال وإنما امتدت لتشمل قطاعات جديدة وغير مألوفة في المجتمع المصري، مثل ضباط وأمناء الشرطة وضباط الصف بالقوات المسلحة وناقلي الأمتعة بالمطارات والعاملين في قطاع البترول ومرشدي السياحة والعاملين في الآثار.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©