السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صانع ماهر يروي حكاية مدينة اسمها أصيلة

صانع ماهر يروي حكاية مدينة اسمها أصيلة
6 مارس 2008 03:02
محمد بن عيسى، الوزير، المثقف، العارف بصنعته هو الذي حوَّل مدينة منسيّة على الأطلسي إلى أيقونة للثقافة، فاجتمع عندها شرق الأرض وغربها· محمد بن عيسى محاور ممتع، بذكاء لا يشعرك بالغرابة، ربما تتخيل لحظتها أنك قد التقيته منذ سنوات فلا تتحرج أن تحاوره بما تريد، يربط الأفكار بالسببية فتقتنع بما يقول بسهولة، عاش كل التناقضات العربية، وخرج برؤى مشرقة، يرى أن الثقافة هي أن تجعل الحجر ينطق والوجوه أكثر نضارة، الثقافة لديه ضد البؤس، وهي أيضاً عنصر فاعل في الارتقاء بالذات، الثقافة كما يريدها أداة توجه ذات الشعوب نحو التخلق والإبداع والمعرفة· التقاه (الاتحاد الثقافي)، فكان اللقاء رحلة عمر من الطموح والنضال من أجل مدينة صنعها بمهارة العارف اسمها ''أصيلة''، عروس البحر التي أراد أن يزفها إلى عالمنا العربي بعد خراب طويل لعقود مضت· خاض تجربة صناعة مدينة، حينها لم يرَ إلا الفنانين والمبدعين أمام امتحانه الصعب، فراهن بهم ونجح رهانه· شخصية العام بالأمس أعلن عن فوز محمد بن عيسى بشخصية العام الثقافية لجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الثانية تقديراً لإنجازه في تحويل مدينة منسيّة إلى عمق التاريخ الثقافي العربي الجديد تقديراً لصناع الثقافة ولمبتكري أساليب ترويجها وكي تلتقيه لابد أن تطلب معرفة الكثير عن هذا المنجز ويسرد لك ما صنعه بعذرية، وكيف أقدم على هذه الفكرة التي يسميها ''جنونية'' فتستغرب، فيرد عليك: نعم أنا أفهم الجنون لا بمعناه المتعارف ولكن بمعناه الثقافي الذي يراد به أن من يشتغل خارج المألوف والسائد والعادة هو الجنون بعينه· في البدء هنأناه بحصوله على جائزة الشيخ زايد للكتاب وحاورناه كي نستنطق مشاعره حين تقبل هذا الفوز الكبير، فرد قائلاً: قبل أن أتحدث عن الجائزة، لابد لي أن أتحدث عن شخصية المغفور له الشيخ زايد ''رحمه الله'' حين قاد بتبصره وفطرته الغنية بالمعرفة العربية الجذور وبإبداعات عقل خلاق قل نظيره قبائل وتجمعات منتشرة على هذه الأرض وخلق منها دولة، بناها فأعلى بناءَها وشيّد صروحها ولم يكتف بذلك، بل بدأت يده تمتد عطاءً إلى الآخرين، التاريخ موضوعي والحقيقة معروفة، فتاريخ الشيخ زايد معروف حين دعا مراراً وتكراراً لجمع شمل العرب والمسلمين· ولهذا السبب أقول إنه شرف كبير أن أتوج بهذه الجائزة التي يكفي لها أن تحمل اسم الشيخ زايد ''رحمه الله''· ويضيف ابن عيسى: الجائزة تأتي لتُجسد الإرادة في معناها الحقيقي، إرادة القيادة كما أنها تجسد الإبداع لدى الإنسان، ولا أعني الإبداع الفني بمعناه الأحادي الجانب فقط وإنما أعني الإبداع بشموليته، السياسية والتكنولوجية والاجتماعية، حيث يستطيع هذا الإبداع توظيف مخيلة الإنسان وتفجير طاقاته لتحقيق ما يريده الإنسان نفسه والآخر·· وللحقيقة التي عرفها كل المبدعين في عالمنا العربي بل العالم الآن أن جائزة الشيخ زايد قد تميزت عبر دورتين لها لحد الآن بجديتها وموضوعيتها وإنصافها منذ بدايتها، وحين تمنح لكتاب ومفكرين ومبدعين لا يجادل أحد في كفاءاتهم وعطاءاتهم وفي مواقعهم التي حفروا لها ركائز قوية تجعلهم أهلاً لحمل هذه الجائزة الكبيرة والنقية· وعن كيفية ترشحه للجائزة، قال ابن عيسى: أنا شخصياً لم أعرف أنني مرشح للجائزة، وحالياً أمر بلحظات مهمة من التأثر والغبطة ربما تجعلني في أوج فخري واعتزازي كوني حصلت على هذه الجائزة؛ لأنها تحمل اسم قائد عزيز وكبير تربطه بالمغرب روابط خاصة، فالمرحوم الشيخ زايد ''غفر الله له'' والمغفور له الملك الحسن الثاني كانت بينهما مودة وصداقة أعرفها أنا واطلعت عليها حين أقاما علاقات قوية ومتجذرة بين الأسرتين الحاكمتين وبين الدولتين الشقيقتين· وحينما كنت وزيراً في عهد الحسن الثاني والملك محمد السادس تشرفت بإيفادي من الملك للقاء الشيخ زايد ''رحمه الله'' فجلست معه وسمعته وحاورته كثيراً فوجدت كل ما تحدثت به من صفات الإبداع لدى الإنسان، وأقصد به توظيف المخيلة الإنسانية كي تفجر طاقات الشعوب في كل المجالات· هنا أربط بين مفهوم الثقافة بمعناه الشمولي وفي جميع أطره· ويضيف محمد بن عيسى بقوله: أن تفوز بجائزة تحمل اسم قائد بارز متبصر، معرفي، له رؤية ثاقبة تجسدت باهتمامه بالعلم والفن وإكرام الفنانين والأدباء والمثقفين والمبدعين في شتى المجالات ناهيك عن بناء بلد كامل وتأسيسه قطعة إثر قطعة· كل هذه الأسباب كيف لا تجعلك تعتز بجائزة تحمل اسمه، إنني أقول بصدق: أعتز بهذه الجائزة وأفتخر بها وأعتبرها مساءَلة لي ودعماً للمضي قدماً في الالتزام بما آمنت به وما استحققت من أجله هذه الجائزة· حكاية أصيلة ولأن محمد بن عيسى من البراعة في حديثه الطلي ما يربط البدايات والمقدمات والأسباب بالنتائج حاورناه عن بدايات أفكاره، وهل ثمة محفز قاده إلى الأشياء الذكية والجميلة التي بدأ بها في تحويل أصيلة المدينة الهامشية إلى مركز في ثقافتنا العربية بل نقطة التقاء معرفي بين الشرق والغرب؟·· فيرد مستذكراً المقدمات ليستخرج أسبابها فيقول: فكرة ''أصيلة'' كانت مثل كل الأشياء التي تنمو وتترعرع، حيث بدأت بذرة لابد من رعايتها والقلق عليها، يومها كنت شاباً صغيراً، فكان حلمي أن أرى مسرحاً في بلدتي، كنت أتمنى أن أرى في مدينتي مكتبة، وذهبت في عام 1961 إلى الولايات المتحدة فاطلعت منذ الأشهر الأولى على عناصر الثقافة هناك وكيفية إدارتها والإعلان عنها بل تجسيدها في مهرجانات وندوات وتجمعات· وكالعادة شرحت الأمر لأصدقائي، ومن بين أصدقائي كان أحدهم فناناً تشكيلياً كان يستمع باهتمام بالغ وكأن الفكرة بدأت تروق له هذا قبل أن تستحدث ''فرنسا'' مدينة الفنون تخيل ذلك·· ويسرد محمد بن عيسى حكايته مع أصيلة منذ بداياتها: تركت أصيلة منذ عام 1954 لسنين طويلة، وكنت أعود بين فترة إلا أنني عدت نهائياً إليها عام 1976 وخلال كل هذه الفترة كنت قد اختبرت المعرفة وجنيت منها تخرجي في الجامعة· هنا بدأت تواجهني ''أصيلة'' كفكرة ورؤية حينما وجدتها مدينة مختلفة عن تلك المدينة التي أعرفها يوم غادرت منها، وجدتها جبالاً من ''القمامة'' حيث الفقر، والماء المفقود والأسوار المنهارة مدينة من الخراب، وحينها صدمت وقلت في نفسي ما قالته العرب ''مدينة الذب تهجر''·· وما كان حديثي مع الأصدقاء إلا وموضوع ''أصيلة'' يقلق ذهني· فما كان من أحدنا إلا وطرح فكرة المشاركة في انتخابات البلدية، نحن الآن في عام ،1976 حيث صدر ميثاق ''الجماعات المحلية'' الذي يعطي البلديات ما لها من حقوق ودور مما يقلل من وصاية الدولة· وهذا جاء كله بعد المسيرة الخضراء، حيث بدأ المغرب الجديد بالانفتاح على الديموقراطية في عهد الحسن الثاني والذي نعيشه بكل تفاصيله حتى الآن· ثم وباستمتاع جميل يكمل محمد بن عيسى قصة مدينته وحكايته معها فيقول: كنا شباباً متحمسين إلى أقصى طاقة الشباب، فتوج هذا الحماس بفوزي أنا وصديقي الفنان التشكيلي في عام 1977 بعضوية المجلس البلدي لمدينة أصيلة· كنا مستقلين لا ننتمي لأي اتجاه سياسي غير أننا اكتشفنا أن البلدية لاتملك قدرات مادية ولا بشرية يمكن أن تعيننا على تحقيق حلمنا· فما كان لدينا من بين المنتجين أعضاء يتمتعون بكفاءات معرفية أو بتجربة في هذا الحقل وطرح على المجلس ما يطرح على كل مجالس البلدية في العالم، وهو السؤال التمهيدي والمؤثر ألا وهو كيفية جمع النفايات والتخلص منها·· كنا حينذاك وقبل ثلاثين عاماً 15 عضواً في المجلس البلدي من بينهم المعلم وإمام المسجد والمثقف·· والمتعلم، إلا أنني اقترحت ما لم يكن في حسابات أعضاء المجلس عبر فكرة جنونية، وأقصد بذلك أن كل عمل يخرج عن العادة يمكن تسميته بالجنوني ''لماذا لا ندعو مجموعة من الفنانين المغاربة لصبغ الجدران في المدينة ونضع مع كل فنان مجموعة من أطفال المدينة كي يكونوا حراساً على عدم تشويه ما رسمه''· كان جل هذا الكلام في المجلس البلدي، فوجدت من أثارته الدهشة ومن عدّ كلامي ضرباً من الخيال ومن عدّه إسرافاً في تخيلات حالمة لاتمت للواقع بصلة، إلا أنني أصررت على تلمس هذا الحلم - التجربة وكان الكلام هذا كله داخل المجلس البلدي، بدأت بكتابة الرسائل إلى 11 فناناً مغربياً ولشدة استغرابي أنهم تجاوبوا معي وجاءوا متحمسين إلى مشروع ثقافي سوف يحكي قصة تحول مدينة من الخراب الواقع إلى الجمال الآسر· ولم يمض أسبوع واحد إلا وكان العمل ينهض بضربات الألوان الزاهية والبريق الجذاب الذي أخذ يتجسد شيئاً فشيئاً ليتحول الحلم إلى حقيقة لابد أن تكتمل· محفزات الفكرة ولأن محمد بن عيسى لابد له من أن يعرج على محفزات هذه الفكرة وإيحاءاتها الأولى والدافع الذي جعله يفكر في هذا المشروع الثقافي العربي الرائد والذي سألناه عنه وعن تجذره الذي قد يكون في (اللاوعي)، فقال معيداً: عندما كنت أعيش في غانا كنت أسافر إلى مدن مثل ''زاريا'' و''كادونا'' و''سكوتو'' وشمالاً في النيجر خاصة في ''زندير'' هذه المدن تمتلك رسومات خيالية، كنت مسحوراً بها، أقتنص اللحظات الجميلة لأصورها وأحاول جاهداً أن أعرضها ليشاهدها الفنانون المغاربة، وربما كان ذلك قد تجسد في (اللاوعي) الذي يكمن في ذهني والذي قلت فيه حقاً· إن (اللاوعي) ينهض في لحظة ربما تحتاج إليه ليكشف لك رؤية غائبة· ولابد لنا أن نسأل الرجل التنويري، الذي جعل الثقافة همّه الأول عن كيفية تقبل المكان أصيلة لهذا التحول فيقول: في خلال أسبوعين بدأ شيء غريب يظهر بشكل مفاجئ· إذ أخذ الناس يصبغون بيوتهم· وهنا طرأت في ذهني فكرة تكوين جمعية وهذه الفكرة ربما استقيتها من كل مشاهداتي في الولايات المتحدة، حيث ظل هذا الأمر هاجساً في ذهني وهو ''أن العمل الجاد، والحقيقي لابد أن يكون بمشاركة الآخرين، أي العمل غير الحكومي، ولهذا السبب بدأنا بفكرة تأسيس جمعية (المحيط الثقافية) في مايو عام ·''1978 وقبل ذلك وفي عام 1977 كنت قد تقدمت للانتخابات التشريعية وللبرلمان وكنت ممثلاً لأصيلة فيه، وفي يوليو 1978 نظمنا مهرجان ''أصيلة'' الثقافي، ودعونا التشكيليين من خارج المغرب، فجاءنا من فلسطين ناصر السومي والدباغ من العراق ومن أميركا وأوروبا وبالطبع كان حضور التشكيليين المغاربة واضحاً منذ البدايات، حيث فتحنا أول مشاغل الحفر· ثم بدأت أصيلة تستقبل مبدعي العرب والعالم، جاءنا البياتي وبلند الحيدري وأدونيس وخالدة سعيد وصلاح ستيتية·· من كل الاتجاهات والثقافات المتقاطعة والملتقية مع بعضها، كانت أصيلة تستقبلهم بكل تقدير لثقافتهم ولإبداعهم· تأويلات غريبة ولابد أن نسأل محمد بن عيسى وسط هذه الحكاية وهذا التحقق الجديد لعالم ثقافي جديد لمدينة ناهضة للثقافة عن موقف الدولة من هكذا مشروع يكسر نمطية تعامل الإدارة الرسمي والبطيء، فقال: نعم هنا بدأت أصيلة تدخل في صراع مع السلطة التي اعتبرت هذا العمل تجاوزاً، حيث بدأت الشكوك تنسج حول حكايات وتأويلات غريبة وللأسف أيضاً فإن بعض الأحزاب الوطنية لم تستسغ الأمر فقد بدأت الاتهامات تثار حولنا فمنهم من اتهمنا بالشيوعية وبعضهم من أسبغ علينا صفة العمالة ووصفت بالعملاء· لمن لا تدري، ولماذا، لا نعرف لقد واجهنا كل ذلك، عراقيل لا آخر لها ولا أول لولا أن الملك الراحل الحسن الثاني ثم ولي عهده آنذاك الملك محمد السادس لما استمر مشروع ''أصيلة'' الثقافي· ولأن محمد بن عيسى لم يأت من فراغ، بل كان تخصصه في الاتصال الجماهيري قد منحه كيفية أن يفهم الآخر فيتعامل معه بعلمية مدروسة وبثقافة شفافة وبروح مملوءة بالصدق استفسرنا منه عن طريقة توظيف خزينه المعرفي في هذا المشروع الرائد، فقال: نعم أنا وظفت تخصصي بالاتصال في هذا المشروع، وأقول بكل صدق لقد وظفت كل ما تعلمته في فن الترويج والوصول إلى الآخر وتسويق ما نريد تحقيقه بأسلوب حضاري ومقنع وسليم· ولأذكر لك حالة مهمة كان من الضروري أن تحدث، فحينما جاءنا ولي العهد آنذاك الملك محمد السادس عام 1978 طلبنا منه أن يكون رئيساً شرفياً لهذا المشروع العملاق وبصدق كان هذا الأمر هو المظلة التي حمتنا· هنا لابد أن نتطرق مع محمد بن عيسى عن علاقة الإبداع والثقافة التي تمثلها أصيلة كمشروع ثقافي عربي رائد بالاقتصاد والمردود العملي في التنمية، فقال: عندما كوَّنا جمعية ''المحيط الثقافية'' وأطلقنا عليها مسمى جمعية غير حكومية بدت هذه الكلمة أو العبارة جديدة كل الجدة بل غريبة بكل ما تعني الكلمة من معنى، غير أننا وضعنا هدفاً أسمى وطرحنا شعار الثقافة والإبداع من أجل التنمية أولاً وقلنا مجاهرين إن الثقافة تعد مورداً مهماً مثلها مثل النفط أو الذهب، وبمعنى آخر طرحنا قضية تنموية بكل مفاصلها، تنمية في الإنسان أولاً أي محاولة لصقل أحاسيسه وقدراته الإبداعية كذلك طرحنا المشكلة التي يتحدث عنها العالم اليوم بعد 30 عاماً وهي كيفية بناء الإنسان وتنمية مواهبه من أجل ألا يبقى غير مشارك في عملية البناء، بناء الذات أولاً والعالم ثانياً وكلاهما يعكس نتيجته على الآخر· ونسأل محمد بن عيسى عن الصورة التي عكستها الصحافة واهتمامه الاستثنائي بها ودورها الفاعل في هذا المشروع فقال: تلك الطروحات التي تكلمت عنها أثارت ضجة في الصحافة، وبدأت تأخذ جانباً مهماً من حوارات المثقفين عن كيفية فهم الثقافة بمعناها الجديد والعملي وهي الربط بين الثقافة والتنمية، نعم استفدنا من كل طروحات الصحافة وكانت عوناً كبيراً لنا· قصة أخرى ولأن اسم مهرجان أصيلة قد تغير إلى ''الموسم''، فإن لهذا قصة أخرى يرويها محمد بن عيسى وكأنه يستذكر تاريخها الآن وهو الذي حدث لعقود مضت: في عام 1978 شرعت جماعة طارئة على تنظيم ''مهرجان أصيلة الدولي'' بجوار مهرجاننا، إلا أننا وبذكاء أيضاً غيرنا اسم مهرجاننا إلى ''الموسم'' بدلاً من كلمة ''المهرجان'' وأصررنا على ألا يدخلوا المدينة القديمة فهي محرمة عليهم ولابد لها من حرمة، وقد حلت القضية من قبل الوزير الأول آنذاك ''رئيس الحكومة'' باقتراح رائع وهو أن نكون في مركز المدينة وأن يكونوا هم في خارجها، هامشها غير المؤثر· والحكاية لم تنته والطموح يظل شاغل محمد بن عيسى وهو يستقبل رؤساء الدول لزيارة هذه المدينة الثقافية التي تحولت إلى استثمار حقيقي في الثقافة ويستقبل مبدعي العالم شعراء الأمم وكتابها الكبار وصانعي أمجاد آدابها فيقول: التنمية الذاتية كانت هدف أصيلة فقد وظفنا الثقافة والإبداع لاستقطاب الاستثمار فما كان من ناس أصيلة أن تحولوا إلى مستثمرين هم أيضاً فقد بدأوا بتأجير بيوتهم إلى مستثمرين مقبلين على المدينة بكل أموالهم، حيث تحول صيف أصيلة إلى صيف ساخن بالاستثمار والتنمية· ويتذكر محمد بن عيسى زيارة الرئيس السنغالي الأسبق الشاعر ''سنجور'' إلى أصيلة وعلاقته برؤساء دول العالم وحب بعضهم للثقافة واستغرابهم من أن تكون الثقافة عنصراً فاعلاً في طريق الاستثمار الحقيقي، فيقول: نعم تربطني بالشاعر سنجور علاقة ودودة وحب كبير· هناك عنصر أساسي ومهم لابد من أن يتعلم أي إنسان يتولى قيادة ما أن يكون منتمياً إلى محيطه الذي ينتمي إليه، حينها يتحدث ويعشق هذا المحيط بكل حب· حوار الثقافات ولأن محمد بن عيسى قد دعا إلى حوار الثقافات بأن تكون ''أصيلة'' نقطة التقاء بين شعوب العالم، ثقافاتها، أفكارها، نقطة تتجسد في مدينة فلابد له من أن يعرج على هذا الموضوع بقوله: عندما بدأنا أصيلة عام 1978 كانت هناك انشغالات داخلية وهناك أخرى دولية، وأنا للتو قادم من العمل الدولي، حيث 7 سنوات قضيتها في أفريقيا وجلت العالم، ولسبب ما كنت أفهم أننا عندما نريد اعترافاً بقضية تخصنا فإننا نذهب إلى الشمال ليعترف بجنوبنا، وعندما جئت لأصيلة برسالة أخرى مختلفة بأن نبني تاريخاً آخر بأن يأتي من الشمال الجنوب وأن نبني حواراً مع الآخر في ''أصيلة'' في بيئة نظيفة، نبني حواراً يقوم على أساس فهم واقعنا الحقيقي من دون عقدٍ سابقة، لكي نقول للآخر إننا نرفض أن نلقي أنفسنا على مسار ''الاستلاب'' وأخيراً نقول له نريد أن نتعاون معكم من دون وصاية من أي طرف وفي العمق· أقول كنا شغوفين أن نقيم مكاناً ما يجمع العرب والآخرين بل الآخر الذي يحاورنا بصدق ووضوح وصراحة، وعلى الآخر أن يأتي إلينا، ولذا فإننا دعونا منذ البداية عرباً وغربيين، هذه هي القواعد التي أسسنا عليها عملنا، ساعتها كان هذا الأمر مخيفاً حقاً وهنا لابد من أن أذكر أن حديثي معك بدأ عن طبيعة حوار الآخر وكيف يصنع الرجال دولاً وحين ذكرت المغفور له الشيخ زايد ''رحمه الله'' إنما أردت أن أربط بين ما قام به في تأسيس دولة تقوم على أساس استيعاب العالم وفهمه والتعامل معه وفق منطق حواري، هادئ، سليم، ليس فيه أي حقد على الآخر، وكي أذكر بذلك هنا لابد لي من ذكر أن النخبة المثقفة كانت لها تقاطعات وصراعات فكرية، نحن في أصيلة دعونا كل هؤلاء حتى أن بعضهم من احتج علينا، وقلنا أليس من الأفضل أن يتشاجر هؤلاء المبدعون والمفكرون مع دولهم على أرض عربية بدلاً من أن يتشاجروا في أوروبا؟ كنا اذاً نجمع هؤلاء المفكرين لكي نؤسس لفكرة تلاقح الثقافات في أصيلة عبر وجود الديموقراطية والحرية والأمن· أقول إن أصيلة كانت بداية لتأسيس برلمان العالم الثالث· هنا أود أن أقول إن الشيخ زايد ''رحمه الله'' كان يدعو إلى التحاور والتقاء المفكر مع المفكر والمثقف مع الآخر من أجل مستقبل لا تشوبه شائبة بل يقوم على أسس نبذ الأحقاد والتغاضي عن الصغائر، إنه حقاً قد سبق عصره بحكمته الآسرة والنافذة حينما أراد أن يجمع العرب وأن يتحاور مع الآخر بكل صراحة ووضوح· ولأننا لابد أن نسأل محمد بن عيسى: هل نحتاج إلى محطات جديدة أشبه بأصيلة؟ فيقول: ربما نحتاج إلى محطات مثل أصيلة، والمهم أن نبقى على تخصيب هذا الحوار والتلاقي والتحديات، حيث المفكر هو الموجه للآخرين حين يجد موطن الخلل والضعف في النفوس· وهنا نسأله: هل يرى أن الثمانينات من القرن الماضي كان فيها الحوار أخصب من الآن خاصة بعد أحداث كبرى هزت العالم؟ فيقول: نعم لدينا الآن حساسية تجاه العالم بعد 11 سبتمبر، فنحن الآن نشعر أن أبواب الحوار ملوثة، إننا لا نسمع من الآخر وأصبحنا مشكوكاً فينا، ولذا أعتقد أننا يجب أن نبقى على توريث ما هو من صميم حضارتنا وثقافتنا وهو الحوار، وأن نبقى على السلوك السلمي في تناول الموضوع المطروح خاصة أننا يجب أن نقيم أنفسنا فإننا ''ضعفاء'' فحينما يقوم الضعيف بمحاربة القوي من دون سلاح فإنه يكون منتحراً فالأجدر به أن يحاوره· بن عيسى في سطور من مواليد الأول من آذار مارس1937 في مدينة أصيلة المغربية، متزوج وأب لخمسة أطفال· الدراسة 1960 ـ 1961 : طالب في كلية الآداب، قسم الصحافة، جامعة القاهرة· 1963: الإجازة في علوم الاتصال من جامعة مينيسوتا (الولايات المتحدة)· 1964: منحة من مؤسسة روكفلر للقيام بأبحاث في مجال الاتصال بجامعة كولومبيا الأميركية في نيويورك· المسؤوليات الرسمية: 1963 ـ 1965 : ملحق إعلامي بالبعثة الدائمة للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، بنيويورك· 1965 ـ 1967 : ملحق إعلامي، بدائرة الإعلام للأمم المتحدة في نيويورك وأديس أبابا، إثيوبيا· 1967 ـ 1971 : مستشار إقليمي في الإعلام لدى منظمة الأغذية والزراعة )ئءُ( في القارة الإفريقية، (مقر المكتب الإقليمي، أكرا، غانا)· 1971 ـ 1974 : رئيس قسم الاتصال، مديرية الإعلام، بالمقر المركزي لمنظمة الأغذية والزراعة (FAo) في روما، إيطاليا· 1975: الأمين المساعد لمؤتمر الغذاء العالمي للأمم المتحدة في نيويورك وروما· 1974 ـ 1976 : مدير دائرة الإعلام في منظمة الأغذية والزراعة (FAo) في روما، إيطاليا· 1977 ـ 1983 : عضو المجلس البلدي لمدينة أصيلة (المغرب)· 1977 ـ 1984 : نائب برلماني، بمجلس النواب المغربي· 1977 ـ 1984 : مقرر لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب المغربي· 1983 ـ 1992 : رئيس المجلس البلدي لمدينة أصيلة· 1984 ـ 1992 : إعادة الانتخاب نائباً برلمانياً· 1985 ـ 1992 : وزيراً للثقافة· 1993 ـ 2008 : إعادة الانتخاب رئيساً للمجلس البلدي لمدينة أصيلة· 1993 ـ 1999 : سفير صاحب الجلالة ملك المغرب، لدى الولايات المتحدة الأميركية، واشنطن· 1999 ـ 2002 : وزيراً للشؤون الخارجية والتعاون· 2002 ـ 2007 : أعيد تعيينه وزيراً للشؤون الخارجية والتعاون· الوظائف الحالية رئيس المجلس البلدي لمدينة أصيلة، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة· النشاطات الثقافية والسياسية: 1978: عضو مؤسس لحزب التجمع الوطني للأحرار· 1981 ـ 1986: مدير ورئيس تحرير جريدتي ''الميثاق'' و Al Maghreb· 1984 انتخب عضواً للجنة التنفيذية لحزب التجمع الوطني للأحرار· 1976: أصدر كتاباً مشتركاً مع الطاهر بن جلون ''مسامات'' ( منشورات شوف/ 1976)· 1992: تخلى عن العمل السياسي الحزبي· 1998: فاز بجائزة الآغاخان للعمارة الإسلامية عن إعادة تأهيل مدينة أصيلة، القاهرة· 1999: جائزة رجل السنة من مؤسسة الفكر العربي، ببيروت· نشاطات المجتمع المدني 1978: أسس ''جمعية المحيط الثقافية'' التي أشرفت على تنظيم أول دورة لموسم أصيلة الثقافي الدولي· 1983 ـ 2008: أمين عام والرئيس المؤسس لـ ''مؤسسة منتدى أصيلة''· عضو في عدة مؤسسات ومنظمات دولية وإقليمية· ü يتقن عدة لغات: العربية الإنجليزية الإسبانية الفرنسية والإيطالية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©