الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنا ذو النونين.. في حبة قمح

أنا ذو النونين.. في حبة قمح
16 مارس 2016 23:06
إعداد وتقديم - عبير زيتون رحل بستان اللون، وخَبَا ضوءُ المصباح الأزرق مع تشييع الأوساط الثقافية والفنية فى دمشق، والعالم العربى يوم (22 فبراير الماضي ) قامة دمشقية استثنائيّة من قامات الفن التشكيلي المعاصر، وأحد مؤسسي الحداثة التشكيلية في سوريّا، إلى مثواه الأخير عن عمر يناهز 78 عاماً، قضاها محارباً مخلصاً لفنه، باحثاً مجدداً في تطوير مسيرة الفن التشكيلي المعاصر. أرسى الفنان التشكيلي الراحل نذير نبعة ( 1938 - 2016) على مدى أكثر من نصف قرن، أسساً جديدة في مسيرة الحركة التشكيلية الحديثة والمعاصرة، معتمدا على توظيف رصيد كبير من التراث، في جانبه الأسطوري والحكائي، توظيفاً معاصراً، فقدم تجربة فنية معاصرة اتَّسمت على الدوام بالخصوصية، والتطوُّر والانعطاف حسب كلِّ مرحلة من المراحل التي كان فيها باحثاً شغوفاً عن الجمال في عوالم الطبيعة، مطوراً في رحلته السيزيفية مع اللوحة، أدواته وموضوعاته، حتى غدا مرجعية بصرية للعديد من الفنانين التشكيليين. أقام الفنان الراحل نبعة 7 معارض شخصية بدأت منذ نهاية الخمسينيات، لعل أشهرها: (الدمشقيات)، (المدن المدمرة)، و (تجليات) وغيرها، وحصل على مجموعة من الجوائز منها: وسام الاستحقاق السوري، من الدرجة الممتازة، وجائزة المدرسة العليا في باريس، وله تجارب ومشاركات في مجال الرسم الصحفي، ورسوم كتب الأطفال والكتابة في مجال الفنون التشكيلية. أدعوك لترسم في لوحتي لوحتك، أدعوك لترسم في فرحي غضبك. أدعوك لترسم في منظري.. وجهك، لأن هناك نافذة أخرى للرؤية. *** أتمنى أن أكون هذه النبعة، وأن أحمل معنى اسمياً، وأنا ذو النونين السوري والمصري، فالنونان هنا تشكلان بداية اسمي وكنيتي، ولدت في 5 حزيران 1938، ثم صادف هذا التاريخ 5 حزيران يوم النكسة، و1938 هي السنة التي تم فيها سلخ لواء الاسكندرون عن سورية، أنا اسمي نذير وليس بشير! *** الموت لدي هو ما بعد الحياة؛ وهو ليس شيئاً محزناً أو مخيفاً؛ فما بعد الحياة يمكن أن تكون هناك حياة أخرى، فعندما أقول إن بياض اللوحة هو الموت يعني هذا أن الأبيض لا أشكال ولا ألوان؛ بل هو سديم من البياض، مثله مثل الليل بالنسبة لطفل؛ ما إن يطلع عليه نور الشمس الذي يضيء العالم من حوله؛ حتى تبدأ الحياة فيتبدى المشهد جلياً أمامه؛ ويرى هذا الطفل العصافير والأشجار والفلاحين في الحقل، أجل الحياة تبدأ مع هذا النور. *** عشتُ طفولتي في بستان، شارداً بين أشجاره وأزهاره وأوراقه، فأخرج من الغرفة إلى ضفتي الساقية التي كانت ترتع على جانبيها العديد من وريقات الأزهار الملونة، وهنا كانت تتتابع أمامي أشكالها السحرية، مستطيلة ومائلة ونائمة على صفحة الماء. *** ذاكرة بستان هي الجذور التي صنعت المفاهيم والأشكال والرموز التي تراها اليوم في لوحاتي فلو كان العمر شريط فيديو ورجعنا به إلى الوراء، فستكون فترة طفولتي هي من أجمل أيام عمري، تلك الفترة قضيتها في بستان جدّتي «أمّ محمود» في المزّة، القرية المشكلة من بيوت طينيّة وليس على ما تراه اليوم من إسمنت أكلها عن آخرها. *** كنت أرافق والدتي إلى سوق الحرير في دمشق، فاكتشفت عالماً لونياً باهراً في الأقمشة الشعبية التي كانت تبتاعها أمي من هذا السوق، ثم صرت رسّاماً لأقمشة النساء، ومناديل الغرام، المناديل التي كانت شائعة في أربعينيات القرن المنصرم، إذ كنا نكتب عليها أبياتاً شعرية في الغزل، وكانت تُهدى إلى المحبين. *** في البداية حاولت أن أكون شاعرا وفشلت، ثم وجدت نفسي رساما. والعربي شاعر قبل أن يكون أي شيء آخر. فالعربي يبدأ التعبير بالكلمة لذلك كان الفنان الأول في القبيلة الشاعر. *** الاتجاه للتراث عندي لا يعني لبس ملابس الجدود ولكن استكشاف علاقتها بالمكان والزمان، استكشاف الروح الكامنة وراء هذه الأشكال ذات الملامح الخاصة. *** إن الشكل عندي يأتي من الخيال من دون اعتماد النموذج الحي. كما أصبح البحث عن الروح المختفية وراء الأشكال هو شاغلي وليس الأشكال بحد ذاتها. كما أن تلك الجمالية الغنائية في أعمالي أعتبرها ردا على تلك الأشكال المشوهة التي كُرست في الفترة السابقة تحت شعارات ثقافية زائفة. وأنا أعتبرها رؤيا قاصرة أحيانا، ومريضة أحيانا أخرى للواقع والحياة. *** أحس أن حكاية (المفاضلة) هي أحد عيوب التفكير، لقد تعلمت ذلك من دراستي للتراث الإنساني التشكيلي منذ عصر الكهوف وحتى الآن. لم تلغ فترة أهمية الفترة التي سبقتها، إنه نبع متدفق من النتاج الفني الذي تودع فيه الإنسانية جوهر وجودها، وليس فقط جمالياتها وهو متعدد الصور متنوع الأفكار، لكنه يصب في النهاية في تيار الحضارة الإنسانية. *** الكل موجود في الجزء. إن الحياة كلها موجودة في حبة قمح ضعها في باطن الأرض تراها تتجلى أمامك، وتعطي ما يطعم جميع البشر. *** أعتقد أن اللوحة هي نوع من الاتصال بالآخر. فأنا رسام وعلاقتي بالآخر هو إنتاجي الفني. وعندما تكون لدي رغبة في عرض أعمالي فيجب أن يرافق هذه الرغبة احترام للمتلقي، هذا الاحترام يوازي احترام العمل وينبع منه. *** رهبة الجمال البصري أمامي تجعلني أتجاوز نفسي لأتماهى مع المكان، لأني أعرف أن هذه أرضي وهذا عالمي. *** أنا متأثر بالفنون جميعا، بالفرعوني، والآشوري العراقي والمنجزات الفنية العالمية، ولكني أعبر عنها بلغتي السورية، أنا أتعلم من مجموع هذا، ولست مقلداً له. *** أحمل فكراً وطنياً وإنسانياً، أي أن انتمائي الفكري كان إنسانياً بالدرجة الأولى، وأنا أؤمن أن الإنسان إذا لم يحب نفسه لا يمكنه أن يحب غيره! أي إذا لم أكن سورياً، لا يمكن أن أكون عربياً، وإذا لم أكن عربياً لا يمكن أن أكون عالمياً، حتى الآن أنا غير مهتم للعرض في الخارج، لأني مؤمن أنني إذا لم أحقق هذه التراكمات هنا، لا أكون بالنسبة للآخرين مقبولاً! *** الألوان مخلوقات لها حياتها على سطح اللوحة تتنفس، تتآلف وتتنافر وتصنع مشهداً بصرياً مليئاً بالموسيقى والحركة. وإلا لا يكون هناك لوحة وتبقى صامتة، فالألوان لها علاقتها بالحالة النفسية والمزاجية، وأنت عندما تريد رسم الفرح لا ترسمه بالأسود! *** الرمان عندي رمز للشرق فهو فقير من الخارج وغني من الداخل، وهو كالبيت الشامي من الخارج طين وتبن، لكنك ما أن تدخل إلى الداخل حتى تجده جنة. *** لا يمكن للوحة تخلو من الفكر، أن تكون قابلة للحياة. *** نحن بحاجة إلى العمل الجماعي ليس في الفن فقط، بل في كل الأشياء، فالعمل الفردي بطيء الحركة وقليل المردود، ولا يحدث تراكماً، لدينا فنانون ولكن ليس لدينا حركة فنية؟ *** الرجل الوحيد الذي رسمته هو الشهيد، والفدائي، والعامل. فغضبي كبير من وعلى الرجال الذين ضيعوا بلادهم ولم يكونوا أبناء صالحين. *** * من شاء سما وتوحد، ومن شاء كبا وتبدد. وهنا كبا ليست بمعناها السلبي، وهكذا تبدد. كبا هنا بقرار وبإرادة ورغبة بمعنى الموت في هذا التراب والبعث من جديد، هي عودة إلى الجذور والانطلاق منها، هنا الرؤية متسعة، ولكن العبارة تضيق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©