الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكاية «الأيام»..

حكاية «الأيام»..
16 مارس 2016 23:06
عصام أبو القاسم شكلت أيام الشارقة المسرحية منذ انطلاقتها في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، منعطفاً مهماً في تاريخ المسرح الإماراتي، إذ انتقلت بهذا المسرح من طور الهواية والمبادرات الشخصية، إلى سبيل الاحتراف والاشتغال المؤسسي، المشروط باللوائح والنظم الضابطة. وعدا عن كونها أول مناسبة مسرحية وطنيّة جامعة هي أيضاً أول تظاهرة فنية خُصصت لاختبار وتقييم مستويات المنتج المسرحي المحلي، في عناصره المختلفة. اليوم، بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة على انطلاقة دورتها الأولى، يمكن القول إن «الأيام»، لم تصنع فقط المشهد المسرحي المعاصر في الإمارات، بعروضه ورؤاه وأفكاره وطموحاته وأسئلته، ولكنها أيضاً ساهمت بقدر كبير في صياغة الحركة الثقافية في عمومها، بأعلامها وصحافتها الفنية ورموزها الفكرية وكتّابها ومؤلفاتها، فعلى مدار دوراتها كانت أيام الشارقة المسرحية منصة واسعة لطيف واسع من الفنانين في المجالات المختلفة، فلطابعها الجاد والرصين، مثلت «الأيام» عتبة مهمة للتحقق والحضور بالنسبة للكثير من المبدعين. ------- على الصعيد المسرحي، يمكن الإشارة ووضع اليد إلى جملة من التأثيرات التي أحدثتها هذه المناسبة المسرحية التي حظيت دائماً برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فمن خلال نظامها الداخلي المنظم لفعالياتها، أوجدت «الأيام» معايير خاصة للحكم على العرض المسرحي، وعبر ما انتقته من نصوص أغنت مكتبة المسرح بالعديد من العناوين الجديدة، كما كان لاختياراتها من الفائزين والمستحقين للتكريمات كبير الأثر في تقديم العديد من المبدعين إلى صدارة المشهد وتحققهم ورسوخهم على مدار السنين. وفي مقدورنا القول أيضاً، إن أيام الشارقة المسرحية، وعبر ندواتها ونقاشاتها ومنافساتها وورشها التدريبية، ألهمت المسرح الإماراتي الحديث، العديد من فرقه ومجموعاته المسرحية، ومنحته أساليبه واتجاهاته ومضامينه، كما صنعت جمهوره ونقاده وصحافته، وصداه وسمعته بين مسارح البلدان العربية. مأسسة الأيام بدأت «الأيام» مناسبة مسرحية سنوية، تأتي أو لا تأتي، ولكن بفضل دعم صاحب السمو حاكم الشارقة، ومع مرور الوقت، تحولت إلى مؤسسة مسرحية بأتم معنى الكلمة. لقد غيّرت «الأيام» من المفهوم التقليدي للتظاهرات المسرحية السنوية وغدت موعداً ثقافياً يتجدد على مدار السنة، في أنشطة وورش ومهرجانات صغيرة، فمن «الأيام» خرجت العديد من المسابقات والفعاليات المسرحية الأخرى، مثل جائزة الشارقة للتأليف المسرحي، مروراً بمهرجان المسرح المدرسي، إلى مهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة، وثمة مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، وثمة الموسم المسرحي الذي أغنى منذ انطلاقته الصورة العامة للحراك المسرحي المحلي، وساهم في تقريب قضايا وأسئلة وشواغل المسرح من الجمهور العريض المتوزع في إمارات الدولة، كما حث الفرق على أن تختبر إمكاناتها في العمل مدة أطول قياساً على ما كان عليه الحال قبل إطلاق هذا البرنامج المسرحي الطموح الذي يتشكل من جملة من العروض المميزة التي تقدم فوق خشبة أيام الشارقة المسرحية. ما قبل الأيام ربما يكون من غير الممكن تلخيص ما ساهمت به «الأيام» فهي أكبر بكثير مما يمكن للكلمات أن تعدله.. لكن من الممكن فهم تاريخ وخصوصية تجربة أيام الشارقة المسرحية، وبلورة صورة ذهنية عن أثرها ودورها في تطوير وإثراء المشهد المسرحي الإماراتي، بقراءة العديد من المصادر والمراجع، والأبحاث والدراسات والإفادات، المنجزة طيلة العقدين الماضيين وخصوصاً ثمة عشرات الاستطلاعات والمقابلات الصحفية التي أجريت وسط المسرحيين، في أجيالهم المختلفة، إضافة إلى المدونات والكتيبات والنشرات التي أصدرتها دائرة الثقافة والإعلام، واستنطقت عبرها العديد من ضيوفها المشرقيين والمغربيين حول التظاهرة التي عرفت كيف تعطي لطابعها المحلي بعداً إقليمياً وعربياً فريداً عبر استضافتها العشرات منهم في ندواتها وحلقات نقاشها النقدي وحفلاتها التكريمية. في كل ما ذكر وسواه، ثمة الكثير من الرؤى والمنظورات إلى تجربة «الأيام» ومعناها، بيد أن ما قيل ويقال، لطالما بدا مقتصراً على الحالة الراهنة للمهرجان، مستويات عروضه ونسبة الجمهور في صالاته وامتداداته الإعلامية.. إلخ. وفي ما ندر قيس أثر هذه التظاهرة استناداً إلى ما قبلها، طبيعة النشاط المسرحي الذي كان سائداً، الفرق، المؤسسات، المناسبات، على ما لذلك من أهمية في اختبار وتقييم تجربة «الأيام» وما أرسته من قيم وتقاليد وممارسات مسرحية وما رسخته من أساليب عمل وسط الفرق ومجاميع الفنانين، إلخ. غني عن القول، إن ظروف اليوم، الاجتماعية والثقافية، تختلف كلية عن تلك الظروف التي تشكلت ضمنها المراحل الأولى للمسرح الإماراتي، ما بعد وما قبل قيام دولة الاتحاد، ولا ?شك ?في أن ?تبدل ?الأحوال ?انعكس ?بشكل ?أو ?آخر ?على ?نصيب ?المسرح ?من ?الاهتمام ?الرسمي. ?لكن ?كيف ?يمكن ?معاينة ?هذه ?العناية ?الرسمية: ?أهي ?في ?تخصيص ?الموازنات ?الراتبة ?أم ?في ?التخطيط ?بعيد ?المدى ?والمتابعة ?والمراجعة ?الدائبة ?أم ?في ?كل ?ذلك ?دفعة ?واحدة؟ البدايات الأولى يعتبر عبد الرحمن الصالح من أوائل الإداريين الثقافيين الذين انشغلوا بالمسرح في تلك المرحلة. ولقد قدم الرجل دراسة تقريرية وافية في 1983، أي قبل عام من انطلاق أيام الشارقة المسرحية، حول واقع وآفاق المسرح الإماراتي، وذلك في الندوة الفكرية المصاحبة لأول دورة من أيام قرطاج المسرحية، التي كانت جاءت تحت عنوان واسع «المسرح العربي: تجارب وأسماء وتوجهات». سجل الصالح في ورقته العديد من الملاحظات المهمة حول واقع المسرح في بلده، ولكن بنبرة حزينة ومفعمة بالأسى، وسنحاول في ما يلي الوقوف على أبرز ما ورد فيها لعل ذلك يسهم في تشكيل ملمح مؤقت لحال المسرح الإماراتي ما قبل أيام الشارقة المسرحية. كيف تأسست الفرق؟ تشكلت الإدارات والمؤسسات بعد قيام دولة الاتحاد، يكتب الصالح، مشيراً إلى أن أهم كيان أنشئ حينذاك كان مجلس الوزراء الذي خصص حقيبة وزارية للاهتمام بتطلعات الشباب وطموحاتهم، فكانت وزارة الشباب التي عهد إليها بمسؤولية استنبات كل ألوان الثقافة والفنون والآداب والرياضة. فاجتهدت الوزارة ونشطت وتمخض جهدها عن تأسيس فرقة حملت اسم «المسرح القومي للشباب» وكان ذلك 1972، وعلى الرغم من البداية الواعدة لهذه الفرقة التي استهلت نشاطها في عام تأسيسها، بتقديم عرض مسرحي وموسيقي بعنوان «نوخذة الغوص»، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى فرقة مناسبات رسمية، ولم تبق على حالها إذ تفرقت عضويتها بعد سنوات قليلة، وتوزعت إلى فرق في رأس الخيمة وعجمان. ثمة فرقة أخرى تأسست على خلفية الخلافات في فرقة «المسرح القومي للشباب»، واطلق عليها فرقة «مسرح الإمارات» في حدود 1975، بيد أن هذه الفرقة التي تطورت في مدينة الشارقة تحت إشراف «أحد أبرز وأهم الركائز المسرحية في الإمارات»، كما يصفه الصالح، الفنان سلطان الشاعر وزميله ضاعن جمعة وموزة المزروعي، ركزت شغلها على التلفزيون، و«لم تمارس أي نشاط مسرحي»، وبحسب الصالح، فإن المسرح الوطني في الشارقة الذي انشق عن جمعية الشارقة للفنون الشعبية، أول فرقة مسرحية أشهرت من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وكان ذلك عام 1975. وقد أصبح يعرف فيما بعد بمسرح الشارقة الوطني بعد دمجه مع مسرح الإمارات بعد أربع سنوات من إشهاره. طليمات وقشرة الأرض زار الرائد المسرحي المصري الراحل زكي طليمات الإمارات منتصف سبعينات القرن الماضي لتقديم محاضرات مسرحية بدعوة من وزارة الشباب، وبعد أن لمست وزارة الدولة لشؤون الإعلام والثقافة الصدى الطيب لمحاضراته، استشارته في وضع خطة للنهوض بالمسرح في الدولة، وقام طليمات ببحث ميداني، على ما يذكر الصالح، وخلص إلى تقرير مفصل، جرى عرضه في العديد من الإصدارات المسرحية ذات الصلة لاحقاً، باعتباره نموذجاً لما يجب أن يكون عليه المسرح المدرسي على وجه الخصوص، ولكن بالنسبة للصالح، فلقد كان «أفضل تصور موضوعي وواقعي للحركة المسرحية في بلادنا». لم يتم الأخذ بالتقرير، ويرجح الصالح السبب في ذلك إلى قراءة «معكوسة» لجملة وردت في التقرير الذي كتبه المسرحي الراحل، نصها: «إنني أمام حالة خاصة لم يسبق لي أن واجهتها في جهادي المسرحي الطويل، وهذه الحالة تتميز عن الحالات الأخرى التي تمرست بها، فالتربة التي استوى عليها الآن لم يسبق لها أن تلقت حرثاً فنياً عميقاً ولم تتلق من وسائل الاستصلاح ما يمدها بالتهيؤ والخصب اللذين يجعلان منها تربة صالحة لاستنبات بذور دخيلة على البيئة العربية في الفنون». ويشرح الصالح: «يبدو أن هذا القول أثار حفيظة المنتفعين والحاسدين فاجتهدوا في التفسير المعكوس وأسدل الستار على فكرة مجيئه كخبير مسرحي..». ويواصل الصالح: «للحقيقة، لم يتجاوز الأستاذ زكي طليمات الواقع الذي لمسه ورآه، ولم يتجن على أحد بل كان تشخيصه هو الواقع بعينه؛ لأن ما سبق من محاولات الحرث والبذر لا يعدو كونه حرثاً لقشرة الأرض». الرشود.. دائم الذكر في 1977، جاء صقر الرشود من الكويت وبدأ تجربته التي ستستمر لـ 8 أشهر، ولكن آثارها ستبقى وقتاً أطول. بالنسبة للصالح، فإن الرشود جاء بعد أن ضاق ذرعاً بحال المسرح في بلده، وأراد أن يبدأ تجربة مغايرة في الدولة التي كان خاض فيها تجربة تدريبية سابقة لمدة شهر وكانت ناجحة، «خروج الرشود من الكويت إلى الإمارات لم يكن عبثاً، بل كان حاله حال كل المبدعين والمثقفين والرواد في العالم الثالث وفي وطننا العربي بصفة خاصة، ولو استرجعنا الذاكرة معاً لوجدنا أن جميع الرواد على طول الساحة العربية وعرضها إنما خرجوا بعد أن ضاقت رقعتهم بهم ورحبت بغيرهم من الأدعياء والمنافقين». التحدي الأول الذي سيواجهه الرشود هو بناء عرض مسرحي يليق بمشاركة أولى في مهرجان دمشق المسرحي (تأسس 1969) من فريق مسرحي غض لم يستكمل تدريبه بعد، وكان نص المسرحية التي يشتغل عليها الرشود، عنوانه «الفخ» ومن تأليف محفوظ عبد الرحمن ولكن المهرجان لم يقم في موعده، على ما يذكر الصالح. بعد تجربتين له مع مسرحية «الفخ»، عاد الرشود، إلى نمط المسرح السائد في الكويت «مسرح اجتماعي الهدف، تقليدي في الشكل الفني»، وهو ما حمل الصالح على الاختلاف مع صديقه الذي رأى أن «ظروف البلاد لم تكن لتتجانس مع مثل تلك الأعمال، والتعارف بين أهل البلاد والمسرح لم يتوثق بعد». كان الرشود قد أسس في تلك الأثناء فرقة مسرحية في أبوظبي حملت اسم «مسرح الإمارات»، وقدمت هذه الفرقة مسرحية وحيدة هي «الأول تحول»، ولم تستمر بعد رحيل مؤسسها في اليوم التالي لعرض المسرحية ذاتها. على أن مما يحسب للرجل أيضاً أنه عمد إلى توزيع عدد من المسرحيين العرب الذين وفدوا في تلك الفترة لتأسيس وصقل تجارب الفرق المسرحية في الدولة، فخصّ مسرح الشارقة بالفنان العراقي إبراهيم جلال، ومسرح رأس الخيمة بالفنان البحريني خليفة العريفي، ويلاحظ هنا بدء الاستعانة بالخبرات الأكاديمية، كما يلاحظ أن ما يشبه مجتمع للفرق المسرحية بدأ يتشكل. هناك العديد من الأسماء المسرحية العربية جاءت مع الرشود وبعده، كما هو معلوم، على أن ما قدمه المسرحي الكويتي يعتبر الأهم في تلك المرحلة الأولى، فعلى الرغم من قصر مدة إقامته، إلا أنه نجح في استقطاب المزيد من الشباب الموهوبين إلى المسرح، كما أسهم في أن تستفيد الفرق المسرحية من إمكانات جمعيات الفنون الشعبية، المقرات والمسارح والموازنات، فضلاً عن كونه ساهم في إرساء تقليد ما عرف بمسرح الإذاعة والتلفزيون، كما يرد في ورقة عبد الرحمن الصالح. اهتمام الثمانينات على أن جهود المؤسسة الرسمية وخبرات الرشود وتحمس العديد من المسرحيين الواعدين للمسرح، كل ذلك لم يكن كافياً لتأسيس حراك مسرحي نوعي، لكن لا بد من تسجيل حقيقة مفادها أن تلك المرحلة، مطالع الثمانينيات، شهدت اهتماماً رسمياً لافتاً. ويعدد الصالح الجهات التي كانت معنية بدعم المسرح فيذكر: وزارة الإعلام والثقافة، وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وزارة التربية والتعليم، وكان على الإعلام والثقافة دفع «عون مالي يصل قدره إلى مئة ألف درهم، ولكن في بعض الأحيان كان الصرف يتعثر»، كما كان من بين مسؤولياتها استقطاب مرشدين مسرحيين عرب للفرق المسرحية من خريجي المعاهد العليا، وتأجير صالات العروض وكانت دار عرض واحدة في الواقع، وأن تتحمل الأعباء المالية لجولات الفرق في الإمارات وشراء العروض لبثها في التلفزيون وإيفاد البعثات التعليمية للتخصص في هذا المجال. أما دور وزارة التربية، فكان عليها أن ترسي دعائم المسرح المدرسي وتورث أجيال الغد حب المسرح، وهي أنشأت قسماً للمسرح المدرسي وعينت المشرفين، إلا أن مسار هذا القسم لم يكن سالكاً على مدى الوقت تبعاً للإدارات التي عهد إليها به. من جهتها، كانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تمنح الرخص للأنشطة الثقافية، وهي كانت المسؤولة عن دفع الإعانات المالية للفرق قبل وزارة الإعلام. أما المجلس الأعلى لرعاية الشباب فرغم صلته الوثيقة بالمسرح، إلا أنه «لم يلتفت حتى الآن لقضية المسرح» يقول الصالح، مشيراً إلى أن المسرح الإماراتي حظي طيلة تلك الفترة بعناية رسمية كاملة ومنح فضاء حراً للعمل من دون تدخل أي جهة رسمية، إلا أنه مع ذلك بقي نشاطاً هامشياً يفتقر إلى الجمهور ولا أثر له في المجال الثقافي العام. يورد الصالح أكثر من عشرين نقطة ليبرز الوضعية الشائكة للمسرح في بلاده في ذلك الوقت، من بينها نظرة المؤسسات الرسمية لدوره، إذ لم يكن يُعتبر أكثر من «نشاط إعلامي»، كما أن موجة من عروض المسرح التجاري كانت تتسيد الشاشة الصغيرة والمسارح المتاحة، وهو ما قلل كثيراً من حضور المسرح «الجاد» في الساحة المحلية. الانتقالة الكبرى في 1983، انتسب أكثر من 80 متدرباً إلى ورشة مسرحية تحت إشراف الفنان التونسي المنصف السويسي، الذي كان جاء أيضاً في صفة خبير مسرحي، لتبدأ المرحلة الأخصب في بدايات المسرح الإماراتي، كما يقول عبد الرحمن الصالح. ولقد تم توزيع المشاركين إلى مجموعتين، الأولى حملت اسم الراحل صقر الرشود والثانية مجموعة سلطان الشاعر، وضمت الأولى 41 مشاركاً، فيما جاءت الثانية ب 39 مشاركاً، ولكن بعد أسبوعين تناقص العدد الكلي ليغدو 47. وبعد أربعة أشهر من العمل المتواصل، انتهت الورشة إلى عمل عرضين مسرحيين. وإلى الوقت الحاضر ينظر إلى تجربة هذه الورشة التدريبية التي أقامتها وزارة الإعلام والثقافة على أنها الأهمّ في تاريخ المسرح الإماراتي، إذ منها خرجت معظم الأسماء الإخراجية والتمثيلية والكتابية التي ستنشط في أيام الشارقة المسرحية بعد سنة واحدة. واستلهم المسرحي التونسي أجواء الورشة ووضع خطة موسعة لتطوير تجربة المسرح في الدولة اطلق عليه «خطة الوزارة للنهوض بالحركة المسرحية»، وقد ضمت العديد من البنود التي أوجزها الصالح في: التنظيم والضبط (خاص بقسم المسرح)، التكوين والتعليم والتربية المسرحية، تأسيس الهياكل المسرحية، التجهيز والبناء، الإنتاج والتوزيع، النشاط والتنشيط. ودعت الخطة إلى إنشاء مركز تدريبي للفن المسرحي يفضي إلى تأسيس معهد متوسط لتدريس المسرح في وقت لاحق وعلى أسس سليمة، وإقامة دورات تدريبية فصلية مدتها ثلاثة أشهر تعكس أعمالها خلال إنتاج مسرحي، وتشمل جميع المسارح في الدولة مرحلياً، وتنظيم دورات تدريبية قصيرة في تخصصات مسرحية فنية وتقنية. إلخ. انطلاقة الأيام بعد ذلك بعام واحد، وفي العاشر من يناير 1984 على وجه التحديد، كان الميلاد الأول لأيام الشارقة المسرحية التي حظيت على مدار دوراتها برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة. نظمت تلك الدورة دائرة الثقافة والإعلام (تأسست 1981)، في إطار مهرجان الفنون الوطني الأول. وقد تشكلت لجنة عليا للأشراف على «الأيام»، وضمّت في عضويتها: محمد دياب موسى، عبيد القصير، ماجد بوشليبي، عبد الرزاق الهاجري، يوسف عيدابي. كما شكلت لجنة فنية موازية لها تكونت من عبد الله الأستاذ، فاروق أوهان، ضاعن جمعة، عبد الله المناعي، ويحيى الحاج، أحمد الأنصاري، أحمد الشيخ، عبد الله راشد، وخليفة العريفي وعبد الإله القادر وأحمد عبد الرزاق. ولقد شهدت الدورة الأولى إقبالاً لافتاً من الفرق المسرحية، إذ عرضت عشر مسرحيات وهي: «آه يا دنيا» من تأليف إبراهيم البصري وإعداد إبراهيم الأميري وإخراج الريح عبد القادر لفرقة مسرح كلباء الشعبي، و«الشيخ والطريق» تأليف علي عقلة عرسان وإخراج يحيى الحاج لفرقة مسرح خالد - المسرح الحديث حالياً، و«بيت الحيوانات» لفرقة مسرح ليلى للطفل من تأليف فائق الحكيم وإخراج سعاد جواد وعرضت على هامش التظاهرة، ومسرحية «الأرض بتتكلم أردو» لفرقة المسرح الحر في جامعة الإمارات، من تأليف أحمد راشد ثاني وإخراج إسماعيل عبد الله، فيما قدمت فرقة المسرح المدرسي، مسرحية «رحلة إلى القمر» من تأليف وإخراج السيد بدران. وقدم مسرح خورفكان مسرحية «الجنون فنون» للكاتب فرحان بلبل وإعداد علي الشالوبي وإخراج الأمين جماع، وشارك المسرح القومي في دبي بمسرحية «سر الكنز» للكاتب ضاعن جمعة وإخراج أحمد جلال، فيما قدم مسرح صقر الرشود في رأس الخيمة، مسرحية «مأساة أبي الفضل» وأعدها خليفة العريفي وأخرجها مجدي كامل، أما مسرح الشارقة الوطني فشارك بمسرحية «حكاية صديقنا بانجيتو» تأليف أزفالدو دراكون، ترجمة قاسم محمد، وأخرجها عبد الإله عبد القادر. مذّاك ستشرع الأيام في طرح السؤال المسرحي، ومع كل دورة، ستنضج على مهل، وعلى مهل أيضاً، ستكرس حضورها في المشهد المسرحي والثقافي، وستنجز، مرة بعد مرة، شيئاً من طموحاتها الكثيرة، وتضيف إسهاماً جديداً يتراكم.. ويتراكم.. حتى يبدو من الصعب تلخيص ما ساهمت به «الأيام» فهي أكبر بكثير مما يمكن للكلمات أن تعدله... هل نحتاج للمسرح؟ «هل نحتاج للمسرح؟… ذلك هو السؤال الذي سئم من طرحه على أنفسهم، الآلاف من المحترفين اليائسين في المسرح، والملايين من الناس العاديين، ولأي شيء نحتاجه؟ في تلك السنين عندما كان المشهد غير ذي أهمية بالمرة، مقارناً بميادين المدينة وأراضي الدولة، حيث المآسي الأصلية للحياة الحقيقية تؤدي ما هو بالنسبة لنا؟، شرفات مذهبة وردهات في قاعات مسرحية، كراس مخملية، وأجنحة متسخة، وأصوات ممثلين رقيقة، أو على العكس كشيء يبدو مغايراً: مقصورات سوداء ملطخة بالوحل والدم، ونتوء ضار لأجساد عارية بداخلها. ماذا بمقدوره أن يحكي لنا؟، كل شيء! يستطيع المسرح أن يحكي لنا كل شيء: كيف هي الآلهة في الأعالي، وكيف يذوي المحبوسون في كهوف منسية تحت الثرى، وكيف للعواطف أن ترتقي بنا، وللعشق أن يحطمنا، وكيف يمكن لامرئ ألا يحتاج لإنسان طيب في عالمه، أو كيف يمكن للإحباط أن يسود، وكيف للناس أن يعيشوا في راحة بينما الصغار يهلكون في معسكرات اللجوء، وكيف لهم جميعاً أن يرجعوا عائدين إلى الصحراء، وكيف نُجبر يوماً بعد يوم على فراق أحبتنا؟ بمقدور المسرح أن يحكي لنا كل شيء، لقد كان المسرح دائماً، وسيبقى أبداً. المسرح ليس بحاجة إلى وسيط ليعمل بين بني البشر، بل إنه ليشكل الجهة الأكثر شفافية من الضوء، فهو لا ينتسب لا لجهة الجنوب ولا الشمال، ولا للشرق أو الغرب البتة، فهو روح النور الذي يشع من أركان الكون الأربعة كلها، وسرعان ما يتعرف عليه كل الناس، سواء أكانوا من أهل ودّه أم ممن لا يقبل عليه. نحن نحتاج لكل أنواع المسرح، ولكن ثمة مسرحاً واحداً لا يحتاجه أي إنسان، أعني مسرح الألاعيب السياسية، مسرح الساسة، مسرح مشاغلهم غير النافعة. ما لا نحتاجه بالتأكيد هو مسرح الإرهاب اليومي، سواء كان بين الأفراد أو الجماعات. ما لا نحتاجه هو مسرح الجثث والدم في الشوارع والميادين، في العواصم والأقاليم، مسرح دجّال لصدامات بين الديانات والفئات العرقية. أوائل «الأيام» * أول لجنة عليا لـ «الأيام» تكونت من: محمد دياب موسى، عبيد القصير، ماجد بوشليبي، عبد الرزاق الهاجري، والدكتور يوسف عيدابي. * أول لجنة فنية لـ «الأيام» تكونت من: عبدالله الأستاذ، فاروق أوهان، ضاعن جمعة، عبدالله المناعي، يحيى الحاج، أحمد الأنصاري، أحمد الشيخ، عبد الله راشد، خليفة العريفي، عبد الإله عبد القادر وأحمد عبد الرزاق. * أول لجنة تحكيم لـ «الأيام» تكونت من: بحر كاظم، يسري ندا، يوسف عيدابي، فاروق أوهان، فتحي البرقاوي، رعد عبد الجليل، م حمود محمد مدني وخالد الطيب. * أول فرق فازت بجوائز الأيام: «مسرح رأس الخيمة» و«مسرح الشارقة الوطني» و«مسرح خالد ـ المسرح الحديث حالياً». ‏? حال النقد في توصيفه حال النقد المسرحي في مطالع الثمانينيات، كتب عبد الرحمن الصالح: تتحول عملية النقد المسرحي، إما إلى الإطراء الفج والممجوج، أو إلى القذع والشتم والتشهير حسب مزاجية الصحفي وعلاقاته الخاصة، وإن كان هناك بعض المختصين القلائل في هذا المجال، إلا أنهم للأسف وقعوا في فخ المجاملة فأخذوا يبهمون ويلفون ويدورون، وفي أحيان كثيرة يفصلون ثياباً يلبسونها لهواة المسرح، فتتعثر أقدامهم بها ويتساقطون.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©