الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليمين المتطرف في بولندا

15 نوفمبر 2013 23:04
في 11 نوفمبر عام 1918، مع نهاية الحرب العالمية الأولى، استعادت بولندا مكانتها على خريطة أوروبا بعد غياب 123 عاماً. والآن في يوم استقلال البلاد امتلأت سماء العاصمة بلون الوهج الأحمر ولف الشوارع الدخان. وهذا ليس نتيجة عرض منظم للألعاب النارية، بل هو ناتج عن النيران التي أضرمها محتجون قوميون اتبعوا العنف منهجاً. ففي شهر نوفمبر الجاري، أضرم شبان ملثمون النيران في مَعلمين مهمين في العاصمة وارسو، وهما قوس قزح الكبير في وسط المدينة، وبرج الحراسة في السفارة الروسية، تعبيراً عن وجود توترات عميقة الجذور بين البلدين. وفي السنوات القليلة الماضية شهدت البلاد حالات من الفوضى في احتفالات تخليد يوم الاستقلال. ففي يوم عطلة وطنية يفترض أن تكون مرحة في دولة مستقرة وُصفت بأنها جزيرة أوروبا الخضراء أثناء الأزمة المالية، والتي لم تصل إلى مرحلة الخطر الاقتصادي كثيراً، بينما تعاني أوروبا من حولها، اُحرقت سيارات وتطايرت قنابل المولوتوف في الهواء وطلب الآباء من أبنائهم أن يبقوا في المنازل، وكان العنف حاضراً بشكل بارز، في الذكرى السنوية الخامسة والتسعين لإقامة دولة بولندا . وقد اجتذبت مسيرة الاستقلال التي نظمتها دوائر الجناح اليميني عشرات الآلاف من المواطنين. وكان معظمهم مسالمين، وكثير منهم أسر معها أطفالها. ولكن أعضاء من الجماعات اليمينية المتطرفة أفسدوا المسيرة، واشتبكوا مع الشرطة وخربوا المدينة. وحُطمت أرصفة وسيارات واقتلعت أشجار. واستخدمت الشرطة غاز الفلفل والرصاص المطاطي لتفريق المحتجين، على رغم أنها حاولت تفادي المواجهة إلى حد كبير. واحتجز 72 شخصاً، وأصيب 19 آخرون بحسب ما قالت قناة «تي. في. إن. 24» الإخبارية. وألغت سلطات المدينة المسيرة قبل ختامها المقرر. وكانت الجماعات اليمينية قد تدفقت إلى العاصمة في عشرات الحافلات التي عجت بها شوارع وسط المدينة. وهاجم المتطرفون تجمعين من الناس، وأحرقوا تصميماً لقوس قزح مثيراً للجدل يعتبره اليمينيون البولنديون رمزاً لقضية المثليين جنسياً. وقال عالم الاجتماع جاسك كشبنسكي لخدمة جازيتا الإخبارية على الإنترنت «إنهم يضطرمون بالرغبة في ضرب العالم كله. وهم لا يستطيعون ضرب العالم كله، ولذا فهم يضربون ما يعتبرونه أجنبياً». وقد يكون نصب قوس قزح في وسط المدينة هو أبرز رمز للانقسام في المجتمع البولندي حول عملية انتقال تدريجية ومؤلمة. والقوس الذي ربما قصد به الفنان أن يكون قوة توحيد أصبح أحد أكثر العناصر إثارة للفرقة في المدينة. وعلى رغم أن كثيرين يحتفون بالرمز إلا أنه تعرض منذ إنشائه للحرق لخامس مرة يوم 11 نوفمبر على يد محتجين قوميين، وهذه المرة أتت عليه النار كاملاً. وفي مقطع مصور على «اليوتيوب» يظهر أحد القوميين المتطرفين، وهو يحاول إشعال لفافة تبغ من قوس قزح المحترق. ويعلق بارتوس كوناكي العضو في البرلمان على صفحته على الإنترنت قائلاً «قوس قزح المنحرف يحترق». وهاجم القوميون البولنديون أيضاً السفارة الروسية، وألقوا بالألعاب النارية على المبنى الأثري الذي يقع على جادة أنيقة بوارسو، وأضرموا النار في برج المراقبة. وأثار الهجوم حفيظة روسيا، واستتبع اعتذاراً سريعاً من الحكومة البولندية. وقال السفير الروسي في بولندا «في السنوات القليلة الماضية لم يقع إلا هجوم واحد على بعثة دبلوماسية روسية وكان هذا في ليبيا». وطالبت السلطات الروسية بحزم بتقديم اعتذار وتعويض من بولندا. ووصف رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك أفعال العدوان هذه بأنها «غير مقبولة». والمشاعر المناهضة لروسيا عميقة الجذور في بولندا، وتسبق الهيمنة السوفييتية أثناء الحرب الباردة. وروسيا متهمة بأنها السبب وراء الكثير من آلام بولندا، بل يتهمها أصحاب التفسيرات التآمرية بأنها وراء تحطم الطائرة الذي قتل فيه الرئيس البولندي ليش كاتشينسكي و95 آخرون من أفراد المؤسسة السياسية. وعلى رغم أن المخربين من القوميين يمثلون مجموعة هامشية، فإن أفعالهم تعكس تحولاً أكبر في المجتمع البولندي. فبعد انخفاض النمو الاقتصادي من 4,5 في المئة عام 2011 إلى 1,8 في المئة عام 2012، أصبح معدل البطالة 13 في المئة، كما يتزايد عدم رضا البولنديين على حكومتهم والاتحاد الأوروبي ومعيشتهم. وتوضح استطلاعات الرأي أن حزب المعارضة الرئيسي، وهو حزب القانون والعدالة الذي خرج من السلطة منذ عام 2007، يحصد الآن دعما أكبر على حساب حزب المنبر المدني الوسطي المؤيد لأوروبا الذي يراه كثيرون عاجزاً وضعيفاً. فالتفاوتات الاقتصادية بين طبقة الحضر المدنية التي تحصد فوائد عملية التحول في البلاد، وبين من لم يحصلوا على شيء في العملية، بالإضافة إلى التوترات بين الأفكار الغربية التقدمية عن المجتمع المدني والقيم التقليدية للمجتمع البولندي الكاثوليكي كل هذا خلق تربة خصبة للاستياء. ولإضافة المزيد من الألوان على استعارة قوس قزح، بدأ سكان وارسو بعد يوم من الحريق يضعون أزهاراً طبيعية في القوس المحترق في مشهد يثير الحزن، ولكنه مفعم بالأمل أيضاً. ‎هانا كوشلواسكا كاتبة ومحللة سياسية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©