الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا: عودة الاستقطاب الحزبي

15 نوفمبر 2013 23:03
مما يثير قلقي أن أتذكر مقولة لأحد العلمانيين الأتراك الذي أخبرني قبل عقد من الزمن بأن رجب طيب أردوغان يخفي في عقليته «أجندة سرية». والآن أثبتت هذه المقولة صحتها. وكثيراً ما كنت أشير خلال السنوات الماضية إلى ما يعتقده بعض العلمانيين الذين ساعدوه في الوصول إلى السلطة من أنه يخبئ خطة ذات توجّه إسلامي تتناقض مع طروحاته المحافظة التي أكثر الحديث عنها، ولعله حقق ما أراد. ألم نسمع الرجل وهو يقول لقادة «الإخوان المسلمين» في مصر إن عليهم أن يعملوا على بناء دولة ودستور مدنيين؟ ولاشك أنهم لو سمعوا كلامه لما كانوا يرتدون الآن ملابس السجناء. وقد دأبت على القول إن أردوغان يتمسك بالمظهر الشمولي لمفهوم الديمقراطية من دون أن يقيم أي اعتبار للحقوق المدنية لمعارضيه. وقد أثبت ذكاء شديداً في الخطة التي اتبعها لتقويض أسس التحالف المعارض له الذي يضم المحافظين الإسلاميين القدماء، والقوميين، والأحرار الذين جعلوه في موقع الرجل السياسي القوي. وكانت هذه الشراكة السياسية وراء حصول حزب العدالة والتنمية الحاكم على 50 في المئة من الأصوات في انتخابات عام 2011 أي ما يفوق ضعف عدد الأصوات التي حققها سلفه الإسلامي «حزب الرفاه» بزعامة نجم الدين أربكان في انتخابات عام 1995 وبلغت 22 في المئة. ولا شك أن الأمور تغيرت الآن. وقد سعى أردوغان لزيادة عدد الأصوات المؤيدة له في الانتخابات الرئاسية للعام المقبل عندما عمد إلى استثارة استقطاب الناخبين. وهو يريد أن يجبر الأتراك على مواجهة أحد خيارين: فإما أن تكون مع أردوغان، أو أن تكون ضده. فإذا كنت ضده، فأنت تتبع النظام المدني العتيق المهترئ والمليء بالرؤوس الخشبية والشخصيات المدعومة من العسكر. وقد قال أردوغان في كلمة ألقاها أمام أعضاء البرلمان من كتلة حزب العدالة والتنمية هذا الأسبوع: «أما أولئك الذين التزموا جانب الحياد فإننا لا نريدهم». وكان صدى هذه الجملة مدوياً حيث هتف النواب بصوت واحد: «في كل مكان هناك طيّب، في كل مكان هناك أردوغان»، وجاء هذا الهتاف بمثابة الصدى المحرّف لذلك الذي صرخ به المتظاهرون في ميدان تقسيم عندما انطلقت أولى الاحتجاجات ضد الحكومة حيث كانوا يرددون: «في كل مكان هناك تقسيم، في كل مكان هناك مقاومة». وبدأ هذا التوجّه المتضخم عقب الانتصار الكاسح الذي حققه أردوغان في انتخابات عام 2011 حيث صرح بأن ولايته الثالثة ستكون هي «الفترة العظيمة». وعندما اندلعت أحداث حديقة «جيزي بارك»، تحول إلى رجل أقل ميلاً للتفاهم وأكثر ميلاً للهجوم على خصومه. وكان أحدث مثال على مبادرات أردوغان المثيرة للجدل من وجهة نظر علمانية تركية هو اقتراحه لمشروع قانون لفصل الطلاب عن الطالبات في المساكن الجامعية. وقد يبدو هذا القرار وكأنه مجرّد نوع من التحفّظ الإصلاحي ذي الطابع الاجتماعي إلا أنه يعني في الحقيقة أكثر من ذلك بكثير. وقال إن هذا القرار يأتي ضمن محاولاته لاستكمال مواد الدستور التي ترمي إلى «حماية الشباب». وكان هدفه الحقيقي هو تجاوز الدستور الذي يحمي الخصوصيات داخل البيوت حتى يُبرز فكرته الخاصة من خلال التأكيد بأن الإسلام هو الذي يطالب بذلك. وقد أغضب هذا القرار الكثير من الناس الذين استهدفهم. وعمد أردوغان إلى وصف الطلاب غير المتدينين والنساء اللواتي يظهرن على شاشات التلفزيون بألبسة غير محتشمة بأنهم «العدو المفيد». وهذا توسع في الوصف ربما يشبه بطريقة ما وصفه لمتظاهري «جيزي بارك» بأنهم «إرهابيون». ويحاول هو ومؤيدوه منذ الآن إضعاف معارضيه وتقوية مؤيديه استعداداً لمواجهة خصومه المعتدلين من أعضاء حزبه الذين قرروا مواجهته في الانتخابات الرئاسية المقبلة وما بعدها وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية عبدالله جول. وقد خسر أردوغان بالفعل الليبراليين من ائتلافه. وحتى المدافعون عنه من أمثال كاتب العمود «مصطفى أكيول» الذي يؤمن بقوة بالتوافق القائم بين مفهومي الإسلام والحرية، وكان يدعم توجهاته، وقد تخلى عنه مؤخراً. ولكن من الجدير بالإشارة أن تركيا بلد ذو أغلبية متدينة محافظة، ولهذا السبب فإن أردوغان لا يبدو متخوفاً من انسحاب الليبراليين من ائتلافه طالما أنه ضامن لتأييد تلك الفئة. والظاهرة التي بدأت تبرز الآن هي أن أردوغان سيذهب بعيداً في «شخصنة قوة الدولة» وتشجيع الصراع الاجتماعي بحيث يدفع المزيد من زعماء الحزب المعتدلين للانشقاق عنه وخاصة منهم مؤسساه الآخران «جول» ونائب رئيس الوزراء «بولنت آرينك». وكان «آرينك» قال في حديث لقناة تلفزيونية تركية بعد إعلانه، معارضة قرار أردوغان بفصل الجنسين في المساكن الجامعية: «أنا لست مجرد وزير. أنا أمثل الماضي والمستقبل والرؤية التي تمثل أهداف الحزب. ويجب ألا يتم التعامل معي بمثل هذا الإهمال». ومع هذا قد لا يكون من الدقة ما يقوله بعض الأتراك العلمانيين الذين يشكون من أن أردوغان يقوم الآن بتحويل تركيا إلى «إيران أخرى». فهو عاجز بحسب وضعه الحالي عن أن يقود تركيا إلى أي مكان آخر غير الذي توجد فيه، ولا أن يعيد كتابة التاريخ العلماني للدولة الذي يمتد لأكثر من 100 عام مضت، إلا أن في وسعه أن يغير المسار الذي تسلكه البلاد في حدود معينة فقط. والآن وبعد عقد من استلامه زمام السلطة، فإن بإمكاننا أن نقول بكل ثقة إنه قد سبب من السلبيات لبلده أكثر مما قدم من الأعمال الإيجابية. ‎مارك شامبيون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©