الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

هل يصبح حامل نوبل زعيماً لبنجلاديش؟

4 ابريل 2007 02:01
الاتحاد - خاص: كي لا تبقى بنجلاديش ممزّقة بين امرأتين، ها أن رجلاً ذا سمعة عالمية يستفتي الناس حول إنشاء حزب باسم ''قوة المواطن''· ''محمد يونس'' الذي حاز جائزة نوبل للسلام عام 2006 بسبب مشروع القروض الصغيرة الذي نفذه في بلاده وكان له مردود إنساني هائل، قرّر دخول الحلبة السياسية بأفكار ''غاندي'' لا بأفكار ''ميكيافيلي''·· صدمة داخل الطبقة السياسية التي تقول إن الفراشة تحترق أخيراً وهي ترقص حول الضوء، فيما الناس العاديون يمدّون له أيديهم·· زراعة الإنسان في الآخر أصدقاؤه الغربيون وضعوه في الصورة: ''الأيدي البيضاء جداً تصبح هنا الأيدي الرمادية جداً''· هذه مشكلة السياسة في الكثير من دول العالم، لكن ''محمد يونس'' الذي حاز جائزة نوبل للسلام في عام ،2006 يعتقد أنه بالإمكان تطهير السياسة ''أن نجعلها إنسانية أكثر''· كيف؟ ''بأن نجعل السيد ميكيافيلي أقل خيالاً''· يضحك وهو يقول هذا· كنا قد التقيناه الصيف الماضي في بيروت حين قلدته الجامعة الأميركية شهادة الدكتوراة الفخرية كونه نفذ في بلاده المنهكة تلك الفكرة المثيرة (القروض الصغيرة)، قروض للفقراء من أجل تدبّر أمرهم، وفيما كانت الصحف البريطانية تتحدث عن ''الأم تيريزا في بنجلاديش''، كان الفرنسيون يقولون إن ثمّة ملامح من الأب ''بيار'' في وجه ذلك البنجالي الذي ينفي أن يكون ''فيلسوفاً''، وإن كان البعض قد تحدث عن ''فلسفة زراعة الإنسان في الآخر''· ''محمد يونس'' أطلق فكرة أخرى أخيراً· راح يستفتي الناس حول إمكانية إنشاء حزب يكون اسمه ''قوّة المواطن''، ففي الكثير من بلدان العالم الثالث، لاسيما اللاهثة اقتصادياً، لا وجود لمثل هذه الكلمة· يمكن الحديث عن ''ضعف المواطن''، حتى أن المفكر السويسري ''جان زيجلر'' يعترض، بحزم، على ما يدعوه ''ثقافة الهياكل العظمية''· الماء يصنع الصحراء على طريقة المهاتما غاندي يقول ''يونس'' إنه يفهم السياسة هكذا: أن تجعل إنساناً ما يشعر بأنه إنسان حقيقي، إذ لا يكفي أن تجتاح الفيضانات البلاد موسمياً، ثم الجفاف· في هذه البلاد يقال إن الماء هو الذي يصنع الصحراء، بل أن ثمة مجتمعاً يتمزّق بين امرأتين: الشيخة ''حسنية واجد''، زعيمة رابطة ''عوامي'' والبيجوم ''خالدة ضياء''، زعيمة الحزب الوطني· نزاع حول ماذا إذا كان منسوب البؤس مرتفعا إلى ذلك الحد؟ من السذاجة طرح مثل هذا السؤال في بنجلاديش، فالمنافسة على الزعامة هي ''حالة تاريخية'' تتحدر من ذلك التراث القبلي الذي واكب الاضطراب المتواصل في الطبيعة· الملايين دوماً على حافة الخطر، فيما معدلات التنمية منخفضة جداً، أما العالم فلا يكترث، وإن كانت الشاشات تعرض بين الحين والآخر مشاهد من التراجيديا البنجالية·· لا بد من منقذ· الرجال يتنافسون عادة بمثل تلك الضراوة· في بنجلاديش الصراع بين النساء· هل حقاً إنه أكثر حدة حسبما يقول الأستاذ الجامعي البنجالي ''عبدالرحمن حسين'' الذي يعيش في لندن والذي لا يجد حلاً وشيكاً للأزمة السياسية في بلاده، وإن كان يرى أن ''محمد يونس'' الذي جسّد الظاهرة الاجتماعية يمكن أن يتحوّل إلى ظاهرة سياسية· الفراشة والضوء إن الرجل يملك مصرفاً، وهو يتمتع بسمعة عالمية· والطبقة السياسية التي تواجه بفظاظة أي ''طارئ'' على العمل السياسي، تقول إن ''يونس'' أصيب بالدوار بسبب الأضواء التي سلّطت عليه لدى نيله جائزة نوبل· أي أنه لم يعد باستطاعته العيش خارج الضوء· ولكن ألا يقول البعض في دكا، وهم الذين على علاقة مباشرة بالفساد، أن ''محمد يونس'' يشبه الفراشة· الكل يعلم ماذا يحدث للفراشة حين تقترب كثيراً من الضوء· الذين يعترضون يقولون إن اختيار ''يونس'' الدخول عالم السياسة هو بمثابة رقصة النهاية، وهو سيكتشف، متأخراً، أن العمل السياسي يختلف، كلياً، عن العمل الاجتماعي· هنا لا مجال للقروض الصغيرة· ألم يقل ''عبدالرحمن حسين'' أيضا ''إن السياسة هناك هي من اختصاص الفيلة فقط''· أذاً، ماذا باستطاعة الفراشة أن تفعل؟ شعبية ''محمد يونس'' ضخمة جداً، وهو يعلم ما هي مخاطر اللعبة السياسية، لكنه يعتقد أن هذه اللعبة باتت مكشوفة جداً في بنجلاديش· في أوروبا يقولون إن هذه الدولة بحاجة إليه، لأن السياسي الحقيقي هو ذلك الذي يحب مواطنيه··· لا أحد مثله يحب البنجاليين الذي يقول إن السياسات التي استخدمت حتى الآن تركزت على ''تفريغ الإنسان من محتواه''، قال أيضاً إن بلاده لا تعاني من الفيضانات فحسب وإنما أيضاً من الطوفان السياسي الذي يجرف الكثير من القيم والعلاقات· نفخ البطون ثمة مصوّر أجنبي التقط صوراً لنساء في أحد الأحياء الفقيرة اشتبكن بصورة رهيبة عشية الانتخابات· كل واحدة منهن خرجت ممزقة، مع أنها ممزقة أصلاً· إذاً، كيف يتم نفخ تلك البطون الخاوية بالسياسة؟ ''محمد يونس'' يقول إن بلاده بحاجة إلى الوحدة، موضحاً أنّ الغاية من اتجاهه إلى إنشاء الحزب هي المساهمة في وضع أسس ديناميكية للتعاون السياسي، والعمل على إنتاج ساسة مؤهلين، وبالصورة التي تؤمن هيكلية متطورة، ومتوازنة، وفعالة للحكم· النزاع السياسي في بنجلاديش يأخذ أبعاداً دراماتيكية· وطبقاً للأصول، استقال رئيس الحكومة من أجل إفساح المجال لتشكيل حكومة انتقالية تشرف على الانتخابات· لكن الأمور سارت في طريق الفوضى والشغب، فكان أن اضطر الرئيس ''اياج الدين أحمد'' أن يتخذ قراراً في 11 يناير الماضي بإرجاء الانتخابات التي كان مقرراً إجراؤها بعد 11 يوماً فقط إلى إشعار آخر· لكن الحكومة الانتقالية التي يساندها الجيش بقوة تتصرف كما لو أنها حكومة المائة عام، فقد طردت رئيس لجنة مكافحة الفساد، وعمدت إلى تطبيق سياسة تطهير واسعة، فيما راح الجنود يداهمون المنازل والمقرات الحزبية والسياسية للقبض على سياسيين بتهمة الفساد، وثمة 60 من الموقوفين، بينهم 12 وزيراً سابقاً، سجنوا لمدة شهر، لكن المحكمة العليا تدخلت وطلبت من الحكومة تبيان الأسباب القانونية لتوقيفهم· هذا هو الوضع، فيما الديموقراطية مؤجلة لأن الحكومة الانتقالية تعتبر أن إجراء الانتخابات في الوقت الحاضر يعني فتح الباب على مصراعيه أمام الحرب الأهلية· والطريف أن هناك مَن يقول بوجود جهات خارجية هي التي كانت وراء دخول ''يونس'' الحلبة السياسية بعدما كان قد اعتبرها، في تصريح له منذ سنوات، بأنها عبارة عن ''ذلك المكان الذي تتحطم فيه القامات العالية''· لا غرابة في الحديث عن تدخل خارجي، فهذه مسألة قد تكون عادية في تلك المنطقة التي تتداخل فيها المصالح، والتناقضات، على نحو عجيب· لكن ''محمد يونس'' يقول إنه عاشق لأهل بلاده، وأنه لا يستطيع أن يتركهم هكذا ضحايا صراع داخلي لا مبرر له على الإطلاق، اللهم إلا لرغبة في ممارسة السلطة، حتى ولو كان أهل السلطة يجلسون فوق كومة من القش المشتعل· ''محمد يونس'' الذي قال لدى نيله جائزة نوبل: ''هذه إضافة أخرى إلى مسؤولية القلب'' يستطيع القول إن قلبه هو الذي دفعه إلى السياسة ''ربما لأنني أحدّق كثيراً في أقدام الحفاة''!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©