الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

اتفاق دولي جديد حول تغيّر المناخ

14 نوفمبر 2015 20:13
تربعت ظاهرة تغير المناخ وتداعياتها على قمة أجندات أعمال الحكومات والسياسيين في مختلف أرجاء العالم، وشهد العام الجاري الكثير من اللقاءات والمباحثات التي تناولت هذا الموضوع من كل جوانبه وأبعاده الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. وتشهد العاصمة الفرنسية باريس في ديسمبر المقبل انعقاد مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (COP21)، والذي من المنتظر أن يتمخض عنه نتائج مهمة على رأسها إبرام اتفاق دولي جديد حول تغيّر المناخ. وفي الوقت نفسه، يتوقع علماء المناخ والأرصاد الجويّة أن تسجّل الأعوام والعقود القادمة درجات حرارة قياسية، ولهذا بات على المجتمع الدولي أن يدرك المخاطر والتداعيات والآثار المترتبة على ذلك، وأن يتم اتخاذ التدابير اللازمة للتعامل مع ظاهرة تغير المناخ بشكل جدي وفعال، وتقديم تعهدات ملزمة من كل الأطراف المشاركة في مؤتمر باريس، وتحديد مساهماتها المستهدفة على المستوى الوطني. لقد نُشِرت خلال الأيام والأسابيع الماضية مقالات في العديد من وسائل الإعلام تستند على دراسات تتنبأ بارتفاع كبير في درجات الحرارة ونسب الرطوبة في دول الخليج العربي. وتتضمّن هذه الدراسة وغيرها توقعات لا يمكن الجزم بها، ولكن الرسالة الأساسية التي يجب علينا إدراكها من الدراسة أن تداعيات تغير المناخ لا يمكن تجاهلها. وفي حال عدم تفاعل الجميع وأخذهم خطوات عملية، ستشهد مناطق مختلفة ظواهر مؤثرة ابتداءً من ارتفاع مستوى سطح البحر إلى وقوع تغيرات في أنماط ومعدلات هطول الأمطار. وبالنسبة لمنطقة الخليج التي تشهد فعلياً ارتفاعاً في درجات الحرارة ومستويات الرطوبة، فإنّ حدوث المزيد من الاحتباس الحراري سيمثّل دون شكٍ تحدياً كبيراً لابدّ من الاستعداد لمواجهته والتقليل من تبعاته. إنّ نهج دولة الإمارات بشأن التعامل مع تداعيات تغير المناخ ومواجهتها، كما هو الحال مع غيرها من القضايا الحساسة، يستند في المقام الأول إلى التعامل مع المعطيات والإحصائيات الدقيقة والحقائق العلمية. وتتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) حدوث ارتفاع على مستوى سطح البحر يصل ما بين (30 إلى 100 سينتمتر) مع نهاية هذا القرن. كما سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة الطلب على الطاقة وارتفاع تكلفة عمليات التبريد، وكذلك زيادة موجات الحرارة في المنطقة. وسوف يؤثر تغير أنماط ومعدلات سقوط الأمطار على قطاع الزراعة في أجزاء كثيرة من العالم، بما في ذلك البلدان التي نعتمد عليها لتأمين إمداداتنا الغذائية، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليفها إلى جانب احتمالية انقطاعها. وتواجه دول الخليج بشكل عام تحدياً مزدوجاً يرتبط بتغير المناخ. فمن ناحية، سوف تتأثر كغيرها من دول العالم بارتفاع معدلات درجات الحرارة. ومن ناحية أخرى، فإنّ اقتصادها ما زال يعتمد على إنتاج النفط والغاز. وللحد من تداعيات هذه الظاهرة والعمل في ذات الوقت على ضمان مستقبل زاهر لاقتصاداتنا فإنه أصبح لزاماً علينا الاستثمار بالكوادر العلمية والعقول المبتكِرة، وتحفيز تلك العقول لإيجاد حلول ذكية وعملية تسهم في وضع حد للتدهور البيئي الذي خلفته أنماط الحياة الحديثة، والتطورات الصناعية والتوسع العمراني الذي استنزف الأراضي الزراعية والغابات. ومن الجدير بالذكر أن الفرص والحلول الناجعة تبرز بشكل أكبر عندما تزداد التحديات وتتضح تبعاتها، ويمتلك المجتمع الدولي اليوم القدرة والإمكانات لاتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للحد من تداعيات ظاهرة تغير المناخ، ونحن في دولة الإمارات نقوم بذلك بالفعل، ولعل قيام دولة الإمارات بتسليم مساهماتها المستهدفة على المستوى الوطني إلى الأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ «UNFCCC» خير دليل على عزم قيادتنا الرشيدة على المشاركة بفاعلية في الجهود الدولية المبذولة في هذا الشأن. ولتحقيق النتائج المرجوة، نحن بحاجة إلى اعتماد نهج علمي لإيجاد حلول لنقاط الضعف، وتشجيع الإجراءات والخطط والمبادرات الدولية الفعالة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري مستقبلاً. ولقد اتخذت دولة الإمارات عملياً مثل هذه الإجراءات فيما يتعلق بكل من مسألتي: التكيف مع ظاهرة تغيّر المناخ، والتخفيف من تداعياتها. وعلى الرغم من أن «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» قد قامت بدراسة وتقييم وتحليل بعض التأثيرات الإقليمية لتغير المناخ، لكنها في معظم الأحيان لم تقم بإجراء دراسات مفصلة حول الأنماط المناخية والأحوال الجويّة السائدة في منطقة الخليج. وحيث إننا بحاجة إلى فهم التغيرات في المناخ الإقليمي لمنطقتنا، فقد تم إجراء عدد من الدراسات في السنوات الأخيرة من أجل تطوير وإيجاد الحلول الفعالة. وتعمل كل من «مبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية (AGEDI)» التابعة لهيئة البيئة – أبوظبي، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، على مشروع يمتد لعدة سنوات لتقييم الآثار المحلية والوطنية والإقليمية لتغير المناخ يقوم على أساس أنماط ونماذج المحيطات والغلاف الجوي والمناخ السائد على الصعيد الإقليمي. كما يقوم «معهد مصدر» أيضاً بإجراء عدة أبحاث ودراسات لإلقاء نظرة أكثر تفصيلاً على نماذج وأنماط المناخ على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية لاستخلاص النتائج المتعلقة بتطور المناخ في منطقة الخليج.وتم تطوير نماذج مناخية جديدة مصممة خصيصاً لدولة الإمارات، وقادرة على توقع التغيرات المستقبلية المتعلقة بدرجات الحرارة، ومعدلات هطول الأمطار، ومستويات إعادة شحن وتخزين الاحتياطيات من المياه الجوفية، والبيانات المتصلة بالإنتاج الزراعي، والأحوال الجوية الحارة في البلاد. ولا يقتصر التحدي بالنسبة لدول الخليج على ارتفاع درجة الحرارة فقط، بل يتعدى ذلك عندما يرتبط بارتفاع نسبة الرطوبة. إنّ ارتفاع معدلات سخونة الهواء، ودرجات حرارة البحار بشكل أكبر يعني المزيد من عمليات التبخر، وبالتالي ارتفاع في نسب الرطوبة في الهواء. ويعمل معهد مصدر بالتعاون مع شركة الاتحاد للطيران لتحسين التنبؤ بمعدلات وتشكّل الضباب، والذي يمثل تحدياً لقطاع الطيران ويصبح الوضع أكثر سوءاً عند ارتفاع نسبة الرطوبة. كما يمكن معالجة الرطوبة من خلال اعتماد حلول تكنولوجية وتقنيّة متقدمة تبحث الاستخدام والاستفادة والتكيف. وهناك دراسة أخرى يجريها معهد مصدر حول تطوير وإنتاج المواد الفعّالة في امتصاص الرطوبة من الجو، وكذلك تحسين أنظمة التبريد لكي تعمل بكفاءة خلال أجواء الرطوبة العالية. أهمية الإجراءات على الصعيد الدولي إنّ الأولوية الأكثر أهمية تتمثّل في مواجهة ظاهرة تغير المناخ والحد من تداعياتها. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلاّ من خلال تضافر الجهود والتعاون على الصعيد الدولي. وتعتبر دولة الإمارات مسؤولة عن نسبة ضئيلة جداً من الانبعاثات العالمية مقارنة بغيرها من الدول كما أن نسبة البصمة الكربونية فيها آخذة في التراجع بشكل كبير. وسيلتقي قادة الدول والحكومات في باريس خلال شهر ديسمبر القادم، لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق دولي جديد حول المناخ بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC). وسيكون هذا الاتفاق الجديد مختلفاً في جوهره عن الاتفاقيات السابقة، حيث يتوجب على كل دول العالم المساهمة في الجهود العالمية لمواجهة ظاهرة تغير المناخ. وتلتزم دولة الإمارات بالتوصل إلى اتفاق في باريس من شأنه أن يضع العالم على مسار يتسم بقدر أكبر من التنمية والاستدامة، وتجنيبه الآثار السلبية الناجمة عن ظاهرة تغير المناخ. ونحن ندرك دور وأهمية العلم والبحث والابتكار في هذا الإطار، كما نرى فرصة سانحة لدولة الإمارات في المساهمة في الحلول التي من شأنها خلق فرص اقتصادية واجتماعية جديدة لشعبنا. ويكمن دورنا في المقام الأول في العمل على تحويل الأهداف والطموحات والرؤى السياسية إلى إجراءات عملية. ويعقد في كل عام فعاليات «أسبوع أبوظبي للاستدامة» حيث يلتقي كبار صانعي السياسات جنباً إلى جنب مع قادة القطاع الخاص، والقطاع الأكاديمي والبحث العلمي، ومنظمات المجتمع المدني من مختلف أنحاء العالم. حيث يجري عرض الابتكارات والاختراعات وطرح الآراء وتبادل الأفكار، ويتم عقد الصفقات وإطلاق الاستثمارات والإعلان عنها. وهذا هو الدور الطبيعي الذي تضطلع به دولة الإمارات من خلال وجود شركة مصدر ومجمع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية ومعهد مصدر، واستضافة الدولة لمقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) في مدينة مصدر، علاوة على أن الدولة هي من أكبر المستثمرين الرئيسيين في مجال التقنيات الجديدة والنظيفة، ولدينا دور فاعل ومؤثر في أسواق الطاقة العالمية، إلى جانب ارتكازنا على سياسات حكيمة قائمة على العلم، والرؤية الإستراتيجية، والابتكارات التقنية، مما يجعلنا لاعباً رئيسياً في الجهود العالمية لمواجهة ظاهرة تغير المناخ بكل أبعادها وآثارها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©