الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«إلى البيت» و «إماراتي في نيجيريا» يمزجان نشوة القراءة بلذة البوح

«إلى البيت» و «إماراتي في نيجيريا» يمزجان نشوة القراءة بلذة البوح
13 نوفمبر 2013 23:16
إبراهيم الملا (الشارقة) - مع تنامي حركة النشر المحلية، وتصدي الكثير من الكتاب الإماراتيين والمقيمين في الدولة لتقديم اقتراحاتهم الجمالية وجهودهم البحثية والنقدية، أصبح الحديث عن العافية الثقافية الملحوظة هنا مألوفاً، مقروناً كذلك بالتراكم والتقاطع والحوار الافتراضي بين الأجيال الأدبية المختلفة. ومن أبرز هذه التظاهرات معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي انطلق في عام 1982، وأصبح اليوم واحداً من أهم المعارض في المنطقة، وأكثرها استقطاباً للإصدارات الجديدة والمتنوعة التي تعمل على اكتشاف المواهب الأدبية والنقدية الجديدة أو تعيد اكتشاف الأسماء التي اختفت لزمن وعادت من خلال هذا المعرض بالذات كي تعبر عن نضجها وحضورها المتوهج والمختلف. وهنا عرض لإصدارين جديدين شهدها المعرض، وعلى الرغم من أنهما يبدوان متفاوتان في مقاصدهما الفنية وأساليبهما التعبيرية ومداراتهما اللغوية، إلا أنهما يجتمعان في انتمائهما لمناخ عام ومشترك ينبع من قيمة التوثيق ومن الخصوصية المكانية في أفق سردي وشعري وبحثي يمزج نشوة القراءة بلذة البوح وانتباه الكاتب للعلاقة الحيوية والتبادلية بين الذات والآخر. ففي ديوانه الشعري الجديد والرابع بعد: «الراقص» و»دون مرآة ولا قفص» و»سراط نقي .. قربك» يقدم الشاعر والإعلامي الإماراتي سعد جمعة في آخر أعماله: «إلى البيت» والصادر عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات قصائد تحتفي بالحب في متاهاته الضارية والمدوخة وباعتباره حالة عارمة وفردية تحمل خدوشها اللامرئية، وتروض الهجران كما لو كانت تخمد نيران الجسد بأنفاس عارية. تفوح حرائق هذا الحب الرمادي أو المترمّد منذ القصيدة الأولى في الديوان بعنوان : «وردة» التي يقول فيها جمعة: عندما سيجدّد الورد روحك / سوف أحمل قلبي / أعود بالشغف المنتشي / والخفقات السريعة / وستسكن الارتباكة / على طرف الرمش. فعلى الرغم من النسق التعبيري المكثف في هذه القصيدة إلا أنه نسق ينبض أيضا بالتسارع والديناميكية التخيلية التي تطبع معظم قصائد الديوان وتسوقها نحو إيقاع لاهث ومتوجس وقلق على الرغم من الوداعة الظاهرية والمخادعة لعناوينها، حيث نقرأ في قصيدة بعنوان: «اقتراب» ما يشاكس المعطى الدلالي لعتبة أو مفتاح القصيدة عندما يختتمها الشاعر بعبارة: «كلما اقتربت، توجّع قلبي». وفي قصيدة أخرى بعنوان: «الشمعة» يقول في مقطعها الأخير: «في هذه الليلة، غبت عن وجود ليس لي» إمعانا ربما في تأكيد هذا التضاد الإيحائي بين المبنى والمعنى أو بين الامتلاء والخواء وبين الرهافة والجرح. ولعل في خلق هذا التوتر المقصود بين المفردة المستقلة ضمنا وبين المفردات المتمازجة شكلا، ما يضيء أيضا لجماليات قصيدة النثر التي يقدمها سعد جمعة في هذا الديوان باقتراحات جديدة تنصت لموسيقى التأملات الداخلية، وللحنين كانكشاف على الذات لا كاستدعاء ذهني وبصري يفتقر لشروط التجربة والتعايش مع الألم في حدوده القصوى والمشرفة على ضفاف وفراديس وحوريات وبحار تفيض بأحلامها وتؤجل الكوابيس لمساءات أخرى ربما لن تأتي، وربما يستثمرها الشاعر لقصيدة مؤجلة، يحلّق بها ومعها فوق ركام وبؤس هذا العالم. ديوان «إلى البيت» لسعد جمعة جاء في 135 صفحة من القطع الوسط، وصممت غلافه الفنانة اللبنانية كلود حبيب التي عززت الديوان أيضا برسومات تجريدية تعانق وتتعالق مع فضاءات رمادية وتشكيلات نباتية تتفرع نحو الذبول والانطفاء والعطش ولكنها تنهض في اللحظة ذاتها من رماد عتيق يكسوها ويحرضها للتمدد نحو سماء قريبة أو نحو غيمة خضراء تظلل صحراء الشاعر وتمنحه ما يستحق من بريق وبوح وبراءة. أما كتاب (إماراتي في نيجيريا) للكاتب والشاعر طلال سالم فيمكن أن نصنفه في خانة (أدب الرحلات) المشتمل أيضا على دهشة شعرية يساندها لذة الاكتشاف والمقدرة اللغوية في تحويل «رحلات العمل إلى رحلات الغرابة، رحلات تصادف بها من الأشياء ما لا تتوقعه، وتصادف من الأشخاص من تنبهر بفكره، ومن يبعث بك الأمل، ومن يناقض كل ذلك»، كما يقول طلال سالم في وصفه للكتاب الصادر من دار (مدارك) للنشر في 120 صفحة من القطع الوسط. وعلى الرغم من قلة الإصدارات المعنية بأدب الرحلات في المشهد الثقافي المحلي، إلا أن كتاب طلال سالم يمكن له أن يفتح أبواباً ونوافذ طالما ظلت مغلقة أمام هكذا تجارب إبداعية مفاجئة ومفرحة وتتعامل مع الكتابة كحالة جمالية متواصلة وكشغف يتمرد على التصنيف الثابت الذي يؤطر المبدع في قالب أحادي ويكرر البديهيات المجيّرة على هذا التصنيف كأن يكون الشاعر مجرد منتج للقصائد فقط وكذلك الروائي وكاتب القصة القصيرة والفنان التشكيلي، وغيرهم، لأن مثل هذه المغامرات الكتابية ــ إذا صح التعبير ــ يمكن أن تعيد اكتشاف المبدع لقدراته السردية وإمكاناته الفنية وقراءته النفسية والفلسفية للوجود وللآخر وبتتبع ذهني ورصد معرفي يمنحان القارئ والكاتب معاً مباهج أنطولوجية وثقافية لا يمكن الظفر سوى بكسر طوق المكرر والمألوف والنمطي. يكشف كتاب طلال سالم (إماراتي في نيجيريا) بانطباعاته الذاتية ومستوياته السردية وصوره التوثيقية عن مجهول هذا البلد البعيد، باختلاف أديانه وعقائده وأعراقه وخصوصيته كبلد غنى بالموارد ولكنه مثقل بالفقر والجريمة والطبائع المتنافرة والتناقضات الكبيرة، والتي تقدم في النهاية مثالاً صارخاً لبلدان أفريقيا الحائرة بين تطلعات الحداثة ونداءات الإرث والتقاليد المسيطرة على سكانها. فمن الإمارات ووصولاً إلى «أبوجا» ثم «لاغوس» يقودنا الكتاب في رحلة ذهنية وبصرية خبرها طلال سالم في ستة أشهر، وتنطوي على الكثير من المفارقات والمواقف والمحطات التي تكشف طرائق العيش وسلوك الأفراد والبون الشاسع بين الأغنياء والفقراء في هذا البلد الأشبه باللغز، والذي لا يمكن أن يفك شيفرته سوى من يعاينه عن قرب ويرصده من الداخل، فكيف إذا كان هذا المعاين والراصد شاعر تضيف تأملاته ولغته وتوصيفاته الكثير من البهارات اللغوية والقراءات المزدحمة بالتفاصيل والانتباهات الظاهر منها والمتواري كذلك في باطن الشاعر وفي بصيرته !
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©