الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحقيقة..

الحقيقة..
26 نوفمبر 2014 02:30
قصة: أندريه شديد ترجمة: د. محمد محمود مصطفى* أخذت ليزا بيدي وأخرجتني من الغرفة التى التأم فيها شمل العائلة قبل عيد الميلاد ببضعة أيام لمناقشة الاحتفالات القادمة. تعالي يا أمي فعلي أن أتحدث اليك... تعالي وتبعتها متحيرة. أغلقت الباب خلفها وقادتني إلى الممر المظلم في الردهة، وهناك أوقفتني وظهري للحائط، وتركت يدي. انتظريني ولا تتحركي... سوف أستدير. وهرولت صوب مفتاح النور الواقع إلى جوار الباب الثاني وأطفأته كذلك. وكررت ثانية بصوت حازم: سأستدير. كان ضوء النيون من أعلى يرسل أشعته فيغمرني من رأسي حتى قدمي. ستقولين لي الحقيقة؟ عم تتحدثين يا ليزا؟ عليك أن تعديني أنك ستقولين الحقيقة أجبرني الضوء البارد المنعكس على نظراتها الحادة إلى القول: أعدك تقولين الحقيقة كلها. هذا وعد؟ نعم وعد علام تنوي، إن الموقف عصيب ولكني لن أتراجع. تشبثت ليزا بساعدي ولم تبرح تنظر إلى. أمي، هل بابا نويل موجود؟ باغتني السؤال، وعقدت ليزا يدها وبدت واثقة من أمرها، فلم تتوقف عن النظر إلي. ليس هذا سؤال عسير، ما عليك الا أن تجيبي بنعم أو لا. ترددت، لكنها ألقت علي مسمعى السؤال مرة ثانية وثالثة ورابعة. ازداد ترددي. هل من حقي أن أدمر حلمها، أن أقضي على سعادة العائلة التي أسست طقساً دينياً كاملاً حول هذه الشخصية الخرافية. هل من حقي أن أصيب الأخ الأصغر «تيم» بالإحباط؟ أجيبي يا أمي: هل بابا نويل موجود؟ أصبحت ممزقة بين رغبتي في الإجابة بلا مواربة كما تطالبني بذلك نظراتها، وبين رغبتي في الحفاظ على أسطورة سارة وساحرة. انحنيت قليلاً إلى الأمام ووضعت رأسي بين يدي. لقد أقسم كل أصدقائي في المدرسة أن بابا نويل من اختراع الآباء، ولذا فقد قررت أن اسألك أنت أولاً قبل أن أصدق ما يقولون. ثم توقفت ليزا قبل أن تواصل سؤالها: نعم أم لا يا أمي: هل بابا نويل موجود؟ أحسست بالضيق، فقد أحاطت بي الكذبة من كل جانب لتذكرني بتلك الكوميديا الاجتماعية التي يبدو أن ليزا لا تود أن تستمر في المشاركة فيها. لقد غلبتني نظراتها، وتفحصتني من أعلى لأسفل. ولم يعد بوسعي أن أراوغ. وقفت أتأمل كمن يواجه عقبة خطيرة. تراجعت ليزا بضع خطوات قائلة من جديد: إذاً هل هو موجود؟ وجاءت إجابتي قاطعة كحد الموس: لا في اللحظة ذاتها بدا وكأن صمت مطبق قد ساد المكان، كذلك الذي يعقب سقوط عصفور من السماء. استرديت أنفاسي وتراجعت ليزا وقد غلف محياها حزن شديد. بدا عليها هدوء غريب، لكن هل يبدو في عينيها الشعور بالجميل أم الإحساس بالغضب؟ لقد كنت أعرف ذلك... لقد كنت أعرف ذلك. ردت ليزا دون أن تلتفت إلي ثم استدارت نحوي عند نهاية الردهة قائلة: لقد كنت أعرف أنها محض كذبة ثم اختفت وأوصدت الباب خلفها وبعد الظهيرة وجدتها منهارة في سريرها وهي تنتحب. حاولت الاقتراب منها، لكنها صدتني قائلة: دعيني لوحدي. سأبكي وحيدة فلست بحاجة لأي أحد. هيمن مناخ الإثارة الذي يسبق عادة الأعياد على الشوارع، وهز المشاعر وتزينت الأشجار وواجهات المحال. تتداعى الصور في هذا المكان من العالم، ويهيمن على الوجوه شعور بالحبور، فلقد اقترب عيد الميلاد أكثر فأكثر. اتجهت إلى العائلة قائلة: إن ليزا لا تصدق أن بابا نويل موجود بالفعل؟ عند هذا العمر الصغير؟ لكن عليك أن تقنعيها بعكس ذلك... لم أستطع أن أخدعها. إنها طلبت مني الحقيقة ضحك الجميع مستهزئين بما أقول، واستغربوا براءتي. الحقيقة!!! تسللت ليلة عيد الميلاد قبل منتصف الليل إلى غرفة الأولاد. سمعت ليزا تجلس على حافة سرير الأخ الأصغر ذي الثلاثة أعوام وهي تهمس في أذنيه: عليك أن تنام يا تيم وإلا فإن بابا نويل لن يأت. هل رأيته؟ لم أشاهده أبداً، لكنه موجود... ثم بدأت تصفه: إنه يرتدي رداء طويلاً مع قبعة على رأسه. ويرتدي حذاء طويلاً أسود، وله لحية بيضاء، كما أن معه حقيبة مليئة عن آخرها. إنه شخصية فذة. واصلت ليزا انتقاء كلماتها، وتيم ينظر إليها مبهوراً. لقد واصلت الخرافة مسيرتها فهي على ما يرام. لقد اخترعت ليزا صوراً متعددة وشوارع ومدناً كذلك. ولدت كلمات من رحم الكلمات ، وواصلت ليزا قصتها كسائر أطفال العالم في تلك الليلة الفريدة. النجوم ترصع السماء والغرفة ترتفع بتؤدة إلى عنان السماء. وقفت هنالك حتى نام الطفلان متعانقين. * أستاذ باحث بمعهد لشبونة الجامعي ، لشبونة، البرتغال
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©