السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن «الحركة» و«المحرّك»

عن «الحركة» و«المحرّك»
26 نوفمبر 2014 22:01
ساسي جبيل شواغل المثقفين الإماراتيين كثيرة. تراهم في حركة دائبة ما بين مهرجانات ومنتديات وفعاليات. يحضرون في فعاليات أبوظبي يوماً، وينطلقون بعده إلى الشارقة، لتحتضنهم في اليوم الثالث دبي، ثم يوزعون أوقاتهم على مختلف الإمارات والمدن الزاخرة بفعاليات متميزة، ولا تهدأ فيها الحركة. فهل يمكن القول إن هذه «الحركة» التي ينخرط في إطارها المثقفون الإماراتيون فاعلة متفاعلة منتجة، أم أنها بحسب المثل الشعبي «حركة بلا بركة» لأنها تحتاج إلى «محرّك»؟ هذا السؤال الذي يبدو للوهلة الأولى استفزازياً، لا يلبث أن يصبح طبيعياً عندما تطرحه على عدد من المثقفين الإماراتيين.. يجيبون عنه بأريحية، يكشفون عن كوامن الضعف، ويؤشرون إلى عناصر القوة، وفي العموم فإنهم متفائلون ويراهنون على المستقبل. راهن المشهد الثقافي الإماراتي، واحتمالاته، كما يراها عدد من الكتّاب والمثقفين في هذه المقاربة: النشر وما جاوره في الدورة السادسة لمعرض (العين تقرأ)، الذي أقيم الشهر الماضي، وفي عدد من اللقاءات المفتوحة بين المبدعين والجمهور، تابعت عدداً من الحوارات الفكرية مع كثير من المثقفين الإماراتيين، فخرجت بالعديد من النتائج: أولها أن المبدع الإماراتي ليس له مشكلة مع ما ينتج، بل مع الوقت والرؤية، الوقت باعتبار أن السياق اليوم لم يعد كما كان في الماضي متاحاً للحفر في الصخر، لقد بات كل شيء متوافر، وكل الوقت مأخوذ من وسائط أخرى لم تكن موجودة في الماضي، وهذا يحتمل وجهين، فإما أن تكون عنصراً مساهماً في تحقيق الإضافة أو أن تكون عنصراً معطلا. ويذهب الكثيرون إلى أن الطرح الثاني هو الأقرب، لأن مشاغل الحياة أصبحت كثيرة في ظل هذا التنوع والتعدد، لذلك فإن مساحة الإبداع بدأت تتضاءل أمام التشعب والتنوع في الاهتمامات، وهو ما يذهب إليه الشاعر علي الشعالي الذي اتجه الى النشر كقطاع بكر أصبح له حضوره المتميز في الإمارات في السنوات الأخيرة، من خلال ما يقارب 100 دار نشر داخل الدولة، وهو أمر حميد لكنه قد يساهم في نشر مؤلفات عادية لا تحقق الإضافة في الساحة الأدبية. وتتفق مع هذا الرأي الكاتبة والمترجمة الإماراتية مريم جمعة فرج التي تستغرب من بعض الكتابات التي تنشرها بعض دور النشر والتي هي مجرد محاولات، وأحياناً تكون مليئة بالأخطاء ولا ترتقي إلى مستوى الإبداع الحقيقي، وهذا الأمر ـ برأيها ـ يمثل خطراً على الكاتب والكتاب، فليس مهماً أن نتمسك بالكم، وإنما الأهم هو النوع، وهذا ما يرسخ ثقافة جادة وإبداعاً من شأنه أن يحقق الإضافة المطلوبة. ويرى الشاعر الدكتور طلال الجنيبي أن النشر بالنسبة له ليس مهماً بالمرة، فالإبداع لا يحدد بعدد الكتب والمؤلفات، وإنما بالموهبة والقدرة الكامنة في نفس الشاعر أو الكاتب في أي اختصاص كان، والمبدعون الإماراتيون استطاعوا في السنوات الأخيرة أن يفرضوا أنفسهم في المحافل الدولية. الدور على المؤسسات بدوره يذهب حارب الظاهري إلى أن حركة نشر الكتب تشهد ازدهاراً ملحوظاً مؤخراً في دولة الإمارات لكنه لا يرى ذلك مقياساً للتطور الثقافي، وقال في هذا الإطار: «المؤسسات الثقافية لديها برنامج لنشر الكتب وهي مستمرة فيه بغض النظر عن مستوى الطرح، وما يهم هو الوعي الكتابي وما تحمله هذه الإصدارات من فكر، ومن المهم أن تصل هذه الانتاجات إلى الآخر بطريقة صحيحة، فقد ترجمت لي بعض القصص إلى الإسبانية والإنجليزية والفرنسية لكنني لا أعرف من قرأها، وهل وصلت إلى المتلقي فعلًا؟» وتساءل الظاهري عن سبب تراجع النقد والرصد الصحفي والتلفزيوني للنتاجات الأدبية في الإعلام، حيث أثر ذلك في عدم إيصال هذا الأدب إلى الآخر وعدم نقاشه وبالتالي تجويده. وأعرب عن أمله في الوصول بالإبداع الإماراتي إلى أعلى المراتب عند الإيمان بدور المؤسسات ودعم ومتابعة المبدع لتحقيق المطلوب. ومن جهته قال ماجد بوشليبي: نشرت في الإمارات أكثر من 100 رواية خلال السنوات الماضية غير أن معظم ما قدم بلا شخصية ولا توجه أو مشروع كتابي واضح، وقال: «هناك استعجال في تقديم نصوص غير ناضجة، فهي كتابات تفتقد إلى الوعي بالمجتمع وخصوصياته، والمواضيع المطروحة لا تخرج عن الحب والهجران، كما أن العديد من الكتاب وقعوا في أخطاء ساذجة يجب أن لا يقع فيها أي كاتب وخاصة في التراكيب واللغة». القارئ والكاتبكثيرون هم الذين يكتبون للطفل في الإمارات لكن هل حققت هذه الكتابات الغاية المطلوبة منها؟ الدكتورة فاطمة حمد المزروعي التي تمتلك رصيداً مهماً في الكتابة، وإنطلاقها في تجربة الكتابة للصغار منذ ما يزيد عن الأربع سنوات، تؤكد أن الأدب الموجه للطفل يحتاج إلى الكثير من العناية، وأن هناك تطوراً في النشر لهذه الفئة في السنوات الأخيرة سواء في الإمارات أو الوطن العربي، فأدب الطفل في الغرب انطلق منذ القرن السابع عشر، أما نحن العرب فلم نخض غماره إلا منذ 50 أو 60 سنة، وبدأ بشكل محتشم ولم يكن ناضجاً، لكن مع الوقت أصبح الكتّاب يتقنونه، فالكتابة للطفل تقول المزروعي «لابد أن يستمتع بها ويستفيد منها، والرسالة الموجهة للطفل تحتاج إلى آليات وتقنيات فنية مختلفة، لأن ثقافة الناشئة من الأهمية بمكان ولا يجب استسهالها بالمرة، كما يجب الاعتماد على التشويق ومراعاة مشاعر هذه الفئة الحساسة جداً». من جهتها ترى الشاعرة الهنوف محمد أنه باحتضان الإمارات لاثنين من أكبر معارض الكتب في المنطقة العربية والعالم هما معرض أبوظبي ومعرض الشارقة تكون قد وفرت الكتاب للقارئ والكاتب في آن، وساهمت من خلال الفعاليات المختلفة والمعارض المحلية المتعددة في دعم الكاتب والكتاب، وهذا أمر مهم جداً، وقد أتى أكله وحقق ما هو مطلوب منه. بدوره أكد الكاتب محمد خميس أن الكتاب الإماراتي يعيش اليوم مرحلة مهمة سواء من خلال توافره أو من خلال عدد دور النشر التي انتشرت لتضخ المكتبات والمعارض بعشرات المؤلفات، والكاتب المجيد هو الذي يفرض نفسه بإبداعه المختلف. نهوض السينماعلى صعيد الفنون الأخرى، استطاعت الحركة السينمائية الإماراتية في السنوات الأخيرة أن تفرض حضورها بشكل لافت، ورغم ذلك يرى البعض أنها في أمس الحاجة إلى تكوين أجيال من المبدعين والمختصين في صناعة السينما اللغة الأكثر إنتشارا في عالم اليوم. يقول محمد حسن أحمد الشاعر والسيناريست والمستشار الفني وأحد مؤسسي صناعة الفيلم بدولة الإمارات: كتابة السيناريو في الإمارات يحتاج إلى المزيد من المهتمين، ووجه لومه للكتّاب والسينمائيين الإماراتيين الذين يقدمون فيلماً واحداً ثم يذهبون للثقافة الاستهلاكية. وأضاف أحمد أنه يشتغل مع أشقائه الثلاثة على الإخراج والإنتاج والسينوغرافيا ومشاريع فنية أخرى سترى النور قريباً، مؤكداً أن الساحة في حاجة إلى نقّاد أيضاً من شأنهم أن يساهموا في تطويرها. وأضاف محمد حسن أحمد أن مشروعه هو تحويل الأدب الاماراتي إلى أعمال درامية تلفزية، فالكتابات موجودة وتحويلها إلى أعمال فنية مصورة أمر يسير إذا ما وجد الدعم والمبادرة، وهذا ما يسعى إليه ضمن مشروع متكامل من شأنه أن يخرج الأدب من الورق إلى الكاميرا. كل ذلك يؤدي إلى طفرة نوعية على حد تعبير الإعلامية والشاعرة إيمان محمد، التي تؤكد أن المشهد الثقافي في العشريتين الأخيرتين شهد زخماً كبيراً على جميع المستويات، مشيرة إلى سرعة التطور الذي يعيشه المجتمع الإماراتي والتحولات الكبرى التي عاشتها الدولة في ظرف وجيز جداً، وهذه الخصوبة حفزت على المزيد من الابداع ، فبعد الفترة الذهبية في ثمانينيات القرن الماضي شهدت سنوات التسعينيات بعض الانحسار نظراً للأوضاع الإقليمية التي عاشتها المنطقة آنذاك، ليظهر مع بداية القرن الواحد والعشرين جيل جديد من الشبان المبدعين في مختلف الحقول من الذين لم يكن لهم أدنى علاقة بالجيل السابق وبالرواد المؤسسين مما خلق فجوة بينهما، وبدأت تتشكل معالم مدرسة تجريبية في الفنون التشكيلية طرحت الكثير من الأسئلة حول المرأة والحرية والوجود، وكذا كان الأمر في المسرح. وخلصت إيمان محمد إلى القول: نحن في أمس الحاجة اليوم إلى مرحلة أبعد لبناء مشروع فكري قادر على تحقيق الإضافة والبناء الحقيقي للوصول بنا إلى ترسيخ حضورنا الثقافي. وأخيراً..... تنوعت مجالات الإبداع الإماراتي، ويحرص المبدعون على تجاوز كل المطبات التي من شأنها أن تؤثر سلباً على إنتاجهم لذلك كانت حواراتهم المختلفة فرصاً نادرة لمزيد التطوير ومناسبات لمواجهة أنفسهم بما يمكنهم القيام به لتحقيق الأفضل. 3 مراحل من المدارس إلى المهرجانات يذهب الأديب ماجد بوشليبي إلى أن المشهد الثقافي الإماراتي يمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل ليسهل الحديث عنه، وهي مرحلة ما قبل الاتحاد ومرحلة قيام الاتحاد، ثم مرحلة التسعينيات مع بداية ظهور الاعلام الجديد وتطور آليات العمل الثقافي والاعلامي. ويشير بوشليبي إلى أسماء عدد من رموز الثقافة وروادها في الامارات منذ منتصف القرن التاسع عشر عندما انطلقت بدايات التأسيس لكيانات ثقافية ومع ظهور أول صالون أدبي إماراتي العام 1866 في بومباي بالهند، وتأسيس أول مكتبة عامة سنة 1899 وانطلاق المدارس مثل التيمية والمحمودية والأحمدية والاصلاح مع بداية القرن العشرين حيث ظهرت المجلات والصالونات الأدبية والصحف الحائطية، وبدأت معها الارهاصات الأولية لتشكل واقعا ثقافيا جديدا في الشارقة مع تأسيس مؤسسة المنتدى سنة 1929. وأضاف بوشليبي أن هذه الفترة كان لها تأثير مهم ثم ظهرت بعد ذلك بواكير الابداعات الأولى للمبدعين الاماراتيين في الرواية والقصة والمسرح والفنون التشكيلية بالخصوص، وساعدها في كل ذلك بعث الأندية الثقافية والرياضية دون أن ننسى دور الوزارة والهيئات المختلفة، ولا يمكن إغفال الدور الكبير الذي لعبته إمارة الشارقة في هذا الاطار من خلال دعوة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي إلى ترك ثورة الكونكريت والالتجاء إلى بناء الانسان، فانطلقت الفعاليات المختلفة في مختلف مجالات الإبداع مع بداية الثمانينيات لتؤسس لنسق مختلف لم يشمل الشارقة فقط بل كل إمارات الدولة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©