السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إخفاقات العربي

إخفاقات العربي
13 نوفمبر 2013 20:41
تحمل نصوص المونودراما المسرحية العشرة الفائزة في مسابقة هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام على المستوى العربي، مذاقات شديدة الخصوصية بكل بيئة نبتت ونشأت وترعرت فيها، تلك الإبداعات المرهفة والمثقلة بالهموم وأنات الإنسان أينما وجد وعاش على ظهر البسيطة. عشرة نصوص مسرحية استلهمت تجربتها من واقع إخفاقات هذا الإنسان البائس وأحواله المتردية وعلاقته الوثيقة ببيئته وبعاداته وتقاليده المجتمعية التي قد تكون سيفا مسلطا على رقبته. وكشفت هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام في وقت سابق، عن أسماء الفائزين بمسابقتها الدولية في نسختها الثالثة، وحاز نص “البحث عن عزيزة سليمان” للراحل الأردني عاطف الفراية على المركز الأول، ونص “الانتظار” للمصري محمد الحجاجي على المركز الثاني، بينما تقاسم المركز الثالث الجزائرية فائزة مصطفى عن نص “مدن الكرتون”، والمغربي مصطفى الحمداوي عن نص “الرحلة الأخيرة”. واختارت لجنة التحكيم ست نصوص مسرحية أخرى، لطبعاتها في كتاب يصدر في الدورة السادسة لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، والذي من المقرر بدء فعالياته في يناير المقبل، وهي: نصوص “فيس بوك “ للأردني أحمد الطراونة، و”ضمير متصل” للجزائري رشدي رضوان، و”على غزة السلام” للفلسطيني خالد خماش، و”داخل” للمغربي يوسف الريحاني، و”الرواية” للسوري رامي غدير، ونص “العرض الأخير” للمصرية صبحة أبورايا. عالم بلا أضواء ويدلف الأديب الأردني عاطف الفراية ـ الذي وافته المنية قبل شهر في الشارقة بعد فوزه بأيام قليلة ـ في نصه “البحث عن عزيزة سليمان” إلى عالم الفنانات وما يعانينه من شقاء وبؤس كبيرين، حين تنحسر عنهن الأضواء، ويصبحن بلا مأوى أو عمل او معاش تقاعدي يربأ أوجاع الكهولة، في عمر بات ضائعا وينتظر الموت. وشخصية نجمة في نص الفراية هي ذاتها شخصية عزيزة سليمان الأصلية التي سبقت دخولها عالم الفن والشهرة، والتي كادت أن تسقط من ذاكرتها تماما، وتقول نجمة في نص الفراية: أريد أن أخرج من نجمة وأعود إلى عزيزة سليمان، أعيشها قليلا قبل أن أموت. ونجمة تلك الفنانة التي ملأت شهرتها الآفاق، تجلس الآن قعيدة في دار المسنين بعد حادث أليم ألم بها صرف عنها جمهورها وكل محبيها من دون رجعة، وتظل نجمة تتذكر ما حدث لها وما ألت إليه حياتها في دار المسنين، وجسد الفراية شخصية نجمة وقضيتها في أسلوب سهل وبسيط بعيدا عن الثرثرة والسفسطة الأدبية، وهو ماضٍ في وضع قاعدته الأخلاقية في الحياة، والتي مفادها بأن الدنيا قد تعطيك كثيرا، ولكن حتما ستأخذ منك الكثير، فكن في كلتا الحالتين راضيا مؤمنا بحكم الله وقدره. وقد ظهر ذلك جليا في نص الفراية حينما رفضت تلك الفتاة أحد الشباب المتقدمين لخطبتها، وكان يعمل خبازا واسمه ساكب شلنفح، حينها قالت: “تخيلوا لو أصبحت وقتها مدام شلنفح بدلا من نجمة، إن اسمه وحده كافيا لرفضه”، ومضت تلك الفتاة في طريقها نحو الشهرة، وقد أيقنت أن جمالها وموهبتها سوف يدفنان في بيت الخباز، واختارت دخول اختبار معهد التمثيل، التي كانت واثقة من اجتيازه إلى عالم الشهرة التي تمسكت بها تاركة شلنفح الذي أحبها. وتظل الفنانة نجمة في نص الفراية تسرد لنا ما يحدث لها داخل دار المسنين، والورود التي كانت تأتيها صباح كل يوم جمعة، وأجرة السكن التي كانت تدفع لها شهريا، وتظن أن الذي يقوم بذلك كله هو وليد زهران زوجها السابق الذي كان يحبها، وعندما لم يأت الورد لجمعتين متتاليتين، تكتشف في نهاية النص أن رجل الأعمال شلنفح المحب صاحب مجموعة محال عزيزة هو الذي كان يقوم بذلك كله، وقد انقطعت الورود وأجرة السكن بموته، إنها تصاريف الدهر ودروس الحياة. الأرض والنيل والحصان وفي تجلٍ آخر وإبداع متميز، يأخذنا محمد الحجاجي في نصه المونودرامي “الانتظار”، إلى الأرض والنيل الذي يقطعها شمالا وجنوبا موزعا خيراته على جانبي أرض مصر، وهناك في الأقصر تقع حكاية الشاب عوض الله المحب لأرضه التي نبت فيها، ولحصانه الذي أطلق عليه اسم “جاويش” وهو اسم والده الذي مات وتركه طفلا صغيرا. وكان هذا الاسم سببا في مضايقة عمه والد محبوبته ندى. ويسرد عوض الله قصته مع حصانه الذي لا يفارقه أبدا، فهو لصيق له في مأكله ومشربه وفي ترحاله إلى القاهرة، إنها صورة متفردة للحب بين ذات الإنسان وهذا الحيوان، الذي اعتاد على رؤية صاحبه عوض الله وهو يقدم له مأكله ويعتني به وبنظافته فأرتبط به هذا الحصان ارتباطا شديدا، وربما يكون هذا الحصان الذي تركه والد عوض الله قبل وفاته، هو رمز لأبيه المتوفى ولهذا كان سر العلاقة الحميمة بين الطرفين. ويرحل عوض الله مجبرا إلى القاهرة، بحثا عن المال الذي يمكنه من الزواج من ابنة عمه، ويرافقه في سفره حصانه جاويش، ويظل هناك لعامين يعمل، حتى حصل على المال، وعندما يقرر العودة إلى الصعيد يموت حصانه جاويش هناك في الغربة في القاهرة، وهنا يقول: مات جاويش.. مات غريبا.. لن تفهموا ماذا يعني جاويش بالنسبة لي.. هو لم يكن مجرد حصان ربيته.. جاويش ابن عمري الذي حرمتني الأقدار من إنجابه.. جاويش أخي الذي لم تنجبه أمي.. جاويش هدية أبي الأولى والأخيرة. وشحن عوض الله جثة حصانه النافق إلى الصعيد بإصرار وعزم شديدين على أن يتم دفن جاويش في أرضه، ثم جلس هناك في الأقصر على حافة النيل ليالي طويلة في انتظار حصانه جاويش الذي لم يأت. ولعل نص الحجاجي أراد أن يأخذنا إلى قيمة إنسانية لم تعد أساسا موجودة بين الإنسان وأخيه الإنسان، كما أراد أن يعلي من قيمة وأهمية الجذور الأولى للإنسان وضرورة أن يرتبط بها ارتباطا أبديا. بهجة مدن الكرتون وتبحث الجزائرية فائزة مصطفى عن منابع البهجة وإشراقاتها اللانهائية في نصها “مدن الكرتون” وقد أوشكت أن تجزم في أكثر من موقع داخل نصها المكثف والمركز، بأن مدينتها الجزائر قد تغيرت وتبدلت، ومن قبلها تغيرت وتبدلت قلوب قاطنيها، ولم تعد كما كانت في سالف الدهر، بهية.. عفية.. زاهية، حتى لونها الأبيض قد خفتت حدته وتراجعت تأثيراته النفسية لتطفأ منابع البهجة في نفوسنا، وتتحول رويدا رويدا تلك القصور والبيوت الفسيحة الأنيقة إلى مدن للكرتون. وتصنع فائزة مصطفى في نصها “مدن الكرتون” شخصيتها المونودرامية باقتدار وحكمة بالغتين، حيث تجلس هناك على طرقات مدينتها سيدة عجوز شمطاء، خط الزمن على قسماتها الشاحبة تصاريفه القاسية، وهناك أمام الجامعة حيث يكون الكثير من العابرة والسابلة من بين الطلاب، وهنا تقول العجوز: خمسون عاما قضيتها على هذا الرصيف الذي طرحت قرميده بلحمي، وحدها الأشجار المغروسة فيه تذكر سواقي دموعي التي ذرفتها، نظرات الناس تصهر الحديد الصلب، فما بالك بلسانهم السليط المسموم. كل امرأة مشروع مومس في نظرهم. وتقول: الأمم التي تقرأ، أمم لا تجوع ولا تستعمر.. العجزة من رجالنا الفارغين من كل شغل، يظلون خلال يومهم يزحفون من ظل إلى آخر محاولين الاحتماء من أشعة الشمس، هم متراخون طوال اليوم على الأرصفة وفي المقاهي بمحاذاة الموانئ ينتظرون وينتظرون، يمددون الوقت. وفي نهاية النص تقول: إنهم على حق، لم يرضوا بكرتون مثلي، ولا بأحلام مدن من كرتون. البحث عن الموت ويبحث المغربي مصطفى الحمداوي في نصه “الرحلة الأخيرة” عن حياة أفضل في بلاد بعيدة، هي بالطبع ليست بلاده، وإنما بلاد تقبع هناك خلف حجب الماء المترامي واللانهائي، والذهاب إلى تلك البلاد البعيدة القريبة في آن واحد، يكلف الكثير من الأنفس والأعمار التي تذوب يوما بعد اخر في أحشاء هذا المحيط هدرا. ويضم المركب الذي استقله سعيد، الكثير من الأشخاص من بلاد عربية وافريقية، قرروا الرحيل إلى العالم الآخر، هناك في بلاد تمتلك الرزق وللإنسان حقوق أخرى لا يعرفونها هنا في بلادنا، والى جواره كان مامادوا هذا الإفريقي المتصوف لا يمل من النظر إلى السماء متفردا مع ذاته غير عابئا بالموت القابع في مركبهم، وتلك المرأة “إيشا” التي كانت طوال الرحلة تنادي وتصرخ في طفلتها، وقد مات مامادوا وهو لا يزال يحدق في نجمة تظهر وتختفي وراء السحب ولسانه يردد “إنها الرحلة الأخيرة، وماتت “إيشا” وهي لا تزال تصرخ، ومات خالد ثملا وهو ينظر إلى قعر المركب ويغني، مات الوالي ولد الوالي وفي يديه ديوان شعر للشاعر عبد المعطي حجازي ويقرأ قصيدة “أنا والمدينة”. هذا أنا.. وهذه مدينتي.. عند انتصاف الليل.. رحابة الميدان، والجدران تل.. تبين ثم تختفي وراء تل.. وريقة في الريح دارت، ثم حطت، ثم ضاعت في الدروب.. ظل يذوب.. يمتد ظل. «فيسبوك» الطراونة ويأخذنا أحمد الطراونة في رحلة عصرية عبر الشبكة العنكبوتية من خلال نصه “فيسبوك”، إلى عالم (الشات) وما فيه من خداع وكذب، حيث يقرر أن يصنع لنفسه حسابا على “الفيسبوك” ويضع صورة الفنانة ليلى علوي على حسابه، وهكذا يجري محادثات كتابية مع شباب مخدوع لاهث خلف الشهوة واللذة الحسية، ثم يحاول أن يكشف زيف النخبة المثقفة حين تجلس بمفردها في الغرف المظلمة لتظهر الكثير من السلوكيات المنفية تماما لما تقول عن عالم الفضيلة والطهر، حينما تدخل على “الفيسبوك” بأسماء مستعارة للبحث عن فتيات مومسات يعطهن اللذة. ويقول على لسان شخصية في النص: “أنا أقدر الناس على ارتكاب الخيانة، أتعرفون لماذا!؟ لأنني أقدر الناس على تبريرها.. هكذا يقول لينين ليس أنا”. ولا يخلو نص “فيسبوك” من إسقاطات سياسية على الواقع المعاش في فلسطين، خاصة عندما يقول: أريد أن اعرف لماذا عند صفحة فلسطين والثورة على إسرائيل يتعطل “الفيسبوك”، وعند أي دولة أخرى يصبح “الفيسبوك” هو المحرك الرئيس للثورة. ثم يمضي الطراونة في تأصيل نصه لإيصال رسائله التي أرادها حينما يقول: حين تنسكب الأرض جوعا ووجعا فوق رؤوسنا حتما ستضيق، ولن يبقى فيها مكان للدمع، حين تبيعنا الأرض قطع غيار لحربها النازفة حتما ستضيق، وحين تضيق القصائد، وتتسع المدائح، وحين تطفو النساء على وجه الشوارع وفوق المناهل القذرة، تضيق الأرض، نعم تضيق. صوفية رضوان وفي نص “ضمير متصل” لرشدي رضوان تأخذنا كلماته ومعانيه المتدفقة كشلال هادر دون هوادة، إلى عالم آخر فيه تتجلى الذات، وتتفرد الروح وتتآلف مع نفسها ليعم الصفاء ويطل البهاء النفسي، كما لو كنا في عالم صوفي يصوغ خطوطه وتقاسيمه محي الدين بن عربي وجلال الدين الرومي وغيرهما من أعمدة المتصوفة. وفي نص الفلسطيني خالد خماش “على غزة السلام” يدخلنا إلى عالم الأنفاق كمدخل موضوعي لحكاية شخص يدعى رافع نباد الزعلان، وقد أفاق من غيبوبته ليجد نفسه في قبضة النفق الذي أتى على جسمه وأصابه بالجروح.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©