السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«احتلوا وول ستريت»: احتجاجات مكْلفة

17 نوفمبر 2011 13:54
في البداية انطلقت الحركة الاحتجاجية بالمدن الأميركية والمعروفة باسم "احتلوا وول ستريت" كنوع من التعبير عن الاستياء تجاه قضايا سياسية واقتصادية، لكن النقاش تحول في الآونة الأخيرة لينصب على الاحتجاجات نفسها، وما إذا كان من المجدي استمرارها، أم أن الوقت حان لوقفها. فالحركة التي أصبحت رمزاً للاحتجاج على تجاوزات النظام المالي وساهمت في تسليط الضوء على الجرائم المرتكبة في وول ستريت، تخللها العديد من المشاكل جعلتها موضع شك من السلطات ومن رجل الشارع على حد سواء، خاصة فيما يتعلق بمشكلات الصرف الصحي، وتعاطي المخدرات، وتسجيل سبع وفيات، بالإضافة إلى اعتداء جنسي. فعلى مدى يوم الثلاثاء الماضي تواصلت عملية الشد والجذب في العديد من المدن الأميركية التي اجتاحتها الحركة الاحتجاجية بمعسكراتها المنتشرة في المتنزهات والحدائق العامة، بطبيعتها الفوضية والمخلة بالسير العادي للحياة، فقد تدخل رجال الشرطة وقاموا باعتقال المحتجين في عدد من المدن والولايات، وفي المقابل رفعت ثلاث منظمات حقوقية دعوات قضائية نيابة عن المحتجين، فيما سارع عمداء المدن ومسؤولوها، في جميع المدن الأميركية من الساحل إلى الساحل، لعقد اجتماعات طارئة لاتخاذ قرارات حول ما إذا كانت الحركة الاحتجاجية، التي تُعد الأكبر في أميركا خلال العقد الأخير، ساهمت في حل مشاكل الأميركيين أم أنها خلقت معضلات أكبر؟ وما إذا كانت احتجاجاتها مجرد احتلال للساحات العامة، أم أنها باتت مرضاً يصيب المدن الأميركية؟ فبعد تذمر مسؤولي المدن الأميركية من أن الحركة الاحتجاجية تعرقل الحياة العامة، تحركت الشرطة في الأسبوع الماضي، حيث بدأت عناصر الأمن تهاجم المخيمات التي أقامها المحتجون في الساحات والحدائق خلال الليل، مبررين ذلك باعتبارات الأمن والسلامة العامة، وفقط في واشنطن استمرت العلاقات غير المتوترة بين رجال الشرطة والمحتجين وسط أجواء من التفاؤل تلف الحركة الاحتجاجية والمسؤولين على حد سواء. أما في نيويورك فيبدو أن العمدة ومعه المسؤولين ضاقوا ذرعاً باستمرار الاحتجاج في حديقة "زاكوتي"، فقامت الشرطة في وقت مبكر من يوم الثلاثاء الماضي باقتحام المعسكر ملوحين بالعصي ومعتقلين مئتي شخص، كما أقاموا حاجزاً حول الحديقة يمنع من عودة المحتجين إليها. ولعل ما سرّع من تدخل السلطات الأمنية لفض الاعتصامات التي طبعت المشهد العام في أميركا خلال الشهرين المنصرمين، هو تنامي الحوادث في المخيمات، حيث سُجل مقتل رجل بالقرب من مخيم للاعتصام بأوكلاند، وعثر على رجل ميت في مدينة "سولت ليك سيتي"، وانتحر آخر في فيرمونت، كما بُلغ عن حالتي تسمم بالمخدرات في بورتلاند، واعتداء جنسي في فيلادلفيا... ناهيك عن حوادث أخرى بدأت تثير مخاوف السلطات وتقلق رجال الأمن. والأكثر من ذلك انشغال مسؤولي المدن بحالة الصرف الصحي في المخيمات، لاسيما في ظل بقاء الآلاف من المحتجين في المعسكرات لأيام طويلة دون دورات للمياه، فضلا عن مشاكل أخرى متعلقة بإزعاج السكان والمناوشات مع رجال الشرطة الذين تدخلوا في بعض الأحيان بقسوة وقاموا بإلقاء أغراض المحتجين ومتعلقاتهم في القمامة. وفي ظل هذا الوضع المثير، بدأت الحركة الاحتجاجية التي انطلقت لإسماع صوتها المعارض للأقلية المستفيدة من النظام المالي الحالي، بدأت تفقد تعاطف ودعم الشارع، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" مطلع الشهر الجاري أن نسبة المؤيدين لاحتجاجات "احتلوا وول ستريت" لا تتعدى 18 في المئة من المستجوبين، بل إن بضعة مئات من سكان نيويورك خرجوا في مظاهرات معارضة للحركة الاحتجاجية رافعين شعار "اتركوا المكان". ولم يقتصر الأمر على التداعيات الصحية والأمنية للحركة الاحتجاجية التي دفعت الشرطة إلى التدخل لفض المخيمات، بل هناك أيضاً الكلفة المالية والاقتصادية، حيث يشير المسؤولون إلى ملايين الدولارات من النفقات الإضافية تكبدتها المدن في وقت تسير فيه البلاد نحو التقشف، ففي مدينة دينفر تضع التقديرات الكلفة في حوالي مئتي ألف دولار أسبوعياً، أما في أوكلاند فقد خُصص أكثر من مليون دولار لدفع تعويضات رجال الشرطة عن الساعات الإضافية، وتكبدت المحال التجارية بالقرب من حديقة "زاكوتي" في نيويورك ما لا يقل عن 500 ألف دولار على مدى أيام الاحتجاج. ولمواجهة هذه الإشكالات عقد عمداء المدن الأميركية اجتماعات للبحث عن الحلول. وبعد شهرين تقريباً على انطلاق الحركة الاحتجاجية تحولت هذه الأخيرة إلى ما يشبه مجتمعاً مصغراً بقادته ومكتباته ومرافقه الطبية، بل حتى بجرائده الخاصة. والمشكلة أن المحتجين لم يبلوروا مطالب محددة توضح أجندتهم مع إعلان نيتهم الاستمرار في الاحتجاج خلال فصل الشتاء القادم، وهو ما يضع أعباء إضافية على المدن، فكان السؤال إما التأقلم مع الحركة الاحتجاجية كواقع قائم يتعين التعايش معه، رغم ما يصاحب ذلك من أعباء وتكلفة اجتماعية واقتصادية، أو التدخل لفض المعتصمين وإخراجهم من الساحات العامة. وبعد أخذ ورد، ومناوشات مع المحتجين في الحدائق والميادين، اختارت السلطات الخيار الثاني فاقتحمت أماكن الاعتصام في الليل واعتقلت المحتجين، ثم أخلت الساحات حتى إشعار آخر على الأقل. إيلي ساسلو وكوليم لينش - نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©