الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

يوسف زيدان: التصوف عبقرية في الدين والعلوم والفنون

يوسف زيدان: التصوف عبقرية في الدين والعلوم والفنون
13 نوفمبر 2013 00:12
محمد وردي (دبي) - ألقى الدكتور يوسف زيدان محاضرة بعنوان «التراث الروحي»، بمقر مركز «دُربة للتأهيل»، في مجمع الذهب والألماس بدبي، بحضور لفيف من الكتاب وأهل الأدب والإعلاميين والمهتمين بالشأن الثقافي. استهل زيدان محاضرته، بضبط المفهوم الذي ينطوي عليه العنوان، لأنه يعتقد أن المشكلة الأبرز في الثقافة العربية في الوقت الراهن، هي ضبط معنى المفردات، وخصوصاً عندما يرتبط الأمر بمفاهيم موضوعات التراث. موضحاً أن مفردة «التراث» تنطوي على معنيين، لغوي قرآني، وآخر اصطلاحي. فاللغوي القرآني، يعني ما تركه السابقون إلى اللاحقين. في حين أن معنى مفردة التراث الاصطلاحي تجمع بين النصوص الدينية والأدبية. وكذلك الحال بالنسبة إلى مفردة «الروحي»، فالمعنى اللغوي القرآني، هو ما يكون به الحي حياً، بينما يأخذ المعنى الاصطلاحي معاني مختلفة في الكتب الدينية، حيث تشترك المفردة مع أخرى مثل النفس، ومن العسير ضبط دلالتي النفس والروح، بالمعنى الديني أو اللغوي، في حين يختلف الأمر بالمصطلح الطبي، فمثلاً ابن النفيس يتحدث عن كلية القانون وانتقال الروح مع الدم، ويلاحظ أن المراد هنا ليس المعنى الديني، وإنما المراد معنى الطاقة أو الأوكسجين الذي لم يكن مكتشفاً أو معروفاً لديه. ويخلص زيدان إلى أن «التراث الروحي» بالمعنى الصوفي يعود إلى ما قبل الإسلام، بل ما قبل الأديان، حيث كانت هناك اتجاهات غنوصية في الفلسفة اليونانية، تجعل من المدارك الحسية طريقاً إلى «العرفانية» التي أشتقت منها الهرمسية، والفيثاغورية، علماً بأن الأخيرة هي نظرية علمية بالرياضيات. ونظيرها في اليهودية»القَبّالاه»،التي توازي الرهبنة في المسيحية، و»النيرفانا» في البوذية. أما التصوف الإسلامي الذي يذهب البعض لتعريفه بأنه من الصفاء أو من» الصوف» لخشونة ملبسه، دلالة على الزهد أو «صوفيا» اليونانية بمعنى الحكمة، فهذه معانٍ مدرسية تعليمية كسولة، ليرتاح أصحابها من متاعب التفكير. فالمعنى الحقيقي للتصوف أو المتصوف، هو تجاوز الذات إلى الموضوع، ولايتوقف ذلك على البعد الديني، وإنما الأمر يمتد إلى العلم والفن والشعر، وكان الأمر قائما قبل الإسلام بزمن طويل يعود بقدمه إلى قدم الإنسان المعروف بالتاريخ. وعليه يرى زيدان أن التصوف نزعة أصيلة في الإنسان الساعي إلى ملامسة الحقائق العميقة في الكون، والتوسل إلى انعكاس معاني الكون على المرآة الذاتية (الباطنة) لهذا المتجرّد عن المحسوسات، الطامح إلى سطوع الأنوار العلوية على مرآته، أملاً في تجلِّي المعارف الكلية بالكشف الذاتي المتعالي على قواعد الإدراك الحسي والاستدلال الاستقرائي والاستنباط. ويميز الدكتور زيدان بين الصوفي، والمتصوف. فالصوفي نموذج يكون به الاقتداء، والمتصوِّف تابعٌ يطلب الارتقاء.. الصوفي صاحب طريق، والمتصوِّف عضوٌ في طريقة.. الصوفي مُراد، والمتصوف مُريد. ويعتقد زيدان أن التصوفُ أيضاً هو عكوفٌ على الذات، بمعنى مراقبة النفس والإبحار فيما يتجلى بقلب الصوفي من رؤى ومشاهدات، على اعتبار أن النفس، أو بالأحرى: الروح، هي المرآةُ التي يتجلَّى على صفحتها الكونُ كله. وبحسب جلاء هذه المرآة، يكون نصوعُ الصورة في قلب الصوفي أو الإعتام التام في قلوب العوامّ.. وللتوضيح، لا يقصد الصوفيةُ بالعوامِّ جمهورَ الجهلاء، فالعامّيُّ عندهم قـد يكون عالماً كبيراً في تخصُّصه، لكنه غافل عن ثراء باطنه وتجليات الكون على مرآة روحه، لأن المرآة معتمةٌ! إذن، التصوفُ هو التذوُّق والتوغُّل والعكوف العميق على الذات العارفة باعتبارها مرآةً للكون. وبهذا المعنى الأوسع والأعمق للتصوف، يكون العشاق صوفية، والثوار صوفية، والفنانون صوفية. ويعني بذلك الحقيقيين من أولئك وهؤلاء! فالعاشق إذا تولَّه بمحبوبه صار لا يبصره بالعين، وإنما يراه متجلياً على مرآة ذاته العاشقة، حسب تعبيره.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©