محمد شمس الدين (أبوظبي)
عند الحديث عن التنمية الاقتصادية، فلكل أزمة يواجهها اقتصاد أي دولة، جوانب إيجابية وأخرى سلبية. ولا جدال في أن أزمة انخفاض أسعار النفط التي تعرضت لها دول مجلس التعاون الخليجي، طوال الـ 36 شهراً الماضية، ليست هي الأزمة الأولى، ولن تكون الأخيرة، كما أن دول «التعاون» استطاعت التأقلم مع أزمات سابقة، كأزمة انخفاض أسعار النفط منتصف الثمانينيات، وأواخر التسعينيات، علاوة على الأزمة العالمية. وبالحديث عن الثمار والعوائد، استطاعت دول «التعاون» وبحكمة، التعامل مع هذه الأزمات وتوجيه اقتصاداتها إلى حلبة التنمية المعاصرة.
وحسب شهادات دولية، وإشادات عالمية، من مؤسسات اقتصادية كبرى مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، فقد استطاعت دول «التعاون»، في ظل الرؤى الصائبة والفلسفة الحكيمة لقيادتها الرشيدة، قطع أشواط شاسعة على صعيد التنويع الاقتصادي ورفد القاعدة الاقتصادية بالعديد من القطاعات ذات القيمة المضافة. على سبيل المثال، استطاعت الإمارات تقليل مساهمة النفط في الناتج المحلي لنحو 30%، وتسير السعودية نحو تحرير العديد من القطاعات الاقتصادية وتعزيز قاعدتها الاقتصادية بإطلاق رؤية المملكة 2030، وتسير على الخطى نفسها قطر والبحرين والكويت وسلطنة عمان، فالهدف استراتيجي والرؤية موحدة، وإن اختلفت آليات وبرامج التنمية، تماشياً مع تباين معطيات كل دولة.
إلا أن هناك سؤالاً يلوح في الأفق «ما مدى فعالية الإصلاحات الأخيرة، التي تبنتها دول مجلس التعاون الخليجي، التي كان من بينها ترشيد الإنفاق والاندماجات، والتوجه لفرض ضرائب، خاصة ضريبة القيمة المضافة عام 2018، تسير في الاتجاه الصحيح للخروج من عباءة الاقتصاد النفطي». وللإجابة عن هذا التساؤل المهم، استطلعت «الاتحاد» آراء عدد من الخبراء.
سلعة استراتيجية
أكد الدكتور أحمد البنا، الخبير والباحث الاقتصادي، أن النفط هو السلعة الرئيسة التي تعتمد عليها كل الدول المنتجة والمستهلكة لأهميته البالغة، وبالتالي هناك محاولات كثيرة لإيجاد بديل له، كالطاقة الشمسية والنووية وطاقة الرياح وغيرها، إلا أن كل تلك البدائل ما زالت في مستويات تطوير متباينة إلى حدٍ كبيرٍ، علاوة على ارتفاع كلفتها بالنظر إلى استخراج النفط. وتؤكد كل المؤشرات أن النفط سيظل سلعة استراتيجية رئيسة، ما يعني استمرار تدفق عوائد النفط على دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هذا لا يعني أن تظل الاقتصاديات الوطنية لتلك الدول رهينة للنفط. لذا وضعت دول الخليج استراتيجيات استهدفت تنويع مصادر الدخل، حققت نتائج ومؤشرات إيجابية، وإن تباينت من دولة إلى أخرى في دول «التعاون».
أزمات وفوائد
وفيما تلوح في الأفق بوادر تلاشي أزمة تهاوي أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، إلا أن الدكتور أحمد البنا، يرفض وصف «تهاوي الأسعار»، واصفاً إياها بتذبذبات وتقلبات سعرية ترتبط بالعديد من المعطيات. ويرى البنا أن دول «التعاون» تسير في الطريق الصحيح، كما يرى أنها استفادت من الفترة التي شهدت ارتفاعات قياسية في أسعار النفط وسخرتها في تعزيز مسيرة التنمية والتنوع الاقتصادي، ورفدت الاقتصادات الوطنية بقطاعات جديدة كالخدمات، والسياحة، والمصارف، بل والصناعات التحويلية، مع تبني مزيدٍ من السياسات التحررية. وخصصت أيضاً جزءاً من عوائد تلك الفترة، ووجهته إلى صناديق سيادية واستثمارات وطنية في العديد من دول العالم، فضلاً على نقل وتوطين المعرفة والتقنيات.
تصحيح هيكلي
وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد البنا، أن ذلك لم يمنع، ترافقاً مع انخفاض أسعار النفط منذ منتصف 2014، من اتخاذ إجراءات إضافية تراكم الجهود الشاسعة التي قطعتها دول «التعاون» على صعيد تعزيز ودعم بنيتها الاقتصادية، بما فيها إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، مشيراً لوجود رؤية استراتيجية وبعيدة المدى بين دول المجلس لتنويع مصادرها الاقتصادية.
ليست درسا
من جهة أخرى، يقول رئيس غرفة تجارة وصناعة رأس الخيمة يوسف النعيمي، إن قادة دول «التعاون» كانت لهم فلسفة تنموية صائبة، وبالتالي لا يمكن وصف أزمة هبوط أسعار النفط، بأنها كانت «درساً مؤلماً» تعلمت منه دول «التعاون»؛ لأن استراتيجيات التنويع الاقتصادي والهيكلي، أصبحت واقعاً ملموساً منذ عقود. وضرب مثلاً بالإنجازات الجوهرية والتغيرات الهيكلية في البنيان الاقتصادي لدولة الإمارات، التي خفضت مساهمة عوائد النفط إلى نحو 30% في الناتج المحلي، إضافة إلى تصدرها مؤشرات ريادية عالمياً وإقليمياً في أغلب مجالات التنمية والتطور الاقتصادي. وذلك لأن دول «التعاون» أدركت منذ البداية أن النفط إلى زوال، وأدركت أيضاً أنها جزء من الاقتصاد العالمي وعليها تهيئة البنية الاقتصادية لمسايرة التغيرات اليومية على خريطة الاقتصاد العالمي وقبول التحديات واقتناص الفرصة.
استكمال المسيرة
وقال يوسف النعيمي، إن ما يرتبط بإجراءات وتوجهات أعلنتها دول «التعاون» عقب الانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية منذ منتصف 2014، مع بوادر قوية، بفضل الله تعالى، للتعافي نهاية العام الماضي، رغماً من تنوعها وتسارع وتيرتها، إلا أنها تعتبر استكمالاً لما سبق من إنجازات دون أي تغيير جوهري؛ لأن دول المجلس لم تتوانَ عن تنفيذ خطط التنوع التي تسير وفقاً للجدول الزمني المحدد لها، ويتضح ذلك من السياقات الزمنية للرؤى التنموية والاقتصادية التي تتبناها دول «التعاون»، للوصول إلى مراتب الاقتصاديات المتقدمة والتخلص من الاعتماد على النفط.
الصناعات التحويلية
وبسؤاله عن الخطى التي اتخذتها دول «التعاون» نحو الصناعات التحويلية عقب الأزمة الأخيرة لأسعار النفط، بوصفها تعد ركيزة أساسية وضامنة لنجاح سياسات التنوع الاقتصادي؟ قال النعيمي، إن دول المجلس قطعت أشواطاً شاسعة في دعم وتأسيس قاعدة متطورة للصناعات التحويلية الوطنية، ونجحت نجاحاً ملموساً في الصناعات التقنية التي تعد عماد الاقتصاد العالمي، ضارباً مثلاً بدولة الإمارات التي حققت نجاحات متتالية عبر سياسات مدروسة للخوض في مضمار الصناعات التقنية.
العلاجات الاقتصادية
وأكد الدكتور علي توفيق الصادق، مدير معهد السياسات الاقتصادية بصندوق النقد العربي سابقاً، أن دول مجلس «التعاون» قطعت أشواطاً شاسعة على صعيد تنويع مصادر الدخل، ما أعطاها إلى حد كبير قدرة على التكيف مع الأزمة النفطية الأخيرة، إلا أن الأزمة أثرت أيضاً على خطط كبيرة للإنفاق الحكومي، فتسببت في بروز عجز كبير في الموازين المالية. واعتبر أن دخول مرحلة التشريعات الضريبية، كضريبة القيمة المضافة، كان وفق خطط موضوعة سلفاً قبل الأزمة، ولا علاقة له بها.
نجاح الإمارات
وقال توفيق الصادق، إنه ينبغي على دول «التعاون» أن تسارع الخطى والزمن لتنويع مصادر الدخل، لتحذو حذو نموذج الإمارات، التي بدأت التنويع منذ ثمانينيات القرن الماضي. ووفقاً للبيانات والإحصاءات، كان دخل الإمارات يعتمد على النفط بنسبة 75% آنذاك، أما حالياً، فيساهم دخل النفط في الناتج المحلي بنسبة 29%. وهناك ما يدل على وجود خطط أخرى لدى بقية دول «التعاون» مثل الكويت وقطر، اللتين أظن أن لديهما استراتيجيات مدروسة لتنويع مصادر الدخل، وينطبق الشيء نفسه على بقية دول مجلس التعاون الخليجي. ويمكن بالفعل ملامسة تغيير جوهري وإيجابي مؤخراً على صعيد دول المجلس، حيث تبنت المملكة العربية السعودية رؤية 2030، التي تعد خطة مثالية موجهة لتنويع مصادر الدخل ترسم مستقبلا أكثر أمانا.
الموازنة في الإمارات استثناء على مستوى المنطقة
تعرضت دول مجلس التعاون الخليجي لخسائر في إيراداتها النفطية، ما انعكس في صورة عجز أثر على الميزانيات العامة للدول الخليجية، خاصة خلال عامي 2015 و2016. وحققت المملكة العربية السعودية عجزاً في موازنتها لعام 2016، يعد الأكبر في تاريخها، حيث بلغ 87 مليار دولار، كما أعلنت قطر والكويت عن عجز في ميزانياتهما للعام الجاري أيضاً، للمرة الأولى منذ 15 عاماً. ولم تحقق الميزانية الاتحادية لدولة الإمارات العربية المتحدة عجزاً في عام 2016، إلا أنها جاءت أقل قليلاً من تلك التي تم اعتمادها عام 2015 في إطار رؤية لتعزيز قدرات الدولة في الإنفاق ومعالجة أي ضغوطات. وحسب تقرير للبنك الدولي، شهدت دول مجلس التعاون الخليجي عجزاً في ميزانياتها بلغ متوسطه 9.4% من إجمالي الناتج المحلي في 2015. وحسب تقديرات متفاوتة، تحملت بورصات دول التعاون منذ بداية 2016 خسارة تُقدَّر بـ 150 مليار دولار.
وترافقاً مع العجز في ميزانياتها، اعتمدت كل دول «التعاون»، إجراءات حازمة لترشيد الإنفاق العام، تباينت ما بين رفع أسعار الطاقة والكهرباء والمياه والتوجه مؤخراً لفرض رسوم ضريبية، وصولاً إلى خصخصة قطاعات عديدة، وتسريع تطوير قطاعات إنتاجية غير نفطية لتنويع مصادر الدخل الوطني.