الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الإخوان»... مصابون بـ «سُعار السلطة» ومخيبو آمال «عاصري الليمون»

«الإخوان»... مصابون بـ «سُعار السلطة» ومخيبو آمال «عاصري الليمون»
11 نوفمبر 2013 22:32
سعد القرش - روائي مصري هذا كتاب في طريقة للنشر، وبين دفتيه شهادة على 369 يوماً هي عمر “الإخوان المسلمين” في حكم مصر، «سنة أولى (وأخيرة؟) إخوان»، وكرماً من الشعب منحهم 72 ساعة إضافية من قيظ شهر يوليو الماضي، تسمح لهم بجمع أغراضهم والرحيل من القصر، وأن يحملوا «أمانة» العودة إلى الوطن والإيمان به، والانخراط في المجتمع، وإثبات جدارتهم بأن يكونوا مواطنين صالحين، فأبوا أن يحملوا «الأمانة». هنا صدر قرار شعبي يعزل جماعة ترفض أن تكون جزءاً من النسيج الوطني؛ فشعب مصر محب للحياة لا يعشق إلا في النور، في حين يصر التنظيم السري أن يعمل، كالعادة، في عتمته. الكذب مقتل «الإخوان»، ذلك لأن التدليس يثير الشكوك، ويجعل المتعاطف يفقد الثقة، ويوقن أنه سوف يُستخدم في حرب يعوزها الشرف، وليس أشرف من الصدق. ومن بين وقائع الكذب “الإخواني” التي تلت سقوط مرسي أنه بعدما حاول أنصاره اقتحام دار الحرس الجمهوري فجر 8 يوليو 2013، ومصرع نحو 57 شخصاً، نشط جهاد الحداد المتحدث الرسمي باسم جماعة «الإخوان» في توجيه استغاثات، ورسائل تعززها صور، إلى وسائل الإعلام الأجنبية، ثم تبين لاحقاً كذب الرسائل من رسالة للحداد مصحوبة بصورة لأطفال ادعى أنهم قتلوا في صلاة الفجر مع ذويهم. ولكن تحليل الصورة، الذي اكتشفه القراء، أثبت أنها ترجع إلى 24 ديسمبر 2012، ومصدرها سوريا، هي الصورة نفسها، والأطفال أنفسهم يودعون أمهم «الشهيدة رولا خليل الطواشي» في حي القابون بدمشق، ويرتدون ملابس شتوية ثقيلة، لا يمكن أن يرتديها أحد في صيف مصر، حيث تزيد الحرارة على 40 درجة! سر «الإعادة» وفي 25 يناير 2012، تحركت مسيرة من أمام دار الأوبرا باتجاه ميدان التحرير. قال “الإخوان”: «نحتفل بعيد الثورة»، وقلنا: «هنعيد الثورة»، والإعادة في السياق المصري تعني الفشل والإخفاق في تحقيق هدف محدد، عام دراسي أو إنجاز مهمة، وتوجب على صاحبها أن «يعيد السنة الدراسية»، أو «يعيد المباراة». في ميدان التحرير نصبت منصة واحدة، «منصة الثورة» التي تحدث منها أهالي شهداء وجرحى، كانت «منصة الثورة» أقرب إلى سرادق يرفض أهله، من الثوار وعائلات الشهداء والمصابين، قبول العزاء. يؤجلون هذا الطقس، فالشهيد ليس بميت، والمصاب لا يجد آذاناً صاغية، من الذين يحكمون البلاد، ولا حتى من الذين أصبحوا أعضاء في البرلمان، بفضل تضحياته. كنا نتعالى على جراحنا وهزيمتنا، وخيبة أملنا في “الإخوان”، شركاء الميدان لا الثورة طوال 18 يوما أجبرت مبارك على ترك الحكم. هؤلاء الذين كادوا يبيعون الثوار في الميدان، ومدوا أيديهم «وقرؤوا الفاتحة» مع ممثل النظام، على إتمام الصفقة، لولا أن أنقذهم مبارك برحيله المفاجئ فطوى صفحة التواطؤ. هؤلاء أقاموا «منصة الاحتفال بما تحقق من إنجازات»! بين «الظلامية» والفلول لكن التشوه النفسي الذي أصاب “الإخوان” بسعارهم للسلطة أصاب بعضه أربعة من ممثلي الثورة من التيار المدني أيضاً. ظن كل منهم أنه أحق بالرئاسة، وأخذتهم «الثورة» بالإثم، ورفضوا الجلوس والاتفاق على اختيار أحدهم مرشحا الثورة. خسروا جميعاً، ولم ينصتوا إلى بيان «قبل فوات الأوان.. نداء إلى مرشحي اليسار والديمقراطية الأربعة» الذي كتبه أحمد الخميسي، ووقعه أكثر من 500 مثقف ومواطن غيور على الثورة والوطن. يحث البيان على ضرورة الاستقرار «على مرشح واحد من بينكم، لتحشد خلفه كل الأصوات الممكنة في مواجهة الظلامية، أو عودة الفلول. وإذا تم ذلك، ولم ينجح المرشح لأسباب أو أخرى، فسيكون بوسعنا على الأقل أن نقول إننا بذلنا كل جهدنا وأخلصنا وحاولنا... ندعوكم قبل فوات الأوان إلى الاستقرار فيما بينكم على مرشح واحد منكم، خاصة أن الفروق في البرامج المطروحة من كل منكم ليست فروقا ضخمة. فإذا لم تفعلوا... وإذا فضل كل منكم التشبث بالتطلع إلى كرسي الرئاسة، فإننا نرجو ألا تحدثونا بعد ذلك مطولاً عن اليسارية والديمقراطية وهموم الوطن، لأن كل ذلك على المحك، ولأنكم تلقون بكل ذلك جانباً، ولا تعيرون أصوات الناس أهمية، ويغرق كل منكم في وهم أنه وحده- وبمجهوده، وبمعجزة ما- سيفوز. وهو ما لن يحدث. وسوف تسفر الانتخابات في حال عدم اتفاقكم على مرشح من بينكم عن فوز ممثل الرئيس المخلوع، أو ممثل التيار الرجعي، وفي هذه الحال نحملكم المسؤولية عن ذلك، ولن نسمع منكم مجتمعين، أو فرادى أية دعاوى عن تزييف الانتخابات، أو قوة رأس المال، أو شراء الأصوات، لأنكم منذ الخطوة الأولى انقسمتم، وضيعتم حقوقكم، ومعها حقوقنا... السادة مرشحو اليسار والديمقراطية الأربعة: أبو العز الحريري، حمدين صباحي، هشام البسطويسي، خالد علي.. طالما سمعناكم تتكلمون عن إنصاتكم المرهف لصوت الناس، وها هو صوت الناس يصلكم، فهل تسمعونه؟ وهل سيتكرم كل منكم بالرد علي هذه الرسالة؟». وفي 13 مايو 2012، أرسل الخميسي نسخة من البيان إلى هؤلاء الأربعة، ولم تصل. لعلها وصلت، ولكن الخاسرين الأربعة لم يبالوا بها. صدمة النتائج وفي 28 مايو 2012، أعلنت نتيجة الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية ، وحصل أبو العز الحريري على 40090 صوتاً، وهشام البسطويسي على 29189 صوتا، و134056 صوتا لخالد علي، مقابل 5764952 لمحمد مرسي، و5505327 لأحمد شفيق. وفي مساء اليوم نفسه، سارع أنصار صباحي، وخالد علي ويده في يد كمال خليل، إلى ميدان التحرير. لم يخجل الخاسران، أن يعترضا على نتيجة خيبت آمال الملايين، وقضت على حلمها الرئاسي. الاعتراض في حد ذاته مزحة، ورفض صريح للديمقراطية، أياً كان الفائز! منذ وقت مبكر، مهد “الإخوان” والسلفيون لما بعد فوز مرسي. أعدوا لمرحلة «الدولة»، وجني الثمار ما استطاعوا من قوة في حشد الجماهير، ترغيباً وترهيباً، بعد تهافت مرشحين أفضل من مرسي، وأكثر منه حرصاً على صون «الدولة». وفي تعبيد الطريق لمرسي، أطلق مفتي “الإخوان” عبد الرحمن البر فتوى تجعل من الرئيس القادم ظلا لله في مصر، قائلاً إن الخروج على الرئيس هو اعتراض على مشيئة الله. وكان الثوار أكثر صدقاً حين أطلقوا شعار: «يسقط الرئيس القادم». كنا نرى في الشعار سخرية، وكانوا يرون «الحقيقة». تقية سياسية ليس من الديمقراطية ممارسة «تقية سياسية» جعلت “الإخوان” يفرطون في وعود يليها إفراط مماثل في الأكاذيب. وليس من الإيمان بالله والديمقراطية أن يعد المسلم بما لا يستطيع الوفاء به، فمن علامات المنافق «إذا وعد أخلف»، و«لا يكون المؤمن كذاباً». ربما كانت «التقية الإخوانية» سبب إنهاء مستقبل عبد المنعم أبو الفتوح في مكتب الإرشاد، وقد وجد الرجل أنه مؤهل لمنصب الرئاسة، وأعلن نية الترشح، في حين كانت الجماعة ترفض تقديم مرشح للمنصب، وجاء رد المرشد محمد بديع صارماً وصادماً، ولكنه يتسق مع منطق جماعة يقودها «مرشد»: «لقد نقض عهده مع الله». لم يقل المرشد إن أبو الفتوح «نقض عهده مع الإخوان»، وخالف ما اتفقت عليه الجماعة، بل ساوى بين الله وجماعة تتحدث باسم الله. لم يكن ذلك زلة لسان من بديع الذي قال في مؤتمر انتخابي لمرسي مرشح الإخوان، في المحلة الكبرى يوم 1 مايو 2012: إن مرسي «لم ينقض عهده مع الله... بينما غيره نقض عهده، ولم يف بوعده»، في إشارة لأبو الفتوح. منطق مُحيّر حيرنا “الإخوان” حقاً، فإذا ناقشهم أحد بقواعد السياسة واجهوه بخطاب الدين، وكان «حزب الحرية والعدالة» غطاء مدنياً تُدار من خلفه اللعبة “الإخوانية”، ويفترض أنه بتأسيس حزب سياسي ينتهي دور «جماعة الإخوان المسلمين» السياسي، وتقتصر أنشطتها على الجانب الدعوي، ولكني عبر سنوات عمري لم أجد هذه الجماعة متورطة في العمل الدعوي، ولا أتصور أن لرجل مثل خيرت الشاطر علاقة بالفكر الإسلامي، أو الدعوة إلى الله. وكيف يكون الهوس بدعوة المسلمين إلى الإسلام؟ ألا تحتاج مثل هذه الدعوة إلى فضاء آخر، خارج حدود العالمين العربي والإسلامي؟ لا يزال في أفريقيا بشر يحتاجون إلى معرفة الإسلام، وبعضهم ينتظر يدا حانية، تراعي آدميتهم حتى لو ظلوا على وثنيتهم، أو اختاروا دينا آخر. لا أجد إضافة للإخوان في مجال تجديد الخطاب الديني، أو البحث عن حلول لمشكلة الفقر بعيداً عن «صدقات» مذلة تهين كرامة الإنسان. جاهلون بالجغرافيا البشرية ولا تقبل فكرة الهوس بالدعوة الدينية في بلد معظم أهله مسلمون، إلا إذا كان الداعي، لا «الداعية»، يجهل الجغرافيا البشرية والتاريخية والدينية والسيكولوجية لمواطني هذا البلد. ولم يكن مصادفة بدء محمد مرسي حملته الانتخابية من مسجد عمرو بن العاص في القاهرة، قائلاً يوم 30 أبريل 2012 «سوف نعيد فتح مصر»، وهو تصريح يهين المسلمين المصريين، ويقلق موتى رحلوا على غير «دين الإخوان». الجهل بالدين الشعبي في مصر باب إلى هوس بالتدين الظاهري، وهذا من أسوأ مظاهر النفاق الاجتماعي والسياسي، ويمكن أن نضيف إليه هوسا آخر بأسطورة «الخلافة»، حلم حسن البنا القديم، يعلنه مهووس آخر، من مدينة المحلة في أول يونيو 2012، أمام تجمع دعائي لمحمد مرسي. قال صفوت حجازي إنه رأى حلم أرض الخلافة يتحقق على يد مرسي «ومن معه من إخوانه وجماعته وحزبه. رأينا الحلم الكبير... ستكون عاصمة الولايات المتحدة العربية هي القدس... ستكون عاصمتنا ليست القاهرة... وإنما القدس». (تكبير!). و في غزة سيكرر حجازي الكلام نفسه، في افتتاح مؤتمر «الشباب والقضية الفلسطينية في ظل الربيع العربي»، في مارس 2013. غزل ديني ساذج غير واقعي، لكنه يجد هوى في نفوس محبطين فقدوا الأمل في «متاع الدنيا». غزل يستبدل به “الإخوان” كلاماً عملياً في «ما ينفع الناس»، أن «يطعموا من جوع ويأمنوا من خوف»، وقد وعد مرسي، في برنامج أول 100 يوم من حكمه، بحل خمس أزمات هي الأمن والخبز والوقود والمرور والنظافة. واستعرض ما أطلق عليه مشروع «نهضة مصرية... بمرجعية إسلامية»، ويتضمن «توفير ما يزيد على مليون وربع المليون فرصة عمل سنويا بما يحقق خفض البطالة 15 في المئة سنوياً... والعمل على جذب 15 شركة عالمية إنشاء مشروعات تنموية تقدر بأكثر من 200 مليار دولار». وفي نهاية أول 100 يوم سيكون إنجاز الرئيس 51 خطاباً، بمعدل خطاب كل 48 ساعة، فمتى يعمل؟ وفي فندق فيرمونت بمصر الجديدة، عُقد اجتماع بحضور مرسي وجماعته وحزبه مع 20 من ممثلي القوى الوطنية، منهم.. عبد الغفار شكر، سيف عبد الفتاح، علاء الأسواني، وائل غنيم، حمدي قنديل، حاتم عزام، حسن نافعة، فؤاد جاد الله، عبد الجليل مصطفى، عمار علي حسن، سكينة فؤاد، رباب المهدي. تمت صياغة «اتفاقية فيرمونت» وتشمل ست نقاط منها: «أن يضم الفريق الرئاسي وحكومة الإنقاذ الوطني جميع التيارات الوطنية، ويكون رئيس هذه الحكومة شخصية وطنية مستقلة»، و«الشراكة الوطنية والمشروع الوطني الجامع الذي يعبر عن أهداف الثورة، وعن جميع أطياف ومكونات المجتمع المصري»، و«تكوين فريق إدارة أزمة يشمل رموزاً وطنية»، و«السعي لتحقيق التوازن في تشكيل الجمعية التأسيسية بما يضمن صياغة مشروع دستور لكل المصريين»، و«الشفافية والوضوح مع الشعب». تعهد مرسي أمام ممثلي القوى الوطنية، وقد اعتبروه مرشح الثورة، بتشكيل فريق رئاسي يضم ممثلي التيارات الوطنية، وسيكون نوابه من خارج جماعة “الإخوان”، ثم كان ما كان، وقبل الذكرى السنوية الأولى للاتفاق بقي من هؤلاء مع مرسي ثلاثة، أما الآخرون ففروا، حتى لا يشاركوا في خطيئة وطنية. ديمقراطية «مزاجية» وهنا يجب أن أسجل اعتراضاً أشد على «العقيدة الدينسياسية» لممثلي اليمين الديني الذين يقبلون «الديمقراطية على الشريعة الإسلامية»، ويرفضونها إذا جاءت بغير مرشحهم، في الحالة الأخيرة كان الاعتراض مصحوباً بعنف ودماء وحرب أهلية، وتهديد صريح، باختصار.. «حرق مصر». سُئل شفيق ماذا يفعل لو فاز مرسي، فقال: «أهنئه وأحترم إرادة الشعب». السؤال نفسه وجه لمرسي، وكانت إجابته استنكاراً لفكرة السؤال: «لن يكون»، يعاد السؤال مرة أخرى، وتكون الإجابة المحفوظة الرافضة لإرادة الشعب وللديمقراطية حين توضع الجماعة في الاختبار: «لن يكون!». رابط “الإخوان” وأنصارهم في الشوارع والميادين. هددوا بإحراق مصر لو أتت الديمقراطية بغير مرسي، وكانوا جادين. لو أتت انتخابات كان يفترض أن تجرى عام 2016 بغير مرشحهم لكرروا التهديد نفسه. هذا ما فعلوه بعد يوم 3 يوليو الماضي، حين رفضوا إرادة الشعب، وأعلنوا أنهم سيحمون بدمائهم ما يسمونه “الشرعية”، مصطلح ملغوم يمتزج فيه الديني بالسياسي. التهديد بإحراق البلاد يتناقض مع غرور عبر عنه القيادي الإخواني صبحي صالح بقوله: «لو رشح الإخوان كلبا ميتا، سوف يفوز»، مقتبسا قول زعيم حزب «الوفد» مصطفى النحاس: «لو رشح الوفد حجراً لفاز»، ولكن “الإخواني” أفرغ المقولة التاريخية من شحنة الثقة، واستبدلها باطمئنان النحاس إلى وعي الشعب. التهديد بإحراق البلاد أحد نتائج التهاون في التعامل مع جرائم “الإخوان”، ومنها التجسس على مسؤولين، والإعلان عن هذا التجسس بكثير من الغطرسة. قال خيرت الشاطر إن الإخوان رصدوا اتصالات بين عدد من أعضاء اللجنة العليا للانتخابات بعدد من أعضاء المجلس العسكري، ومنها اتصال يتضمن اجتماعاً بين عضو في لجنة الانتخابات وبعض أعضاء المجلس العسكري عن استبعاد حازم صلاح أبو إسماعيل والشاطر من سباق الرئاسة، والإخوان «راصدينه وعارفينه.. الإخوان موجودون في كل مكان». خيبة أمل «عاصري الليمون» وفي 24 يونيو 2012، اللجنة العليا للانتخابات تعلن فوز الدكتور محمد محمد مرسي بالرئاسة. ففي الجولة الأولى نال مرسي 5.764952 صوتاً، وفي الجولة الثانية تضاعف الرقم بفضل دعم فصائل الحالمين بإتمام مشروع الثورة، فنال مرسي 13.230131 صوتاً، مقابل 12.347380 صوتاً لشفيق. فاز مرسي بفارق ضئيل 51.73 في المئة، بعد أن تعهد لكارهي شفيق من ليبراليين ويساريين بحكومة تضم كل الأطياف الوطنية، وفريق رئاسي، وإعادة تشكيل لجنة الدستور. ولكن «عاصري الليمون» الذي أسهموا في إنجاح مرسي، فوجئوا بخيبة أمل، بعد أن تجرعوا «المرارة الإخوانية» لكي لا ينجح شفيق. يلجأ المصريون إلى «عصر الليمون» لكي يحتملوا الطعام غير المحبب، أو لكي يتعاملوا مع شخص ثقيل الظل، غير مرغوب فيه. ولم تكن هذه النسبة التي نجح بها مرسي تدعوه لأي نوع من الاستبداد؛ فنصف الشعب لا يريده، والنصف الذي اختاره كان مدفوعاً بكراهية منافسه. ولكن الاستبداد يعمي ويصم. كانت الجماعة قلقة، ليس لديها صبر السياسيين على انتظار الإعلان الرسمي لنتيجة الانتخابات، فاستبقت الأمر لقطع الطريق على «الحقيقة»، وبهذا ضمنت مزيداً من حشود مهووسين بحلم الخلافة، ربما تحتاج إليهم في «حرق مصر». خطاب تطمينات وفي مساء 17 يونيو وفجر 18 يونيو 2012، مصر لم تنم، وانقسمت بين قلقين على مصير «الدولة»، وفرحين بتحقيق حلم «الخلافة» أو اقتناصه. وبعد الإعلان «الإخواني الأهلي» عن فوز مرسي، وقبل أدائه اليمين الدستورية، استقبل «الرئيس» نحو 20 رجلاً. وفد يضم سلفيين طيبين، و«إسلامجية» متشددين وتكفيريين، وبينهم من تلوثت أيديهم بقتل مواطنين أبرياء. وفي مساء 24 يونيو 2012، وبعد إعلان فوزه رسمياً، ألقى مرسي خطابه الأول «الرسمي»، وفيه طمأن أميركا وإسرائيل على الالتزام بالمعاهدات، واستشهد بآيات قرآنية وأقوال مأثورة: «وُليت عليكم»، وهذا يخالف الحقيقة؛ فما ولاه على المصريين أحد، ولكن الشعب اختاره. لم يبق من ذلك الخطاب في ذاكرة الشعب إلا كلمتا: «أهلي وعشيرتي». ظل مخلصا لأهله وعشيرته، وكنا نراقب ونتأمل ونتعجب وننتظر. لو فاز شفيق لتأجل الحلم بعدالة “الإخوان” وتقواهم وبرهم بالشعب، إلى حين اختبار مقولاتهم. ولكن عظمة الثورة، ومن دون أن يخطط الشعب، في تقريب المسافات، ووضع الشعب أمام اختبار اللحظة التاريخية، فمن كان دون مستواها فرمته رحى الثورة، وألقت به ريحها في مكان سحيق، حيث لا عودة من الموت، إذ أعلن الشعب يوم 30 يونيو حظر جماعة الإخوان. نحو ثورة 30 يونيو بدأ الطريق إلى 30 يونيو 2013 عبر مرحلتين الأولى مساء 24 يونيو 2012، حين توجه مرسي بخطابه إلى جماعته: «أهلي وعشيرتي»، وهي نظرة ستحكم أداءه وخطابه. والثانية بعد «الإعلان الدستوري» يوم 21 نوفمبر 2012، قنبلة دخان أطلقها “الإخوان” لتمرير دستور طائفي، فانفجرت اللعنة في مكتب الإرشاد، ودمرت المشروع “الإخواني”، ونسفت جهود أكثر من ثمانين عاما من «جهاد» الإخوان في سبيل الوصول إلى حكم مصر، ولعل روح حسن البنا قلقت، وشقاء عمره يذهب هباء، إذ انقسم الشعب إلى فسطاطين، ليس كما أراد البنا وخطط.. فسطاط المؤمنين بدين الإخوان وفسطاط الآخرين، وإنما استظل فريق بدخان قنبلة الإعلان غير الدستوري وآثاره، وابتعد الشعب عن مواطن الشبهات الوطنية. «جيكا» وسراب «الوعود» ولم يجتمع المصريون بعد لعنة ذلك الإعلان الديكتاتوري على كلمة سواء، وأعلن الثوار منع “الإخوان” من دخول ميدان التحرير، منذ سقوط أول شهيد برصاص الشرطة، وهو جابر صلاح «جيكا»، يوم 20 نوفمبر 2012، وحظر دخول “الإخوان” إلى الميدان، وتعليق لافتة «ممنوع دخول الإخوان» تطل على ميدان التحرير بعرض شارع محمد محمود. كان “جيكا” من مؤيدي مرسي، مثل ملايين الرافضين لترشح شفيق. ومنذ قرر «الحلفاء» الاصطفاف مع مرسي، وأنقذوه من «السقوط» أمام شفيق، بدا حسن نية الملايين ممن فتحوا صدورهم، وأعلنوا طي صفحة الإخوان الدامية، وصدقوا وعود مرسي وتعهداته التي نصت عليها «اتفاقية فيرمونت». وكان على المتعهد أن يفي، ولكن “الإخواني” أكثر وفاء لماضيه وتربيته الإخوانية، وتقوده رؤية عنصرية للعالم، إلى حذر ينتهي إذا امتلك القوة، حيث تربص الإخوان بالقضاء والجيش والأزهر الذي كان هدفاً لهم منذ اليوم الأول. الشعب يراقب قضت «فذلكة» التاريخ أن يتنافس وجها العملة كل من أنصار مبارك و”الإخوان”، أي أن يلهث حصانا عربةٍ رأسمالية غايتها المحطة الأميركية، ويتدافعا بأكتافهما لقيادة الحافلة، ولم ينتبها إلى أن الشعب يراقب في صمت رغبة كل منهما في القضاء على الآخر، ثم ينهض ويلقي بهما من النافذة تباعاً في أقل من 30 شهراً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©