الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا وأوكرانيا.. الخيارات الصعبة

24 نوفمبر 2014 03:25
مع دخول الدبابات الروسية إلى أوكرانيا بدأت كييف تتعلم درسها الصعب، وخلاصته أنه عندما تقطن في منطقة خطرة ليس مفيداً أن تتخلى عن أسلحتك النووية دون الحصول على ضمانات أمنية مؤكدة. وذلك بالفعل ما حصل في ديسمبر 1994 عندما وقعت كييف على تفاهم بودابست حول الضمانات الأمنية مع كل من الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة. لذا، وفيما كانت روسيا تقضم القرم وتواصل دعمها للانفصاليين في شرق أوكرانيا، انبرى بعض المسؤولين في كييف للمطالبة بالعودة مجدداً إلى السلاح النووي لوقف موسكو عن ابتلاع أجزاء أخرى من البلاد. بيد أن التهديد بالسلاح النووي ليس سوى حلم بعيد المنال، إذ رغم احتفاظ أوكرانيا بـ15 مفاعلا نووياً، فإنها لا تمتلك محطات التخصيب، ليبقى كل ما تمتلكه أوكرانيا هو الموقف الأخلاقي لمطالبة واشنطن بالتحرك وتزويدها بالوسائل التقليدية للدفاع عن نفسها. هذه المطالب الأوكرانية تقع في صلب مذكرة بودابست التي نصت صراحة على الدفاع عن أوكرانيا في حالة تعرض أراضيها للاعتداء. كما طالبت المعاهدة الأطراف الموقعة بـ«احترام استقلال أوكرانيا وسيادتها.. والامتناع عن التهديد باستخدام القوة ضد وحدتها الترابية، أو استقلالها السياسي، بل الامتناع عن ممارسة الضغوط الاقتصادية عليها». وأضافت المعاهدة: «يجب السعي لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لمساعدة أوكرانيا في حال تعرضها لعمل عدائي». وفي خطابه أمام الكونجرس في سبتمبر الماضي، أوضح الرئيس الأوكراني، بيترو بروشينكو، الوضع في البلاد قائلا: «إن أوكرانيا التي تخلت عن ثالث أكبر قدرة نووية في العالم مقابل حصولها على ضمانات أمنية، تجد نفسها اليوم وقد طعنت من الخلف على يد أحد البلدان التي منحتها تلك الضمانات». لكن الولايات المتحدة تجد نفسها أمام وضعين يذكران بأوروبا في القرن العشرين، فإذا قررت حماية أوكرانيا فإنها قد تكرر سيناريو التعبئة الذي ساد أوروبا عشية الحرب العالمية الأولى، وهو أمر لا تريده واشنطن، أما إذا قررت التريث فيما روسيا تبتلع المزيد من أوكرانيا فإنها تعيد أيضاً سيناريو الفشل الكارثي في التعامل مع احتلال ألمانيا النازية للنمسا وغزوها لتشيكوسلوفاكيا، والذي مهد للحرب العالمية الثانية. ولتجنب هذه الخيارات الصعبة -استفزاز موسكو بإرسال قوات إلى أوكرانيا مع الاستمرار في رفض سياستها- اختارت واشنطن وحلفاؤها استراتيجية متعددة الجوانب تتمثل في تقديم مساعدات غير فتاكة لكييف، وفرض عقوبات اقتصادية على موسكو، وتعزيز الدفاعات الشرقية لـ«الناتو» كتحذير للكرملين بعدم تجاوز الخطوط الحمراء. غير أنه مع استمرار التحركات الروسية، والتي تتم في سرية تامة، مثل إرسال المقاتلين عبر الحدود لأوكرانيا، علينا أن نتساءل عن مدى نجاح الاستراتيجية الأميركية. وهنا أيضاً يعلمنا التاريخ درسين مهمين: إما أن نجلس متفرجين نعلن تنديدنا دون تحرك، وهي الاستراتيجية التي تبنتها الولايات المتحدة تجاه التدخل السوفييتي في المجر وتشيكوسلوفاكيا، هذه الاستراتيجية تعترف لموسكو بمناطق نفوذها التقليدية في أوكرانيا، أو أن نعمل على استنزاف الانفصاليين وروسيا من خلال مد أوكرانيا بالسلاح في تكرار واضح للاستراتيجية الناجحة التي اتبعتها واشنطن في أفغانستان أيام الاحتلال السوفييتي. ويبدو من خلال الملاحظة أن أوكرانيا مستعدة للقتال لو أتيح لها السلاح، بحيث لا يصل الدعم الأميركي لمرحلة التعبئة الكاملة التي سبقت الحرب العالمية الأولى، لكن أيضاً دون السقوط في فخ المهادنة التي عجلت بالحرب العالمية الثانية، مع طرح طريق ثالث يمنح أوكرانيا فرصة أفضل للدفاع عن نفسها، ويعيد لواشنطن مصداقيتها في الدفاع عن بلدان تخلت عن سلاحها النووي، لكن دباً هائجاً طرق عليها الباب ويهدد وجودها. * مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية بإدارة بوش الابن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©