الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أُمَّة تكابر على كل المنابر!

15 مارس 2016 23:13
لماذا يرهق المتآمرون أنفسهم ويتكبدون الأموال الطائلة ليدبروا المؤامرات والفتن إذا كان العرب غير مشكورين ولا مأجورين يقدمون للمتآمرين أضعاف ما يريدون ويفاجئونهم بأضعاف ما يطلبون؟ العرب كرماء جداً وأسخياء للغاية مع المتآمرين. وتآمر العرب ضد أنفسهم قديم جداً ولا أتذكر أن يوماً واحداً منذ مئات السنين خلا من تآمر عربي ضد العرب، والأمر بالتأكيد ليس مرتبطاً بالحقبة الحالية التي يطلقون عليها حقبة الإسلام السياسي أو حقبة الإرهاب، بل هو مرتبط بالتاريخ العربي كله. وكانت الحقبة التي سموها القومية صورة طبق الأصل من الحقبة الإرهابية الحالية. وملخص الحالة العربية الميؤوس من شفائها هو (تتغير وتتعدد الأسماء والفعل واحد). وليس صحيحاً أن إسرائيل جمعت العرب، وليس صحيحاً أن قضية فلسطين جمعت هؤلاء العرب، بل الصحيح أن إسرائيل وفلسطين فرقتا العرب، فنحن لم نختلف مع إسرائيل، ولكننا اختلفنا عليها.. ونحن لم نتفق على قضية فلسطين، ولكننا تاجرنا بها وربحنا من ورائها الملايين والمليارات. وباسم العداء لإسرائيل ونصرة القضية الفلسطينية، تشكلت العصابات التي سميت فصائل المقاومة، وفرضت الإتاوات ورفعت في وجه كل من يعارض سلوكها العصابي الفوضوي البطاقة الحمراء بزعم أن لحومها مسمومة لأنها مقاومة، ولا ينبغي أن يعلو صوت على صوت المعركة ومقاومة العدو الصهيوني. وابتلعت الدول العربية الطعم وغضت الطرف تماماً عن جرائم العصابات المسماة فصائل المقاومة وراحت تخطب ودها وتنافقها على أساس فكرة بلهاء صارت من المقدسات، وهي أن أي انتقاد للعصابات المسماة مقاومة يعد خيانة وعمالة... وأيضاً على أساس أن الأنظمة العربية تكتسب شرعيتها من موالاة عصابات المقاومة المزعومة وتفقد هذه الشرعية بمعاداة العصابات. والمشكلة الأكبر أن الشعوب مثل الأنظمة ابتلعت هذا الطعم وأعطت العصابات توقيعاً على بياض بأن تفعل ما تشاء. عصابات المقاومة المزعومة كانت وما زالت فوق النقد والقدح لأن قدحها يعني بالضرورة مدح إسرائيل. ولم تستطع الأنظمة العربية السباحة ضد تيار المقاومة المزعومة؛ لأن ذلك يعني سباحة ضد تيار الشعوب التي انخدعت وما زالت بحناجر المقاومة المزعومة. كما أن كثيراً من الأنظمة العربية كانت ذات شرعية شعبية هشة وتشبثت بشعرة المقاومة المزعومة لتبقى في السلطة. ولقيت المقاومة المزعومة تدليلاً مبالغاً فيه من كثير من الأنظمة العربية... واستعملت هذه الأنظمة فصائل المقاومة المزعومة ضد بعضها... فكان لكل دولة أو نظام فصيل من هذه المقاومة المزعومة يرعاه ويدللـه ويسلطه على من يشاء من الأنظمة الأخرى.. فتحولت تلك المقاومة المزعومة من مقاومة إسرائيل إلى مقاومة الدول العربية تحت شعار معاداة إسرائيل.. وعلى هذا الأساس، تم تقسيم الدول العربية إلى رجعية وتقدمية، ثم تقسيمها بعد ذلك وفي الحقبة الإرهابية الحالية إلى مؤمنة وكافرة. وحتى الآن وحتى الغد وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، لا أستطيع أبداً أن أفهم على أي أساس تكون المقاومة فصائل رغم أن العدو واحد وهو إسرائيل ولماذا الجبهة القومية والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والجبهة (المهلبية)، ثم في الحقبة الإرهابية الحالية بعد أفول الحقبة القومية.. لماذا «حماس» و«فتح» و«الجهاد» و«النصرة» و«داعش» و«القاعدة» و«الإخوان»؟ وكان العداء بين الجبهات في الحقبة القومية عميقاً، وبلغ حد الاقتتال وهناك مناضلون وقادة فلسطينيون اتهمت إسرائيل باغتيالهم، بينما جرى هذا الاغتيال على يد جبهات فلسطينية مضادة.. كما أن العداء الحالي بين «فتح» و«حماس» في هذه الحقبة الإرهابية أو حقبة الإسلام السياسي بلغ حد الاقتتال وبلغ حل الدولتين المتضادتين في غزة ورام الله.. وخطف حزب نصر الله الإرهابي لبنان تحت لافتة المقاومة المزعومة.. كل هذا جرى تحت سمع وبصر الأنظمة العربية التي غضت الطرف تماماً عن السلوك العصابي لما يسمى فصائل المقاومة إما خوفاً من وصمها بالعمالة لأميركا وإسرائيل أو لأن بعضها يستخدم هذه الفصائل في مكايدة أنظمة عربية أخرى. لا أفهم أبداً مغزى أن تكون المقاومة ذات الهدف الواحد وهو العداء لإسرائيل فصائل، ففصائل المعارضة لا تكون أبداً إلا في السياسة من خلال أحزاب أو تنظيمات معارضة. أما إذا تعلق الأمر بالمقاومة المسلحة، فإن انشطار المقاومة إلى فصائل أمر ليس بريئاً على الإطلاق، ويعني أن المقاومة مجرد ستار لأجندات سياسية أو مصالحية مالية متضادة، وأن المقاومة أو العداء لإسرائيل خدعة كبرى. لا نقول ذلك افتراء أو رجماً بالغيب، ولكننا نريد ممن له رأي مخالف أن يقدم لنا كشف حساب لما أنجزته المقاومة المزعومة.. هما سؤالان لا ثالث لهما: ماذا خسرت إسرائيل، وماذا ربحت القضية الفلسطينية بعد سنوات طويلة من لعبة المقاومة المزعومة؟ والجواب عكس السؤال: وهو أن إسرائيل ربحت والقضية الفلسطينية خسرت - والأمة العربية كلها خسرت وخرجت من كل المعادلات الدولية والإقليمية وانكفأت على نفسها وراحت تتقاتل بالوكالة عن الآخرين - وأصبحت الفصائل والعصابات أقوى من الدول الوطنية وعادت الأمة إلى عصر ملوك الطوائف في الأندلس قبيل سقوطه - نفس ثقافة ملوك الطوائف التي نسميها اليوم ثقافة الميليشيات. لا أتذكر يوماً أن الأمة العربية كانت واحدة أو موحدة في مواقفها سواء في الحقبة القومية الماضية أو الحقبة الإرهابية الحالية... فقد بقي شعار الأمة الواحدة مجرد شعار بلا مدلول ولا مضمون.. تماماً مثل شعار التكامل العربي والوحدة العربية والعمل العربي المشترك. ولا أحد يمكنه أن يرى دوراً أو وجوداً على الساحة الدولية لمؤسسات الأمة العربية الهشَّة والورقية، مثل جامعة الدول العربية، والبرلمان العربي، ومنظمة البلدان العربية المصدرة للبترول (أوابيك)، والمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة.. كلها كيانات موجودة، لكنها بلا حياة.. فيها نفس جينات الأمة العربية التي ولدتها.. ولا يمكن أن يصل المريض إلى الشفاء إذا ظل يصرخ: أنا لست مريضاً، والأمة العربية لا تريد أن تعترف بأنها تعرضت لانتشار سرطان الفصائل والميليشيات والعصابات تحت راية المقاومة الزائفة. لا تريد الأمة أن تنزع أقنعة هذه الجماعات الإرهابية التي ظلت تخدعنا بشعار المقاومة المزعومة، وزاد الطين بلّة في الحقبة الإرهابية الحالية، حيث رفع الإرهابيون شعار الجهاد، وسارت وراءهم شعوب مغيبة عقلياً وصار التصدي لهم سباحة ضد تيّار الدين وازداد الأمر تعقيداً. وما زالت الأمة تكابر على كل المنابر! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©