الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

"السيتي".. ميل مربع يتحكم في اقتصاد العالم

"السيتي".. ميل مربع يتحكم في اقتصاد العالم
24 مارس 2007 01:14
لندن - نواف التميمي: ما يثير الدهشة في مدينة مترامية الأطراف مثل العاصمة البريطانية لندن هو هذه التقسيمات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية التي تجعل كل ركن من المدينة وكأنه عالم قائم بذاته· والمقصود هنا هو سهولة التمييز في هذه المدينة بين ''المربع السياسي'' أي منطقة ويستمنستر و''المربع التجاري'' والذي يشمل شارع اوكسفورد ستريت وبوند ستريت وصولاً إلى منطقة نايتس بريدج، وهناك المربع المالي أو المربع الذهبي والمعروف في العالم باسم ''السيتي''·· هذا المربع هو الأكثر أهمية في لندن لأنه باختصار يجعل من المدينة مركزاً عالمياً للمال والأعمال· في المربع المالي أو ''السيتي'' يقع المقر الرئيسي لبنك انجلترا وتقع بورصة لندن وأهم بورصات العالم للمعادن والنفط والسندات والعملات والسلع، كما أن هذا المربع الذي لا يتجاوز في مساحته الميل المربع (1,5 كلم مربع) يضم المئات من البنوك العالمية وكبريات شركات التأمين العالمية· ''الاتحاد'' تجولت في ''المربع المالي'' في مدينة لندن التي لا تزال تتربع حسب آخر التقارير الاقتصادية على قمة القائمة التي تضم أهم المراكز والمدن المالية العالمية مثل نيويورك وطوكيو وفرانكفورت وباريس، محاولة الاقتراب من حياة رجال المال والأعمال· جميع الناس في لندن يعرفون الطريق الى ''السيتي''، والجميع يعرفون أنها مركز المال والأعمال والصفقات الكبرى والمكاتب الفاخرة لكنهم ايضاً يتحدثون أنها مركز الثراء الفاحش والرواتب العالية والسيدات الجميلات ومنبع لقصص الغرام التي تحفل بها الصحف الصفراء ويكون غالباً أبطالها رجال أعمال ومدراء مصارف وسكرتيرات أو مساعدات جميلات يبحثن عن الثروة أو عن فارس الأحلام الثري· ورغم أن حوالي مليون موظف يسافرون يومياً إلى ''السيتي'' عبر شبكة قطارات الأنفاق أو القطارات العادية غير أنني فضلت الوصول إلى المربع الذهبي بواسطة التاكسي لسببين أولهما لأرى ما يجري فوق الأرض في هذا الجزء من العاصمة البريطانية والسبب الثاني لاستقاء بعض المعلومات من سائق التاكسي عملاً بقاعدة ذهبية وهي أن سائقي التاكسي من أهم مصادر المعلومات عن أية مدينة تريد اكتشاف أسرارها· مصنع الثراء أو الشقاء ما أن صعدت الى التاكسي وأخبرته عن غايتي من الرحلة الى ''السيتي'' حتى شرع بسرد القصص والحكايات· قال السائق: '' أقضي معظم وقتي في نقل الركاب من وإلى ''السيتي'' وفي هذا المكان يمكنك رؤية الثروات والأموال في وجوه الناس وفي ملابسهم وفي أحاديثهم، لا بل أنني أحياناً أعرف حالة الاقتصاد العالمي من وجوه الركاب·· هذا المكان هو مصنع للثراء ولكنه أيضاً مصنع للشقاء، فإما أن تكون من الرابحين وأصحاب الحظ السعيد وإما من الخاسرين''· عندما اقتربت السيارة من حدود ''المربع المالي'' أشار لي السائق بالقول: ''انظر أمامك يا سيدي هذا حاجز تفتيش·· لقد وضعت الشرطة هذه الحواجز منذ أن استهدفت عمليات الجيش الأيرلندي المركز المالي في ابريل ·''1993 بعد أن اجتزنا الحاجز الأمني سألني سائق التاكسي بشيء من الدعابة: ''هل تشم رائحة النقود يا سيدي'' ؟ في هذا الركن سوف تشم رائحة النقود المنبعثة من بنك انجلترا المركزي، وعندما نصل الى نهاية ذلك الشارع سوف تصلك رائحة النفط المنبعثة من بورصة النفط، ولا أنصحك بالوصول إلى تلك الزاوية حيث لا تشم إلا رائحة العرق المنبعثة من أجساد السماسرة والمتداولين في بورصة لندن''· غادرت التاكسي بعد الاستمتاع بحديث السائق الذي لم يخلو من الطرافة والمبالغة وحتى الكآبة خاصة عندما شكا سوء حظه وعدم تمكنه من اتمام تعليمه والالتحاق بإحدى كليات الاقتصاد لتحقيق أمنيته في العمل مع أحد بنوك ''السيتي'' وبالتالي ركوب قطار الأغنياء بدلاً من قيادة تاكسي في حي الأثرياء· عاصمة بنوك العالم رغم أن مساحة المربع المالي داخل العاصمة لندن لا تتجاوز ميلاً مربعاً إلا انه يضم بين جنباته بنوكاً أميركية يفوق عددها تلك التي تعمل في نيويورك، وبنوكاً ألمانية أكثر من تلك المتواجدة في فرانكفورت وبالمجموع يعمل في لندن حوالي 255 بنكاً أجنبياً تنتمي لـ76 بلداً، منها 32 بنكاً عربياً ويبلغ حجم مداخيلها سنوياً حوالي 20 مليار جنيه استرليني· إلى جانب البنوك تعمل في بورصة لندن 500 شركة من 30 دولة وهذه أكبر مشاركة للاستثمار الأجنبي في العالم· كما يحتكر مركز لندن المالي حوالي 70 بالمئة من تداول السندات الأوروبية و40 بالمئة من النشاط العالمي لتبادل العملات وهو ما يوازي حوالي 450مليار دولار يومياً أي ما يعادل حجم العمليات التي تجري في نيويورك وطوكيو معاً· ويعمل في ''السيتي'' حوالي مليون موظف بريطاني وأجنبي موزعين على البنوك وشركات التأمين وإعادة التأمين والسوق المالية وبورصات المعادن والنفط وأسواق السلع وشركات الخدمات المالية إضافة إلى مكاتب حوالي 700 شركة عالمية· لم تكن زيارة المربع المالي في مدينة لندن سهلة، المكان يعج بالناس والسيارات والعمارات الشاهقة والمكاتب والمقاهي والمطاعم، وللمكان رهبة غير عادية خاصة إذا تخيل الزائر حجم الأموال والصفقات التي تعقد في كل لحظة أو حجم الأرباح التي يحققه البعض أو حجم الخسائر التي يتكبدها البعض إذاً هوى مؤشر ''الفايننشال تايمز'' في بورصة لندن· صفقات في المقاهي بعد التجوال لساعات طويلة في شوارع ومباني وأزقة ومقاهي ''المربع المالي'' وتأمل عشرات بل مئات الوجوه حان وقت الرحيل خاصة أن الموظفين شرعوا بمغادرة مكاتبهم متجهين إلى محطات الأنفاق عائدين إلى منازلهم بعض يوم عمل شاق مليء بالأرقام والبيانات والصفقات والاجتماعات· ساعات العمل في ''السيتي'' محددة بموجب قوانين العمل لكنها غير متبعة نظراً لقوانين السوق، وإن كان العمل يبدأ في الساعة الثامنة أو التاسعة صباحاً فإنه لا ينتهي عند الخامسة أو السادسة أو السابعة بل ربما تمتد ساعات العمل إلى العاشرة مساءً أو بعد منتصف الليل· ومغادرة المكتب في نهاية يوم العمل لا تعني العودة مباشرة إلى المنزل إذ دأب الكثير من موظفي ''السيتي'' على التجمع في المقاهي والحانات والمطاعم لنفض أعباء يوم عمل شاق رغم أن الأحاديث غالباً ما ترتبط بالعمل· خلال جولتي التقيت مع أحد كبار الموظفين العاملين في ''السيتي'' منذ سنوات وأفشى لي سراً ربما يعلمه مليون شخص آخر غيري عندما قال: ''رغم ما تراه من مكاتب فاخرة وغرف اجتماعات مجهزة بأحدث وسائل الاتصال والإيضاح إلا أن أهم الصفقات يتم انهاؤها في المطاعم والمقاهي·· وخير عقود العمل والتوظيف توقع على وجبة عشاء·· الناس هنا يتبادلون الصداقات والعلاقات والمعلومات أو ربما يبيعون ويشترون كل هذا''· جيش مهزوم خلال عودتي إلى غرب لندن فضلت استقلال قطار الأنفاق للاقتراب أكثر من جيش موظفي ''السيتي'' الذين يقودون ويحركون حروباً ومعارك مالية يتردد صداها صباحاً في طوكيو وشنغهاي ويصل مساءً إلى نيويورك مروراً بسنغافورة ودبي وفرانكفورت وباريس· في قطار الأنفاق تبدل المشهد بشكل دراماتيكي·· رجال الأعمال الذين رأيتهم صباحاً يتألقون أناقة وحيوية ونشاطاً تحولوا إلى أجساد منهكة، هذا الرجل الذي تأنق صباحاً لا يكترث لقميصه الخارج من بنطاله وتلك السيدة التي فاحت منها رائحة أرقى العطور الفرنسية في الصباح تغرق الآن في عرق يوم مضن، وهناك في زاوية القاطرة تتدلى رقبة رجل راح في نوم عميق بعد قضاء يوم بين جنبات البورصة أو ضجيج البنك والعملاء·· وآخر غابت عيناه خلف رأسه بعد جلسة طويلة مع الأصدقاء في الحانة المقابلة لمكاتب الشركة، وهكذا يبدو مشهد العائدين من ''السيتي'' بعد يوم عمل منهك مثل عودة جيش مهزوم خاض معركة غير مظفرة· متشائمون ومتفائلون رغم أن المتفائلين من المراقبين يقللون من خطر المنافسة التي تواجها لندن من مراكز مالية كبرى مثل طوكيو أو باريس أو فرانكفورت، فإن المتشائمين يرون أن الشركات الأجنبية تحب لندن وتعشق نهر التايمز ولكن هذا لا يكفي لأن الانتماء الحقيقي لهذه الاستثمارات والوطن الوحيد لرؤوس الأموال هو حيث يكون العشب أكثر خضرة، بمعنى أن البعض لا يخفي مخاوفه على مركز لندن المالي خاصة مع ارتفاع الضرائب وارتفاع الأجور وتضخم سوق العقار في بريطانيا وغيرها من العوامل الطاردة للاستثمارات الأجنبية· نهاية المربع يرى سكان لندن أن السنوات المقبلة ستشهد نهاية ''المربع المالي'' أو اقتصار التواجد فيه على المؤسسات العمومية مثل بنك انجلترا المركزي والسوق المالية خاصة مع توجه العديد من البنوك والشركات العالمية إلى نقل مقارها الرئيسية من ''السيتي'' إلى منطقة ''كناري وورف'' في أقصى جنوب شرق لندن، وتمتاز هذه المنطقة بقربها من مطار ''ذا سيتي'' المخصص للرحلات الداخلية والأوروبية، كما أنها تتوفر على مبان ومكاتب مجهزة بأحدث البنى التحتية وترتبط بأرجاء لندن عبر شبكة قطار الأنفاق ولا تعاني من الازدحام المروري كما هو الحال في ''السيتي''· مركز لندن المالي بالأرقام 2 % مساهمة ''السيتي'' في الناتج المحلي البريطاني· 1,109 مليار دولار حجم تبادل العملات يوميا (32 بالمئة من النشاط العالمي) 40 بالمئة من السوق المالية العالمية 70 بالمئة من السندات الأوروبية يتم تداولها في لندن 20 بالمئة من قروض البنوك العالمية تتم في لندن 3000 مليار دولار قيمة تداولات وعقود المعادن التي تتم سنوياً في لندن 12 مليار دولار قيمة الذهب التي تتداول يومياً 2,3 مليار دولار قيمة الفضة التي تتداول يومياً 167 مداخيل قطاع التأمين في عام 2005 3450 مليار جنيه إسترليني قيمة الصناديق الاستثمارية التي تدار في لندن في العام 2005 103 مليارات جنيه استرليني مداخيل قطاع الصناعات البحرية 1607 مليارات جنيه استرليني أصول صناديق التقاعد 610 شركات أجنية مدرجة في سوق لندن المالية 75 بالمئة من أكبر 500 شركة عالمية مدرجة في قائمة ''فورتشن'' لديها مكاتب أو فروع في لندن·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©