الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خبراء يحذرون من استخدام المخزون الديني لتزييف الوعي

خبراء يحذرون من استخدام المخزون الديني لتزييف الوعي
22 فبراير 2010 20:40
يؤكد متخصصون في الموروث الشعبي أن الأمثال الشعبية المصرية كانت على مر التاريخ الصوت الصادق والمعبر عن أفكار ورؤية المهمشين والبسطاء في مصر، وهي ليست مجرد أقوال مأثورة ولكنها خلاصة تجارب حياتية وخبرات متراكمة على مر الزمان وعبرت بصدق عن المزاج الشعبي والأحداث المتلاحقة واشتبكت مع الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي حتى أنه يمكن القول إنها الدستور الشعبي للمصريين. حول «الأمثال الشعبية وتشكيل الوعي» دار النقاش في ندوة بالقاهرة شاركت فيها الدكتورة علياء رفاعة رافع- أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس، والدكتورة عزيزة السيد- أستاذ علم النفس ورئيس وحدة الاستشارات النفسية بكلية البنات جامعة عين شمس والدكتورة عزة عزت- مدرس الصحافة بالمعهد الدولي للإعلام وأدارتها الدكتورة سميحة نصر دويدار الخبيرة بالمركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية. تعريف الوعي قالت الدكتورة علياء رفاعة إن الوعي في التعريف النفسي يختلف عن الوعي في النظرية الاجتماعية وعنه في الرؤية الثقافية وأن كارل ماركس تحدث عن الأيديولوجية وتزييف الوعي والملابسات التي أدت به إلى الربط بين البناء الاجتماعي وتزييف الوعي وأدوات هذا التزييف. لكن ماركس لم يكن مع أو ضد الدين ولكنه ضد استخدام مقولات دينية تخدم مصالح الطبقة المستغلة. وأوضحت أن الوعي هو ما يتعلق بالمفهوم المعرفي والذي تلعب فيه الثقافة الشعبية دورا ذا أهمية بالغة فتلك الثقافة هي نتاج جماهيري واسع النطاق وتعبر عن التكوين النفسي ورؤية العالم لأمة من الأمم والثقافة الشعبية تعبر الأمثال عن أحد أبعادها وهي قيمة فكرية متداولة بين النخبة والجماهير وسنجد تلك الأمثال بما فيها من تناقض قيمي وصراع فكري قد تكونت على مدى زمني واسع وخرجت من اللاوعي الجماهيري الجمعي لتعيد صياغة الإدراك الجمعي. وقالت إن الأمثال الشعبية المصرية مرتبطة ومتشابكة مع رؤى عديدة للعالم ويتصارع فيها الخير والشر والمقدس والبشري، والمقاومة والاستسلام والقوة والضعف والأمثال ليست متوافقة مع نفسها ونجد فيها دائما الشيء ونقيضه . وعلى سبيل المثال نجد أمثالا تؤكد قيمة وأهمية العمل منها «اللي يشتغل أحسن من الواقف» و»اسعى يا عبد وأنا اسعى معاك»، و»اللي مالوش شغلة تشغله يفتح الباب ويقفله» و»الباني طالع والفاحت نازل». وعلى صعيد آخر هناك أمثال تدعو إلى التواكل وعدم ربط العمل بنتائجه مثل «اجري يا بن ادم جري الوحوش غير رزقك لم تحوش» و»اللي حبه ربه واختاره جاب له حاجته لحد باب داره». وأضافت رفاعة أن استخدام هذه الأمثال رهن بالمناسبة والموقف الاجتماعي الذي تقال فيه فهي لا تشكل الوعي بالمعنى الاختزالي لهذه الكلمة وإنما تضيف إلى الموقف رؤية كامنة يلجأ إليها الفرد أو يذكر بها نفسه ليتناغم مع محيطه الاجتماعي أو يثور عليه وهناك مثل يقول «لا يغني حذر من قدر» وهي مقولة شعبية تلقى رواجا وقبولا عند معظم الناس وقد يفسر البعض هذا القول بأنه نوع من الدفاع عن النفس أو يقول آخرون انه تزييف للوعي. وأكدت أن الإيمان بالقدر سمة أساسية في الثقافة المصرية لكن هذا الإيمان له أبعاد اجتماعية إيجابية في بعض الأحيان وأبعاد سلبية في أحيان اخرى . وهناك مقولات مأخوذة من النص الديني وتستخدم في سياقات مختلفة على غرار القول «لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» وهي في أحوال كثيرة تعطي شحنة قوية في الإقبال على المخاطر وشجاعة أدبية لمواجهة المواقف الصعبة ولكنها تنقلب إلى موقف سلبي عندما تقترن بالمثل القائل «كل شيء نصيب وما تقدرش تهرب من نصيبك» وتتحول من إيمان إيجابي شاحذ للهمة إلى موقف سلبي يضعف من الإرادة ويفرض الواقع على انه أمر مفروغ منه ولا يمكن تغييره وهذه الرؤية السلبية هي السائدة. مشاركة اجتماعية قالت رفاعة إن المخزون الديني يتم تزييفه ليخدم هذه الرؤية السلبية والانسحاب من المشاركة المجتمعية تحت مقولات أهمية الرضا بما قدره الله واتخاذ هذا الموقف السلبي من الواقع الاجتماعي هزيمة للإرادة الشعبية التي تختار انسحابها من حلبة الكفاح . وتكمن خطورة استخدام الأمثال الشعبية والأقوال المأثورة في هذا الوضع في أنها لا تصبح وجهة نظر يمكن دحضها أو مناقشتها ولكنها تتخطى هذا إلى تشكيل معتقدات أو رؤية حقيقية ترمي بالمسؤولية الكاملة على القوى الغيبية وتنزع عن الإنسان إرادته وقدرته ليضيف إلى الوجود ويغيره «يا هارب من قضاي مالك رب سواي» و«يخلق ناس ويتحفهم ويخلق ناس ويحدفهم». وأضافت: «إذا تأملنا كل هذه المقولات القدرية فسنجد أنها تعبر عن رؤية للعالم تتصور أن الإنسان مسلوب الإرادة تماما أمام قوى تشكل له قدره ومستقبله وبهذا يصبح كل ما يصيب الإنسان أو المجتمع مكتوبا لا فرار منه ويصبح رفض هذا الواقع رفضا للقدر ولابد أن ندرك هنا أن المناقشة لا تجدي إذ كانت هذه الرؤية راسخة في اللاوعي الجمعي وتغيير هذا الوعي يتطلب تغييرا في اللاوعي مبنيا على نفس المسلمات الثقافية ولكنه محول إلى اتجاه مضاد تماما فالثقافة ليست مجرد عادات وتقاليد يمكن وصفها من الخارج ولكنها رؤية للعالم تتشكل على مستوى اللاوعي وتؤثر على الوعي والسلوك . لذا فإن الأمثال الشعبية المصرية ليست جملا مأثورة ولكنها مرآة لتجارب تاريخية لهذا الشعب عبر فيها عن نفسه محاولا أن يفسر ما يحدث بكل مرحلة على المستوى الجمعي والفردي». تكوين الشخصية من جهتها، قالت الدكتورة عزيزة السيد إن المجتمع المصري يعترف بإنجاب الذكور فقط ولا يعترف بالإناث وعبرت الأمثال الشعبية عن ذلك مثل «حطت عجلها ومدت رجلها» و»ظل راجل ولا ظل حيطة» و»عمر المرأة ما تربي طور ويحرث» و»إذا استحلفولك الرجال نام وانعس وإذا استحلفولك الحريم نام وصحصح» فجزء كبير من التراث الشعبي يصب في مصلحة الرجل ضد المرأة. وأضافت أن هناك روافد كثيرة تكون شخصية الإنسان منها الأسرة ودورها والتقييم الاجتماعي للفعل من حيث الصواب والخطأ والحرام وتربية الضمير وتحديد السلوك. إلى جانب الأصدقاء والأحزاب السياسية والإعلام، وهذه الروافد يمكن أن تكون متناقضة فيما بينها والأدب الشعبي فيه جانب القصدية فالأمثال لها وظيفة والقصة والسير الشعبية والأساطير لها وظيفة محددة ووظائف حكايات الخرافة تحقيق العدالة والحب والحكايات الشعبية تحقق العدالة ووحدة الجماعة والأسرة والشعب والأمثال نتاج خبرات الشعب والعلاقات الحوارية بين الإنسان والمجتمع وتمثل محتوى خبراته ونتاج صياغة هذه الخبرات. وبينت السيد أن الشخصية لها عدة روافد وطبقات منها الطبقة الخارجية وطبقة القريبين والعلاقات الحميمية وطبقة لا يراها الشخص في نفسه ويراها الآخرون وطبقة لا يعرف مصدرها ولابد من الاستعانة بمتخصص لمعرفتها، مشيرة إلى أن الدراسات تناولت الجوانب الشعورية للمرأة وأظهرت أن المكنون الداخلي «اللاشعور» لصورتها عن نفسها أنها أم وزوجة في المقام الأول وهذا معناه أن اللاشعور فيه تركيز عميق على الثقافة الشعبية بمعنى أن نتوارث العادات دون قصد ونؤمن بعادات الأجيال القديمة ويمكننا عمل تنسيق وترشيد للسياق الشعبي للصغار بالقصص الشعبية كالقصص الخيالية وهي تحقق الصحة النفسية لأن الجانب العقلي للطفل ليس ناضجا والقصص الشعبية تؤدي هذه المهمة التربوية. ورأت الدكتورة عزة عزت أن الشخصية المصرية تعرضت لتحولات عديدة ولكن هل هذا التحول جذري أم قشري؟ وهناك مقولة رائجة تقول إن المعدن الأصيل يظهر في أوقات الأزمات فهل لابد من أزمات لتظهر المعادن؟ وقالت إن المرأة المنتمية لطبقة عليا لا تقول الأمثال الشعبية حتى لا توصف بأنها بلدي وشعبية، وأيضا هناك لغة جديدة علينا وهي لغة الشباب فهل هذه اللغة ستصبح مستقبلا كالأمثال الشعبية؟ وهل المصطلحات الجديدة للشباب تعكس سمات هذه الحقبة؟ فالشخصية المصرية من خلال الأمثال حدث لها تحول شديد خلال السنوات الماضية والأمثال تحمل قيما، فهل الأقوال الشبابية المستحدثة لغة تعبر عن فئات المجتمع أم أنها لغة شبابية فقط؟ وأكدت أن تعاقب الأجيال يترك بصمات على التراث القومي وهناك مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمدرسة التي تدمرها توجهات الإعلام الخاطئة والحقبة الحالية بها خلخلة للقيم القديمة وإحلال الثقافة الوافدة والاجتياح الإعلامي والغزو الفكري استهدفا الفكر ومسخ الشعوب والحضارات من خلال العولمة والأمركة فلم يصبح للمثل قيمة بعدما كان يمثل قيمة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©