الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الإخوان» وسراب التعددية

1 نوفمبر 2012
ثمانين سنة منذ نشأة جماعة "الإخوان"، وهي في صراع ليس فقط مع ثقافة المجتمع وإنما مع السلطة السياسية الحاكمة في مصر، بدأ ذلك بالفترة الليبرالية في النصف الأول من القرن الماضي والذي شهد تعددية سياسية وفكرية كان"الإخوان" موجودين فيها وفق رؤيتهم الفكرية والدينية، وليس وفق منطق هذه التعددية التي كان يتناوب فيها الحكم حزب الأغلبية المعارض ممثلاً في "الوفد" مع أحزاب أخرى لأنهم كانوا يطبقون نظرية مرشدهم التي تقول إنْ ليس هناك تحزب في الإسلام، ولذلك فالحياة السياسية بتعدديتها تعتبر خارج فكرهم. وحتى عندما اشتركوا بعد ثورة يوليو في وضع دستور 54 كشأن أي قوة سياسية أخرى كان هناك في الخفاء مخططهم الذي يسعون إليه والمتفق مع منطق كرههم للتحزب، ولولا الصدام الذي حدث بينهم وبين عبد الناصر في خمسينيات القرن الماضي بعد مؤامرة اغتياله وانقلابه عليهم بتفكيك تنظيمهم وسجن قياداتهم، لاكتملت الصورة التي كانوا يحاولون أن يرسمونها للمجتمع المصري. وقد مرت عقود من حظر تنظيمهم في ظل وجود حاكم ديكتاتوري قوي من عبد الناصر مروراً بالسادات وحتى مبارك، ولم يتخلوا عن أيديولوجيتهم، وباتوا باستغلالهم الدين في ظل الاستبداد السياسي الذي كان كفيلاً بألا ينشر العدل بين فئات المجتمع، مما جعل طاقة المجتمع تتوجه صوب الرأسمال الديني الذي يمسك بجزء من زمامه "الإخوان" وما تفرع عنها بعد ذلك من جماعات إسلامية أخذت شكل العنف في مواجهة النظام الحاكم والمجتمع . وعلى الرغم من أن عصر مبارك قد شهد ظهور "الإخوان" داخل البرلمان في دورات 84 و87 و2000 و2005 بشكل ملحوظ ، حيث دخلوه ليس بكونهم حزباً سياسياً وإنما بشكل مستقلين ، إلا أن تفاعلات السنة الماضية من عمر الثورة المصرية والتي حدثت فيها تحولات كثيرة من سقوط النظام السابق وبروز قوى سياسية جديدة بما فيها ظهور حزب ممثل للإخوان باسم "الحرية والعدالة"، طرحت تساؤلات كثيرة من بينها، هل هذا حزب حقيقي أم ديكور في الحياة السياسية يجاروا به الواقع بما فيه القوى السياسية. فالانتخابات البرلمانية إذا كانت قد جاءت بأغلبية برلمانية "إخوانية"، ربما ظهر ذلك بكونه أمراً عادياً ناتجاً عن الانتخابات، وربما نظر إليه البعض في كونه ظاهرة صحية لتمثيل الإسلاميين نتيجة وجودهم المنظم . إلا أن واقعة تشكيل لجنة الدستور بالشكل الذي أظهر إصرار الجماعة على أن تكون قواعد كتابة الدستور بيدها، أظهرت قدراً كبيراً من الأجندة الخفية التي طالما ظلت يعمل بها "الإخوان" في الخفاء منذ نشأتها والمتمثلة في فرض نظرية الحكم الخاصة بها في حالة التمكين. فالطريق هنا بات مفتوحاً لـ"الإخوان" للسيطرة على السلطـات الثلاث، البرلمان بمجلسيه والحكومة والرئاسة دون أي اعتبار من بعيد أو قريب لقوى أخرى موجـودة في المجتمـع، وهو ما أخذ يزيـد من المخاوف لدى النخبـة والرأي العام. ومن هنا يأتي التساؤل الثاني عن ما هو شكل توزيع السلطة في نظرية الإخوان للحكم والتي بدأت تتبلور في العام المنقضي من الثورة… حيث إننا هنا إزاء سلطة رباعية الأبعاد، هرمية التدرج مبنية على السمع والطاعة وليست سلطة ثلاثية يحدث بينها توازن سلطات… فـ"الإخوان" في نهجهم للسلطة الرباعية الأبعاد يدشنون سلطة جديدة في الحكم، ممثلة بالمرشد ومكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة الذي اتضح في الكثير من التفاعلات أن له الكلمة العليا في الكثير من القضايا التي من المفروض أنها ليست من اختصاصها. فما هو واضح أن "الإخوان" وفقاً لنظريتهم يوزعون الحكم والمناصب والسلطات داخل كادر "الإخوان" بشكل لا يتقيد بنظم الحكم الحديثة إلا في الشكل فقط أما جوهره لا يعكس غير أيديولوجيتهم التي تتعارض مع مدنية الدولة الحديثة من المؤسساتية وإعلاء قيمة القانون من المساواة في الحقوق أمام أبناء الوطن الواحد. ولكن السؤال هل يسهل تطبيق ذلك في هذا العصر الذي أسقط فيها الشباب نظاماً ديكتاتورياً امتد لعقود؟ فإذا كان هناك سلطة في التحكم في عقول الأغلبية، فإن الأجيال الجديدة أيضاً ليست كما كان في الماضي لديها رؤية وحرية في الاختيار ولديها طرقها المختلفة لمعرفة الحقيقة … فـ"الإخوان" غاب عنهم وفقاً لتصورهم أن المجتمع لن يتهاون معهم، خاصة في عصر لم تعد تخفى فيه الحقائق وازدادت فيه تطلعات الناس. أسئلة كثيرة ستجيب عنها تفاعلات الواقع في مصر بكل حالات الزخم وصراعات القوى التي برهنت على أن كل فريق بات يعطى أولوية لوجوده ومصالحه حتى لو كانت على حساب الوطن. عزمي عاشور كاتب مصري ينشر بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©