الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ساندي» والانتخابات الأميركية

1 نوفمبر 2012
أكتب هذا المقال وقد عدتُ من زيارة قصيرة إلى واشنطن في آخر طائرة غادرت مطار ريجان إلى تورنتو وبعدهـا أُعلـن عن إغلاق جميع المطارات في المدينـة أمام الطائرات المغـادرة والقادمــة حسـب جداول السفر السابقة بسبب العاصفـة الخطيرة التي تتعرض ولايات كثيرة في البلد الجار، مقدماً موعد عودتي المقررة سلفـاً، فقد خشيت أن أجد نفسـي حبيسـاً في الفندق إلى أجل غير مسمى، إذ لا يدري أحد على وجه الدقة متى ستنتظم الحيـاة في هذا البلد الكبير بعد توقف العاصفة سانـدي التي وُصفت بأنها أخطر وأكبر عاصفة تشهدها الولايات المتحدة في تاريخها القريب. كنت أود أن أحضر وأشاهد بنفسي ذلك اليوم التاريخي (السادس من نوفمبر) الذي سيكون ليلة استثنائية بالنسبة للأميركيين، فالانتخابات القادمة لاختيار الرئيس الأميركي، تمثل بالنسبة لي ولملايين البشر من غير الأميركيين أهمية خاصةً ربما تفوق انتخابات الرئاسة في بلادنا جميعاً، ذلك لأن الأقدار قد شاءت أن تكون الولايات المتحدة وسياساتها مؤثرةً على عالمنا هذا، إذ أن تأثير وأثر الإدارات الأميركية وذراعها الطويلة، تمتد إلى كل ركن من أركان المعمورة سلباً أو إيجاباً. يوم السادس من نوفمبر هو اليوم الموعود الذي سيقرر فيه الناخبون الأميركيون اختيار رئيسهم الجديد أو التجديد لرئيسهم الحالي. وشئنا أم أبينا فإن الولايات المتحدة اليوم قد أصبحت "اللاعب الرئيسي" في الساحات السياسية لكثير من بلدان العالم. وفي انتخابات انقسمت حولها الأمة الأميركية انقساماً غريباً بين أوباما ورومني (آخر نتائج استطلاعات الرأي العام تبين أن كلا الرجلين قد حصل على 49 في المئة من أصوات المستطلعين)، يصعب على المعلق أو المحلل أن يتنبأ بالنتيجة سلفاً، فكل الاحتمالات القائمة. وقد أضافت الآثار المؤكدة للعاصفة ساندي التي ضربت حتى الآن خمسة وستين مليون مواطن أميركي، تعقيدات جديدة على المشهد. لكن من المحتمل أن يتبدل الموقف في أوهايو، ومن المحتمل أن يكون كثير من الناخبين الأميركيين الذين لم يقرروا موقفهم حتى الساعة قد تأثروا بالموقف السياسي الشجاع والتصرف الحكيم لأوباما عندما أجاب عن سؤال في لقائه مع الصحفيين عن الانتخابات وقال: "أنا الآن لست مهتماً بالانتخابات، أولويات اللحظة بالنسبة لي هؤلاء المواطنين الذين تأثروا وسيتأثرون من النتائج القاسية في حياتهم جراء العاصفة ساندي"، ثم طوافه واجتماعه المستمر وتعليماته للمسؤولين من حكام وعمد المدن، والتزامه بأن تكون الرئاسة إلى جانبهم، وبأنه سيبذل كل طاقات الحكومة الفيدرالية المسؤولة للتخفيف من حدة الأزمة، خاصة في مجالات الصحة، والمواصلات، والأمن، والقوات المسلحة.. إلخ. لكن لو قدر لأوباما أن يفقد هذه الانتخابات فإن ذلك في نظري يعود لأخطاء ارتكبها في مناظرته الأولى مع رومني، حيث تعامل معه كما يتعامل السياسي المثقف المتقدم الفكر العالي الأخلاق والقيم، ولم يشأ أن يفعل مثلما يفعل كل المرشحين للرئاسـة في أميركا بالتهريج والتجريح والكذب والافتراء على الخصوم... كان راقياً في مواجهة سياسي وحزبه لا يتورعون عن الكذب والدجل وتغيير المواقف. هذا الخطأ الأكبر الأول الذي ارتكبه أوباما في الجولة الأولى في المناظرة الأولى. وحقيقة الأمر أن الديمقراطيين بقياد أوباما قد ارتكبوا خطأهم بل خطيئتهم الأولى ساعة تسلموا السلطة من اللجنة التي عينها بوش ولم يعلنوا للشعب الأميركي والعالم الوضع الحقيقي للأوضاع المالية والاقتصادية والسياسية، أي تلك التركة المثقلة التي خلّفتها فترة حكم بوش، ولم يقولوا للناس صراحةً إن الفوضى والفساد والسياسات غير الرشيدة التي قاد إليها البلاد بوش، يستحيل إصلاحها في أربعة سنوات... تلك التركة المثقلة التي تبرأ منها حتى رومني خلال المناظرة. وعندما حاول الرئيس ومعاونوه إصلاح الخطأ وتدارك الأمور في الجولة الثانية، كان المرشح الضعيف قد ارتفعت أسهمه بشكل مذهل. ومرة أخرى لو قدر لأوباما أن يفقد هذه الانتخابات فإن تاريخ الولايات المتحدة وشعبها سيسجلان له مآثر ليس لها سابقة في تاريخ أميركا، وهي مغامرته الجريئة بالترشح لرئاسة الولايات المتحدة، وهو من هو! لقد قدّم أوباما لشعبه وبلده عملاً تاريخياً هو في حاجة إليه... أي أن ينتخب أميركياً من أصول أفريقية، أي مواطناً أسود اللون رئيساً لبلد ظل حتى عهد ليس بعيد لا يسمح للسود بركوب المواصلات العامة مع البيض. لقد كسر أوباما عقدة التاريخ الذي كان يلطخ سلوك أغلبية الأميركيين البيض وأكد أولاً لشعبه وثانياً للعالم أن الحلم الأميركي والأمل الذي جعله شعاراً لحملته الانتخابية ممكن التحقق بالجد والاجتهاد ومعرفة نواميس التاريخ وتوجهاته في هذا القرن. إن أوباما، كما نقول في أمثالنا العربية، قد رفع رؤوس كل السود في كل القارة الأفريقية والولايات المتحدة. وهذه عجالة أعلمُ أنها لا تفي بالغرض الأساسي من كتابة هذا المقال... وأعلم أيضاً أن كثيرين من أهلنا المهمومين بمصاعبهم ومشاكل أوضاعهم القومية والوطنية يتمنون مثلي أن يلهم الله الناخبين الأميركيين الصواب والحق. عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©