الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صحـراء ملهمـة

صحـراء ملهمـة
1 نوفمبر 2012
شق رومان جروجان طريقه بصعوبة قبل ظفره بفرصة ثانية للمشاركة في بطولة الفورمولا -1 مع فريق «لوتس» هذا الموسم. تحدث المتسابق الفرنسي إلى جاري ميناجان، وقص عليه حكايته مع الرمال الملهمة لصحراء الإمارات، وعن فضلها عليه ليتألق ويلتحق بكوكبة النجوم الكبار. زار المتسابق الفرنسي الشاب رومان جروجان زار دبي في شهر يناير 2008، واستمتع بجوها الربيعي الدافئ أسبوعاً كامل، كان بالنسبة له معسكر تدريبي يُحضره لخوض سلسلة سباقات “جي بي 2” الآسيوية الجديدة آنئذ. لكنه كان يشعر بالضياع. كانت تلك أول مرة يزور فيها دبي، بدت له للوهلة الأولى مدينة فريدة من نوعها، وضاجة بالمباني الشاهقة الضخمة، وكغيره من الشباب والسياح المغامرين الذين يزورونها، سجل اسمه ذات ظهيرة للمشاركة في استكشاف كثبان الصحراء المتموجة على متن دراجة بانشي. لقد شق غبار رمال صحراء دبي بحماسة، وقاد دراجته بسرعة مفرطة، ثم اكتشف أنه أوقع نفسه في ورطة. يروي قصته لجريدة “ذا ناشونال” فيقول: “بعد أن قضيت خمس دقائق في قيادة دراجتي على نحو متواصل، استدرت حولي فلم أجد معي أحداً. أحسست وكأنني تائه وسط محيط من الرمال، ولا شيء غير الرمال. تملكني شعور بالضياع التام، غير أن ذاك الشعور سرعان ما تبدد، بعدما التقيت بعض الشبان الإماراتيين الذين يسكنون بالجوار كانوا هم من أرشدني كيف أعود أدراجي. لم أستوعب حينها كيف عرفوا الوجهة التي علي اتباعها وسط تلك الكثبان الرملية السرمدية اللامتناهية، فرمقتهم بنظرة حيرة واستغراب، لكنهم ردوا عليها بابتسامة تعلو وجوههم قبل أن يقولوا بثقة “هذا جزء من ثقافتنا”. اتبعت إرشاداتهم حرفياً وعلامات الدهشة على وجهي، وجدتُني أعود من حيث أتيت، واستنتجت أنهم كانوا محقين تماماً. فمتاهات الصحراء جزء من ثقافتهم، والدليل هو أنني لاأزال على قيد الحياة”. ولا يخفي جروجان شعوره الدائم بالامتنان لهم، ولا يُنكر فضلهم عليه. فبعد مرور بضعة أيام، كان جروجان يعتلي منصة التتويج في حلبة السباق بدبي، محتفلاً بالفوز المزدوج الذي حققه للفريق الفرنسي “آرت جراند بري” خلال افتتاح أول جولتين في الموسم الآسيوي. وبعد مُضي 12 شهراً، كان جروجان في طريقه إلى الفوز ببطولة السائقين عبر إحرازه ضعف النقاط التي حازها أشرس منافسيه، المتسابق سيباستيان بويمي. كان جروجان أحد السائقين الذين رُشحوا لاختبار الفورمولا -1. ولعل فوزه في سلسلة سباقات “جي بي 2” الآسيوية وحلوله في المركز الرابع في نهائيات بطولة “جي بي 2” كان كافياً له لاقتحام موسم 2009، والقبول بثقة واعتزاز. أن يحل محل المتسابق نيلسون بيكيه جونيور في فريق رينو. هذا إضافة إلى قدرته على توفير المتطلبات المالية الأساسية لدعم الفورمولا -1. ولكن التحاق جروجان في سن 23 بطليعة نجوم الفورمولا-1 كان أبعد ما يكون عن القصص الخيالية. فقد تعرض لسلسلة من المشاكل على مستوى الفرامل، ووجد صعوبة في إحكام قبضته على مقود سيارة السباق، ما جعله يُخفق في تحقيق رصيد النقاط الذي كان يطمح إليه في أي من السباقات السبعة التي خاضها. اضطر إلى الانسحاب المبكر في سباقي بلجيكا وسنغافورة، وفي السباق النهائي لجولة أبوظبي، بدأ السباق في المركز التاسع عشر من أصل عشرين سيارة، وكان آخر من وصل. ولذلك لم يكن مفاجئاً أن يُعلن فريق رينو عن عدم رغبته في الاحتفاظ به ضمن متسابقي الفريق للموسم التالي. تقول إحدى الحكم الشعبية إن أفضل ما يقوم به المرء عندما يتعرض لكبوة هو الوثوب إلى الخلف وامتطاء صهوة فرسه، ثم معاودة الانطلاق بقوة أكبر. وبالنسبة لجروجان، فقد فضل المشاركة في بطولة “جي تي 1” العالمية، التي جرى أول سباقاتها على حلبة ياس مارينا، وذلك بعد أن أدار له رفاقه في الفورمولا -1 ظهورهم. كان سباقه النهائي في الفورمولا -1 لحظة مرة وحلوة في الآن ذاته. لكنه تسلح مع ذلك بالتفاؤل والإيجابية، وتمكن من قضاء ظهيرة ممتعة تحت أشعة الشمس الدافئة. يقول جروجان “حسناً، لقد حللت في المركز الأخير في موسم 2009 من بطولة الفورمولا -1، لكنني استطعت تحقيق فوز في بطولة “جي تي 1”، ولذلك أفضل تذكر لحظات انتصاري، ونسيان إخفاقاتي وعثراتي”. يتذكر المرة الأولى التي حل فيها في مقدمة مركز الانطلاق في بطولة الفورمولا -1 بأبوظبي. ويضيف “في هذه المرة، بدا لي خوض غمار سباقات “جي تي 1” على حلبة ياس شيئاً مألوفاً. فقد كنت أعلم في عقلي الباطن أن مشاركتي تلك ستكون طريقي للعودة مجدداً إلى بطولة الفورمولا -1”. احتاج جروجان لوقت أطول مما كان يتوقع، لكنه اقترب من تحقيق طموحه في نوفمبر الماضي، عندما خاض بنجاح بطولة “جي بي 2” في موسم 2011، إذ كوفئ بخوض حصتي تدريبات حرة على المضمار لفائدة فريق رينو. إحدى هاتين الحصتين كانت في حلبة إنترلاجوس، والأخرى جرت على مضمار ياس مارينا الذي تربطه به ذكريات جميلة، باعتباره إحدى المحطات التي حقق فيها أفضل إنجازاته. ويقول جروجان “كان الأمر برمته جزءاً من خطتي للرجوع إلى بطولة الفورمولا -1. فبطولة “جي بي 2” كانت مهمة جداً بالنسبة لي. غير أن حصتي التدريبات الحرة على حلبة ياس ثم في البرازيل بعد أسبوعين كانتا حاسمتين، خصوصاً حصة ياس مارينا التي كنت أعرف مسالكها ولفاتها حق المعرفة”. كان أداء جروجان كافياً لمنحه مقعداً في هذا الموسم. ولا شك أنه مسرور بالعودة مجدداً إلى حلبة ياس مارينا نهاية هذا الأسبوع. تزامن بزوغ نجم المتسابق الفرنسي مع صعود نجم فريق رينو في أفق سماء أبوظبي سنة 2009. فرينو أصبح يشارك باسم فريق لوتس، وجروجان بدا أكثر نُضجاً، بعد أن قص شعره الأشعث وعقد قرانه على رفيقة دربه الرياضي في يوليو الماضي. ليس هذا فحسب، بل إن تحسن أدائه على مضمار السباق كان أدل مؤشر على أن الشاب الفرنسي البالغ الذي أتم عامه السادس والعشرين قد نضج أكثر. وكما كان البطل العالمي فيرناندو ألونسو رفيقه في الفريق قبل ثلاث سنوات، فإن له رفيقاً آخر هذه المرة هو المتسابق كيمي رايكونن. ولكنه كان قادراً هذا الموسم على بذل جهد فردي، والنضال من أجل تجميع أكبر قدر من النقاط. فانطلاقته القوية في بداية الموسم بأستراليا جعلته يتفوق على رفيقه رايكونن. إضافة إلى تمكنه من صعود منصة التتويج في ثلاثة سباقات من أصل 11 خلال الموسم الحالي، بما فيها سباق كندا الذي حل فيه في المركز الثاني، وكان بذلك أفضل إنجاز له. ويقول جروجان “تعلمت كثيراً من تجربة 2009، إلا أن أهم شيء أستشعره الآن أكثر من أي وقت مضى هو أنني أصبحت ناضجاً أكثر”. ويضيف “صحيح أنني مررت بفترات عصيبة في مشواري الرياضي، لكن ذلك جعلني أقوى. فأنا أجد المنافسات الحالية مختلفة كثيراً وأكثر إمتاعاً من سابقاتها. وأعتقد أن ذلك يرجع جزئياً إلى كوني صقلت مهاراتي القيادية أكثر، وهذا أمر مطلوب من كل سائق”. ولا شك أن هذا النضج والتحسن الذي تحدث عنه جروجان سيترافق مع نضج أكبر في اتخاذ القرار. ففي الشطر الأول من الموسم، كان من بين الذين سجلوا أسرع سبع لفات. لكن مناورته العدائية التي تسببت في خروج لويس هاميلتون من بطولة بلجيكا في أول سباق يخوضه بعد استراحة منتصف الموسم وضعت نُضجه مُجدداً محل تشكيك. وفي حلبة سبا ببلجيكا، احتكت سيارته بشدة بسيارة هاميلتون على مضمار السباق عند الاقتراب من اللفة الأولى، ما جعل سائق ماكلارين-مرسيدس يفقد سيطرته على سيارته ويصطدم بمؤخرة سيارة جروجان، التي اندفعت بدورها نتيجة قوة الارتطام وطارت في الهواء لتمر من فوق سيارة فيراري، قبل أن يتناثر حطام السيارات الثلاث على الحلبة. وقد أدى هذا الحادث الذي أعزاه المراقبون إلى تهور جروجان إلى تغريمه 50 ألف دولار (238,100 درهم) ومنعه من خوض السباق التالي في إيطاليا، ما جعله أول سائق في تاريخ بطولة الفورمولا -1 الكبرى يُحرم بقرار رسمي من خوض إحدى جولات البطولة. ولقد دفعت هذه العقوبة القاسية المتسابق جروجان إلى إعادة التفكير في أسلوب قيادته. وهو ما تبين بجلاء في تصريحه بأنه أصبح سائقاً أفضل بعد خروجه من هذه التجربة. لكن سائق ريد بول مارك ويبر قد لا يتفق مع المتسابق الفرنسي، بعدما أثبت عكس ما صرح به حين صدمه خلال سباق بطولة اليابان في الشهر الماضي. ما جعل لجنة التحكيم تُعاقب جروجان مجدداً وتُوقفه عشر ثوان خلال السباق. ومع ذلك، فإن جروجان يتشبث برأيه، إذ يقول “إذا صادفتك حجرة عثرة فسقطت ثم وقفت مجدداً لتُكمل المسير، فإنك تصبح أقوى”. ويضيف “سباق حلبة مونزا الذي حُرمت من المشاركة فيه لم يكن أكثر سباقات الموسم إثارةً. لكنني قضيت وقتاً طيباً وأنا أُتابع مجريات السباق من موقع التزود بالوقود، وأستمع إلى تعليقات كيمي والمهندسين، فقد استفدت منهم كثيراً”. ويأمل جروجان أن يستثمر كافة الخبرات والمعارف التي راكمها خلال السنوات الثلاث الفائتة بشكل جيد، عندما يعود إلى الإمارات هذا الأسبوع. وباعتباره خاض سبعة سباقات في سلسلات مختلفة على حلبة ياس، فإنه لن يشعر حتماً بالضياع وسط أقرانه، ولن يحتاج هذه المرة إلى التوجيهات أو الإرشادات، فهو لن يقود دراجة بانشي في صحراء دبي كما فعل أول مرة، بل سيقود سيارة فريقه لوتس على مضمار حلبة ياس مارينا بأبوظبي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©