الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موعد مائي

1 نوفمبر 2012
(الارصاد الجوية) هذه اللافتة الوحيدة العالقة بذهني منذ الطفولة، لا أدري لماذا؟ كلما أمر أمامها أحس أن هناك من يربطني بها، حتى كان صباح، رأيتها تدخلها، تتبعتها، جذبتني ابتسامتها وقلبي يحدثني، إنها لك، حاصرتها بحضوري اليومي، حفظت وجوه العاملين الذين عرفوا انشغالي بها، ها هي الآن تتفضل وتجود عليّ بموعد “غدا صباحاً” في الحديقة العامة. شملتني سعادة، وغمرني فرح في انتظار الغد، الذي طال. سأدرب حنجرتي على الكلمات العاشقة وشفتي على الهمس. انفتحت شاشة خيالي، رأيت أيدينا تتشابك، وقلبي يذوب في بسمتها، بصرها مرمي على الأرض حياء. نتسابق على قطع عشبة تطاولت على رفيقاتها، فيسيل دمها الأبيض، تمتد يدي وتقذف حجرا غازلها كمراهق اشتر من تحت الصحيفة التي اتخذناها بساطاً. أغلقت الشاشة وبدأت في اختيار زي يلائم فرحي. أنادي أختي لتشاركني، تتعجب أمي. أدندن: عندي موعد مهم. كذبة لا تضر. تغرف من صحن دعواتها وتطعمني، تقمع أختي ضحكة خبيثة. أختار قميصا أخضر يتناسب مع فرحي، ومتماهيا مع عشب الحديقة، وبنطالا أبيض كقلبها. أبدو وسيماً. هكذا قالت اختي. أتحرك نحو المرآة تتفق معها. تغادر أختي الغرفة. أجدها فرصة لأقول لنفسي جهراً: غدا صباحا أمر على صديقي عبد العليم لأغيظه وأخبره إني ساقابلها اليوم. لن أحدد المكان والزمان له، حتى لا يتطفل، ربما لا تأتي فيشمت. أؤكد لنفسي: ستأتي، أنا واثق، فهي من أعطى الوعد. لن يصدقني، أنا اعرفه جيدا. هذه إنسانة متعجرفة، هذا قوله، ما الذي يجعلها ترضى بك؟ يغيظني سؤاله. ليس بالجمال وحده تخدع البنات أرد. يضحك ساخرا: عاشق مفلس!! كلامه مقنع، لكن من يقنع القلب. تمتد يدي لا إراديا نحو التلفاز، تطل حسناء أقارنها بها. يشغلني مذيع آخر. يعتقلني قوله ان السماء ملبدة بالغيوم، وان امطارا ستهطل غدا. خيّل إليّ انه يقصدني، وان ضحكته استهزاء بي، آه تذكرت، إنه زميلها في المكتب، وأول من انتبه لحضوري. أعود لداخلي ثانية، تحدثني نفسي أن أهاتف مصلحة الأرصاد، يؤكد لي أحدهم صحة ما سمعت. أتف على الهاتف بغضب. تخيلت ان الموظف رفع يده ومسح خده. انطلق لساني يلعن الأمطار، الم تجد وقتا غير هذا؟ تمتد يدي للهاتف وأهم بمحادثتها لئلا تخرج غدا، وهذا يدعم حبي لها واهتمامي بها. أتراجع وحديث عبد العليم يطن بأذني: لن ترضى بك، لا يخلو من صدق، ربما تضايقت من ملاحقتي لها وإلا لماذا اختارت هذا الوقت؟ بلغ توتري مداه، والهواجس تتناسل بدماغي. أفتح النافذة. الليل قد انقضى والصبح في العاشرة. ألوم نفسي وأخرج راكضا وفمي بلوك في الاعتذارات. لم أهتم بالأمطار المنهمرة والعواصف. أجد حافلة تلتقطني، سرعتها حيدت موقفي من سائقها وعيني في الشارع ومبانيه. رأيتها تشبك يدها مع آخر، يتقاسمان ضحكة واحدة أمام مبنى أعرفه جيدا، فقد ترددت عليه كثيرا. رفعت رأسي، صدمتني اللافتة العالقة بذهني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©