الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلتحيا الديكتاتورية

فلتحيا الديكتاتورية
1 نوفمبر 2012
كنتُ أسير أنا وصديقي محمود في شوارع العاصمة، وفي أثناء سيرنا في ميدان التحرير استوقفنا تجمع من الناس وكأنها مظاهرة. اقتربنا لنرى ما الأمر. بالفعل كانت مظاهرة ولكن الغريب أنها ليست كأي مظاهرة. فما أن سمعت أصوات المتظاهرين كأن هذه الهتافات سقطت على مسامعي كالصاعقة. كانوا يحملون شعارات غير متعارف عليها ويهتفون بهتافات غريبة: فلتحيا الديكتاتورية، فلتسقط الحرية، فلتعش نظم الظلم والجهل، فلتحيا عصور العبودية والاستعباد، فلتحيا الديكتاتورية. ظننت في بادئ الأمر أن هذا لا يعدو أن يكون عبارة عن شرذمة ضالة لا تتعدى العشرات قد ضلوا الطريق.. ولكني وجدتهم مئات بل تعدوا الآلاف ولم يكونوا من أبناء بلدي وحدهم بل من جنسيات أخرى. الكل يهتف بل إن بعض الناس كانت تتجمع لترى ماذا يحدث ثم تهتف معهم، وبعضهم ترك سيارته وترجل من أجل المشاركة في هذا الحشد. لم أكن أعرف ماذا يحدث.. ثار صديقي وهاج وماج، ما هذا؟! فاقترح أن يدخل وسط هذا الحشد ليتقصى الحقائق. وقال إنه سيغيب خمس دقائق وتركني. ومضت الدقائق الخمس ثم تبعها مثلها ومثلها إلى أن دب الخوف في قلبي.. فقررتُ أن أخوض في هذا الحشد لكي أبحث عن صديقي وأتحرى الأمر. كان الناس يهتفون بقوة وحماس، فسألت أحدهم: ماذا تفعلون؟ فرد عليّ: اهتف يا أخي وخلاص. ودفعني بيده بقوة، واستمر في الهتاف النضالي. قلتُ أسال غيره. اقتربتُ من واحد يكاد يشبه صديقي: لو سمحت يا أخ.. فنظر إلي فوجدته صديقي وكان متحمسا للهتاف، فسألته: ماذا تفعل؟! قال: اهتف.. اهتف.. فزاد ذهولي، ولملمت نفسي في استهجان. كان يهتف بحماس وقوة مثلهم. ظننتُ في بادئ الأمر أنه ليس صديقي. ولكنه هو. ومع أني لستُ ثوريا فقد كان الموقف صعبا عليّ. الجميع يهتف ضد المبادئ لا. لا. لا. وأخذتُ أخطب في الناس: أليس فيكم رجل رشيد؟! أين عقولكم؟! أفلا تعقلون؟! لم ينتبه إليّ أحد وكأني أنادي في مالطا. قررتُ أخيرا أن أهتف ضدهم. فلتحيا الحرية. فلتحيا الديمقراطية. نعم للمساواة. وفجأة صمت الجميع. وسكتُ لبرهة ثم عاودتُ الهتاف مرة أخرى. وجدتُ بعض الناس كأنها تحملني. قلتُ حسنا.. بدأوا يستمعون إلى لغة العقل. نعم لعلي أكون قائدا وأقودهم إلى الطريق السوي المستقيم. وفجأة بدأوا يضربونني.. الكل يضرب.. لماذا؟ لا أعرف. كأني أُذكرهم بشيء مؤلم. وجدتُ رجلا يأتي من خلفي ومعه عصا قوية، أخذ يضربني بعنف ويقول: اهتف معانا اهتف. كنتُ مصمما على رأيي: فلتحيا الحرية، فيضربني بقوة. وحينما لم أجد الخلاص قلتُ: يا عم هم علموها لنا كده، علّمني أنتم بتقولوا إيه وأنا أقول على طول. قل: فلتحيا الديكتاتورية. فلتسقط الحرية. فلتحيا عصور الظلام. فلتحيا العبودية والاستعباد. أخذتُ أهتف بقوة وحماس وكأنها أصبحت مبادئي. وبعد أن انتهت هذه التظاهرة أحسستُ بنشوى في صدري وكأن شيئا دفينا في قلبي قد خرج، وكان صديقي هو الآخر سعيد، فقد تبدل حاله بعد التظاهرة. إذ وجدته متفائلا ومسرورا. أما أنا فقد أحسستُ بشيء جميل يسري في عروقي مع أن ضربات العصا كانت تجعلني أتلوى، فيعتقد من يراني إني أرقص. لقد غيرت هذه المظاهرة أفكاري كلها وسوف تغير حياتي. “فلتحيا الديكتاتورية”. رجعتُ إلى المنزل فوجدتُ زوجتي في استقبالي وقالت بصوت عال: “انت جيت يا سبعي؟” فلم أجد غير أن أصفعها، وأقول لها: ولا سبعة ولا تمانية، كفاية بقي أنا أديتك كل حريتك، وفي الآخر تسخري مني. فلتسقط الديمقراطية. كنت أظنُ أن رد فعلها سوف يكون عنيفا وأن ترد الصاع صاعين، غير أني وجدتُ شيئا آخر. وجدتُ زوجتي تفقع كم زرغوتة ومبتهجة وفي قمة السعادة، وتقول: زوجي ضربني، وتقبل يدي وتطلب مني أن أسامحها وأن أرضى عنها. قلت لها: لا يوجد ديمقراطية من اليوم، لن أدخل إلى المطبخ، ولن أغسل الأطباق، ولن أمسح الأرض.. أنا السيد هنا، وأنت الشعب. قالت: أنت تأمر يا سيدي. وجاء أبني وابنتي. فسألني أبني: ما معنى مفيش ديمقراطية؟ قلتُ له: لما الكبير يقول لك روح يمين تروح يمين، روح شمال تروح شمال، ما تقولش لأ. فرد عليّ: بس المُدرسة في الفصل قالت للناظر لأ. فقالت ابنتي: عشان كده الناظر فصلها يا فالح. قلتُ: تِستاهل. ثم وجدتُ زوجتي تلبس أحلى ثيابها، وفي زينتها الكاملة ومعها أناء مليء بالماء الدافئ لكي تغسل لي قدمي. قلتُ لابني: شوف الديكتاتورية عملت إيه في أمكم. قلت لنفسي: لعلنا لا نستطيع فهم الديمقراطية بشكل صحيح، أو نستخدمها لمصالحنا الشخصية كما نراها، أو أننا لا نعرف معنى الحرية والديمقراطية والمساواة.. المهم إني خرجت من هذه التظاهرة بشيء مفيد، فقد أصبحتُ سيد البيت بعد أن سلبتها مني الديمقراطية. ولكن يا ولاد أنا شامم ريحة حاجة فاسدة. فرد الأولاد في نفس واحد: دي ريحة الديكتاتورية يا بابا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©