الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلسطين.. الجامع المصري

فلسطين.. الجامع المصري
1 نوفمبر 2012
صدر المجلد الأول من موسوعة “مصر والقضية الفلسطينية” عن لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة، وكان العمل قد بدأ في هذه الموسوعة منذ يناير 2009، طبقا لقرار من رئيس الوزراء المصري وقتها د. أحمد نظيف بأن تعد وزارة الثقافة بيانا أو تقريرا عن دور مصر وموقفها من القضية الفلسطينية، كانت الحدود المصرية تعرضت لمحاولة اقتحام من “حماس” وقتل ضابط مصري، وجرت مناوشات اعلامية على الجانبين، قرار رئيس الوزراء وقتها انتقل عبر وزير الثقافة فاروق حسني الى المجلس الأعلى، وتشكلت لجنة برئاسة د. عادل غنيم، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية وهو المتخصص في القضية الفلسطينية، وبدأت اللجنة العلمية عملها وكان هذا المجلد الذي بين أيدينا والذي يبدأ بالقضية من سنة 1917، وهو تاريخ صدور وعد بلفور الى سنة 1952 تاريخ الانقلاب على الملك فاروق والاطاحة به من عرش مصر، هو وأسرته. ومن المقرر أن تتلوه اربعة مجلدات أخرى. 26 دراسة يضم المجلد 26 دراسة علمية، تدور في عدة محاور.. الأول يتناول مصر الرسمية، أي موقف القصر والملك، هنا الملك فؤاد ومن بعده نجله الملك فاروق، وموقف الحكومات المصرية المتعاقبة. ثم يأتي دور مصر الشعبية، أي مواقف الأحزاب والجماعات السياسية الكبرى مثل الوفد والأحرار الدستوريين ثم مصر الفتاة وجماعات اليسار ويأتي بعد ذلك، دور الهيئات والجماعات الدينية كالأزهر والكنيسة القبطية والطائفة اليهودية في مصر فضلا عن جمعية الشبان المسلمين وجماعة الإخوان المسلمين. هذه البانوراما الضخمة تثبت ان الشأن الفلسطيني العام كان حاضرا بقوة في مصر لأسباب عديدة منها التلاحم الجغرافي بين البلدين والتلاحم الانساني والتاريخي بين الشعبين، والواضح من كل الفصول أن الظرف العام والأوضاع الخاصة بكل طرف حكمت موقفة مما يجري على أرض فلسطين، كانت الأحزاب الكبرى منشغلة بقضية الاحتلال البريطاني لمصر وما يقوم به ولذا لم تمنع نفسها من الانشغال بما يقوم به الانجليز في فلسطين، بدعوى الانتداب.. ولأسباب عديدة من بينها ما هو ديني وما هو وطني انشغل كثيرون في مصر بالهجرات الصهيونية الى فلسطين، خاصة بعد صدور وعد بلفور، الذي اخفته الحكومة البريطانية عن اهل فلسطين، واذاعته الصحف المصرية وخلقت رأيا عاما في مصر وغيرها من بلدان المنطقة حول ذلك الوعد، وكلما سأل أعيان فلسطين عن هذا الوعد كانت بريطانيا تتهرب من مصارحتهم حتى بعد صدوره بثلاث سنوات. انشغل كل طرف بالقضية من زاويته، مثلا الأزهر اهتم بالأماكن المقدسة، خاصة بمدينة القدس وتحديدا المسجد الأقصى، وما يمكن ان يتعرض له من المهاجرين الصهاينة حوله ثم تحول الأمر الى قلق عام سنة 1929 بعد حادث البراق في القدس والكنيسة القبطية اهتمت بالدير التابع لها بالقدس واهتمت كذلك بمدينة بيت لحم، حيث ولد السيد المسيح، ومعظم الأطراف في مصر بمن فيهم الملك فاروق نفسه اهتموا بالتواصل مع مفتي القدس الحاج أمين الحسيني باعتباره رمزا للقضية ودلالة عليها وكانت للرجل ارتباطات وصلات عديدة بمصر، مع الجماعات والهيئات الدينية ومع عدد من الحكومات والأحزاب السياسية. تضع الموسوعة يدها على ان بعض الشخصيات الرأسمالية الكبيرة مثل اسماعيل صدقي، نظرا لمصالحها وارتباطها بالشركات الأوروبية الكبرى غضت النظر عن المشروع الصهيوني وهونت من مخاطره، حتى ان اسماعيل صدقي فكر في إنشاء مستعمرة صهيونية في “كوم امبو” بالقرب من أسوان ورحبت بعض جماعات اليسار الماركسي بقرار التقسيم تأسيسا على ان العداء في المنطقة يجب ان يكون للاستعمار الأوروبي “انجليزي وفرنسي” أما اليهود في فلسطين فإنهم -من وجهة النظر تلك- لا ينتمون للمشروع الاستعماري. يهود مصر ومن أهم دراسات الموسوعة تلك المتعلقة بالطائفة اليهودية في مصر، وتاريخيا كان هناك عدد من اليهود المصريين، لكن في العصر الحديث تعرضوا للاختراق من جماعات يهودية قدمت من دول الغرب، وهؤلاء كان بينهم افراد يرتبطون بالحركة الصهيونية وأسسوا جماعات صهيونية لمساندة الهجرات اليهودية الى فلسطين ودعمها بالنفوذ المعنوي وبالأموال وهذه الجماعات سعت الى الانتشار بين اليهود المصريين التقليديين واجتذاب اعداد منهم الى افكارها والصهاينة في مصر اسسوا صحفا خاصة بهم تنشر أفكارهم، كان معظمها يصدر باللغة الفرنسية. لم تنشغل الحكومات المصرية بموقف الطائفة اليهودية من فلسطين، وربما كانت الحكومات ومعها بعض القوى السياسية في انشغال حقيقي بالوحدة الوطنية في مواجهة المحتل البريطاني، لذا لم تمارس ضغطا على تلك الطائفة، ولكن قام بهذا الدور جماعة أو حزب مصر الفتاة وجماعة الإخوان المسلمون، حينما ركزوا على الطائفة اليهودية وفضح مواقف بعض رموزها مما يجري على أرض فلسطين، خاصة بعد ثورة فلسطين الكبرى سنة 1936 وظهور أحاديث معلنة عن مشروع تقسيم فلسطين إلى دولتين وهو ما تحقق بصدور قرار الأمم المتحدة في نوفمبر سنة 1947. والمقرر ان تتوالى مجلدات الموسوعة، وسوف يكون المجلد الثاني عن قرار التقسيم وحرب 1948 وما جرى فيها وقد أوشك العمل فيه على الانتهاء. صدرت من قبل أعمال مفردة لباحثين ودارسين متخصصين حول فلسطين، لكنها المرة الأولى في مصر التي يصور فيها مثل هذا العمل المجمع، الذي تقوم عليه مؤسسة وفريق عمل كامل من المتخصصين والدارسين، ولأن الأمر كذلك فلابد من القول ان المجلد الأول لم يكن ينبغي ان يبدأ بوعد بلفور -سنة 1917- ذلك أن المشروع الصهيوني بدأ على أرض فلسطين قبل ذلك بعقود، أول مستعمرة أقيمت في فلسطين كانت في العام 1882، وهذه الفترة الطويلة بحاجة الى تغطية بحثية وعلمية، وفي تلك الفترة لعبت الصحف العربية في القاهرة وبيروت وحلب دورا مهما للغاية في كشف ما يحدث، وهذا الجانب اهملته الموسوعة تماما، كما أهملت كذلك دور الجماعات الماسونية في مصر وفي بلاد المنطقة، العراق تحديدا، بخصوص هجرات اليهود الى فلسطين.. ففي مصر تحدث المحفل الماسوني منذ سنة 1922 عن إنشاء دولة اسرائيل على أرض فلسطين وأصدر بيانا بهذا المعنى، ومع ذلك فإن الجهد الذي تم وصدر في هذا المجلد يستحق الاشادة والتقدير وننتظر له الاكتمال في المجلدات القادمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©