الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

«الإخوان»... ضد الحركة الوطنية ومتحالفون مع الاستخبارات البريطانية

«الإخوان»... ضد الحركة الوطنية ومتحالفون مع الاستخبارات البريطانية
10 نوفمبر 2013 00:37
سعد القرش - صحفي مصري هذا كتاب في طريقه إلى النشر وبين دفتيه شهادة على 369 يوماً هي عمر “الإخوان المسلمين” في حكم مصر، «سنة أولى وأخيرة إخوان»، وكرماً من الشعب منحهم 72 ساعة إضافية من قيظ شهر يوليو 2013، تسمح لهم بجمع أغراضهم والرحيل من القصر، وأن يحملوا «أمانة» العودة إلى الوطن والإيمان به، والانخراط في المجتمع، وإثبات جدارتهم بأن يكونوا مواطنين صالحين، فأبوا أن يحملوا «الأمانة». هنا صدر قرار شعبي يعزل جماعة ترفض أن تكون جزءاً من النسيج الوطني؛ فشعب مصر محب للحياة لا يعشق إلا في النور، في حين يُصر التنظيم السري أن يعمل، كالعادة، في عتمته. هذا كتاب يناهض أشكال العنصرية، وخطابات الكراهية الموجهة للمختلفين في الدين أو المذهب. أعترف بانحيازي إلى المواطن الإنسان أيا كان دينه أو مذهبه، إلى الوطن والمستقبل والعقلانية، إلى أفكار مثالية تؤمن بالخير والعدل والجمال والحرية. في 30 يونيو 2012 أقسم الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية آنذاك اليمين الدستورية. وقال محمد مهدي عاكف المرشد السابق للجماعة، في برنامج تلفزيوني، إن اتصالاً جرى بينه وبين الرئيس الذي قال له: «هذه ثمرة كفاح الإخوان». لم يذكر مرسي شيئاً، عن كفاح الشعب المصري منذ الاستعمار البريطاني حتى ثورة 25 يناير 2011، ولم يذكره مرشده بشيء عن الشهداء. كشفت الكلمات عما في الصدور، فلم تكن «الدولة» و«الشعب» و«الثورة» من مفردات جماعة كان سيد قطب نفسه يرى مؤسسها حسن البنا نسخة عصرية من مؤسس حركة الحشاشين الإسماعيلية. و”البنا” لم يقم في قلعة «آلموت» في إيران، حيث أقام الحسن الصباح الذي أعجب به البنا. فارق الزمن والخبرة التنظيمية جعل البنا يؤسس لمريديه قلعة نفسية، تتلخص في أن الإسلام يتعرض لخطر، وأنك لا بد أن تكون لبنة في سور يحمي الدين، «أنت في نفسك دولة»، وقسم دعوته إلى سبع مراحل.. «مرحلة الدعاية والتعريف»، «مرحلة الإعداد والتكوين»، «مرحلة العمل والتنفيذ»، «مرحلة الدولة»، «مرحلة التمهيد للخلافة»، «مرحلة استعادة الخلافة» «مرحلة أستاذية العالم». سبع خطوات، أو سبعة أبواب للجحيم، تشعر فتيان الجماعة بالخطر والزهو معا بأنهم سيدركون على الأقل المرحلة الرابعة «مرحلة الدولة»، وإذا بلغوها فلا بد أن يدافعوا عنها بأرواحهم، دونها الرقاب، وبعدها يدنو حلم الخلافة، وإقامة النموذج «الأستاذية». ولكي يبلغوا هذه المرحلة، فهم مشمولون بحماية الجماعة، وعليهم أن ينفذوا الخطوات السابقة من دون نقاش، انطلاقاً من امتلاكهم الحقيقة واليقين، بانتمائهم إلى جماعة يمكن أن تكون أي شيء، وقد حدد البنا هويتها بهذا التعريف الجامع: «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية». ثمانية أركان تجمع خير الدين والدنيا، ولا تترك ثغرة للسؤال، وهل في الإخوان من يجرؤ على السؤال؟ ثمانية أركان تغني عن «الدولة».. عن جامعة الأزهر، ووزارة الخارجية، والأندية الرياضية، والمؤسسات العلمية والاقتصادية والاجتماعية، أما دور وزارة الدفاع فيتكفل به السيفان المتقاطعان في حراسة القرآن، فماذا يريد “الإخواني” أكثر؟ لا يحتاج الإخواني إلى شيء أو أحد خارج جماعة ذات نشأة غامضة، فمن أين لشاب عمره 22 عاما بتمويل تأسيس جماعة؟ غموض البداية تأسست الجماعة عام 1928، بوصفها جمعية خيرية ذات توجه إصلاحي، في فترة مضطربة. في تركيا ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة عام 1924، وداعب الحلم الملك أحمد فؤاد، فقضى الشيخ علي عبد الرازق، في العام التالي بكتابه «الإسلام وأصول الحكم»، الطريق على أحلام الملك. لم يكن حلماً بريئاً، ولكن بريطانيا أرادته، وحين فشلت الفكرة، على الرغم من النجاح في الاغتيال المعنوي للشيخ مصطفى عبد الرازق، ظهر حسن البنا، وكانت الجماعة حصان طروادة في جسد الجماعة الوطنية. جاء الملك فؤاد بأحمد زيوار باشا لتعديل الدستور، أو إلغائه تقريبا، ثم حل البرلمان، ثم استغنى الملك عن زيوار «الشركسي»، واعتمد على «المصري» محمد محمود في تشكيل الوزارة عام 1928، وقام بإلغاء البرلمان الوفدي ثلاث سنوات قابلة للتجديد، وفي عام 1930 ألغى إسماعيل صدقي دستور 1923، واستبدل به دستورا لا يجعل من الأمة مصدرا للسلطات، وإنما الملك مصدر السلطات، ونص الدستور الجديد على اعتباره منحة من الملك. أدرك الملك أن الشعب الذي قام بثورة 1919، والقوى الوطنية التي تمثله، لن تتنازل عن استحقاقات «الدولة»، وفي مقدمتها الدستور الذي يعبث به ملك كسب الرهان في تشجيعه جماعة “الإخوان” الإصلاحية. ضمن الملك لنفسه ولابنه فاروق جماعة تعادي الإرادة الشعبية، وتناهض الحركة الوطنية باسم الإسلام؛ ففي نهاية عام 1937 اختلف الملك مع مصطفى النحاس الذي طالب بالحد من الصلاحيات غير الدستورية للملك، وخرجت الجماهير تهتف: «الشعب مع النحاس»، فهتف إخوان حسن البنا: «الله مع الملك»، وهذا يمكن اعتباره نوعاً من التواطؤ مع السلطة القائمة تمهيداً للتمكين الذي عبر عنه المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي في حوار مع مجلة «المصور» عام 1952 رأى خلاله أن الإخوان إذا وصلوا للسلطة فإنهم لن يتخلوا عنها، وضمن هذا الإطار قال مأمون الهضيبي المرشد السادس للجماعة «نحن نتحالف مع من يستطيع أن يقربنا من دوائر صنع القرار». تحت ستار العمل الدعوي استطاع الإخوان أن يؤسسوا «500 مؤسسة في 28 بلدا أوروبيا»، وكانت «الجماعة الإسلامية في ألمانيا التي تأسست عام 1958 هي الفرع الألماني للإخوان المسلمين في أوروبا الذي أسسه سعيد رمضان عام 1958». (سمير أمغاز: الإخوان المسلمون في أوروبا.. دراسة تحليلية لتنظيم إسلامي. ترجمة دينا محمد). كانت نشأة الجماعة جزءا من خطة بريطانية لدعم «قواعد بناء اليمين الإسلامي”. ولم يتورع خبراؤهم عن استخدام فكرة الإحياء الإسلامي طالما كانت تخدم أهدافهم من أجل تحقيق حلم الإمبراطورية العظمى... مرة ضد الشيوعيين والوطنيين المصريين، وفي ما بعد ضد الرئيس جمال عبد الناصر، وذلك حسبما ورد في كتاب “روبرت دريفوس” المعنون بـ” لعبة الشيطان.. كيف ساعدت الولايات المتحدة على إطلاق العنان للأصولية الإسلامية”. ورثت أميركا عن بريطانيا ملفات جماعات اليمين الديني؛ ففي كتاب «لعبة الشيطان» يذكر “دريفوس” أن عبد الناصر «كان يريد الإصلاح، بما في ذلك الإصلاح الزراعي، وإحداث تغييرات في التعليم، وهو الأمر الذي كان “الإخوان” يعارضونه بشدة وشراسة. في حديث له مع جيفرسون كافري ـ وهذا الأخير هو نفسه الذي أوصى بأن يدعى سعيد رمضان “الإخواني” إلى ملتقى “برنستون” والبيت الأبيض سنة 1953، صرح الهضيبي زعيم الإخوان المسلمين أنه سيكون سعيدا جدا إذا تم القضاء على العديد من الضباط الأحرار». ويذكر المؤلف أيضا مساندة المخابرات المركزية الأميركية للإخوان خلال الحرب الباردة، ناقلا قول “جون فول” الخبير في الشؤون الإسلامية له: «كنا سنغدو أغبياء إذا لم تكن لدينا أي علاقات معهم». مهمة سعيد رمضان يقول “دريفوس” إن سعيد رمضان الذي وُلد عام 1926 كان السكرتير الشخصي للبنا، والسفير المتجول لـ”الإخوان” لإقامة فروع للجماعة في القدس وعُمان ودمشق وبيروت وباكستان حيث وثق العلاقات بالمودودي، وعاد من باكستان إلى مصر عام 1950. وينقل “دريفوس” عن كتاب الفرنسي جيلز كيبل «النبي والفرعون» أن سعيد رمضان كان يحرك من الأردن «خيوط المؤامرة» على عبد الناصر. ولكن “دريفوس” لا يقطع بأن رمضان كان عميلًا للولايات المتحدة، إلا أنه «وضع نفسه قريباً من مركز الدول التي تضم باكستان والأردن والسعودية التي تساندها الولايات المتحدة ضد ناصر»، كما ينقل “دريفوس” عن مصادر سويسرية أن سويسرا اعتبرته «عميلاً أميركياً»، ويقول إن وثائق الأرشيف السويسري تسجل أنه يمثل «اتجاها محافظا مواليا للغرب وليس معاديا للمصالح السويسرية. ويوضح الأرشيف السويسري أيضاً أن سويسرا - على الأقل - تعتقد أن رمضان كان عميلا للمخابرات المركزية الأميركية والمخابرات البريطانية». وفي مقابل الدعم السياسي لـ”الإخوان”، خلال الحرب الباردة وما بعدها، كان الدعم البريطاني مادياً تأسيسياً منذ البداية، إذ منحت شركة قناة السويس البريطانية المدرس الطموح حسن البنا ابن الثانية والعشرين 500 جنيه، دفعة أولى تلتها دفعة ثانية قيمتها 300 جنيه، تبرعا لإقامة مسجد، ضمن خطة استخباراتية تعزز صعود يمين ديني يناهض الحركة الوطنية، ويحارب التوجهات الشيوعية نيابة عن الاستعمار. ولا أتخيل دعم بريطانيا المادي لحسن البنا، أو الدعم السياسي الأميركي الغامض، واستقبال ممثل “الإخوان” في البيت الأبيض، نابعاً من حرص بريطانيا وأميركا على تجديد الخطاب الإسلامي، أو مناقشة قضايا التنمية الاقتصادية في مصر. لم يكن البنا وسعيد رمضان ينوبان عن الله، لكي يكلفهم بمعرفة ما إذا كان الشعب الأميركي «مؤمناً مثل الشعوب الإسلامية». ملف العلاقة الغامضة بين الإخوان وأجهزة المخابرات، وفي مقدمتها البريطانية والأميركية، مازال مغلقا وسيظل، مادام “الإخوان” في الملعب. ولم يعد خافيا فتح خطوط الاتصال بين واشنطن والإخوان الذين طلبوا ذلك، وكان خيرت الشاطر وعصام العريان أول من قام بمهمة التفاوض مع الإدارة الأميركية منذ عام 2005. وكان العريان رئيسا للمكتب السياسي للجماعة حين قال لصحيفة «الحياة» في 13 أكتوبر 2007 إن «الإخوان إذا وصلوا إلى الحكم، سيعترفون بإسرائيل ويحترمون المعاهدات الموقعة معها». واعترف إبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان، بعد عزل مرسي، أنهم كانوا خلال حكم حسني مبارك، على اتصال بكثير من «المسؤولين الغربيين على كافة المستويات السياسية»، وأنهم يملكون «قنوات اتصال مفتوحة مع المسؤولين في إدارة أوباما ومع مسؤولين كبار في الكونجرس» وهذا ما أوردته صحيفة “المصري اليوم» في 22 أغسطس 2013. النظام الخاص وبداية الدم لو حمل نبي مرسل سلاحا ما تعاطف مع دعوته أحد، وحتى بعد فتح مكة كان العفو العام عن القتلة التائبين: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». فما الذي يدعو جماعة دعوية لحمل السلاح، وتأسيس جناح سري مسلح يسهل عليه ممارسة القتل من باب «الاجتهاد»؟ ولكن وجود السيفين المتقاطعين في شعار “الإخوان” يدل على احتمال استخدام القوة يوماً ما، لفرض ما يتصور من يتوهم في نفسه حمل الرسالة، أنه «الحق». في التاريخ يتكرر «استخدام» الدين، ومن يمثلونه، لصالح السياسي، كلاهما يستفيد من تثبيت الوضع القائم، ويعادي الثورة مهما يكن نبل شعاراتها ونزاهة منفذيها. «استخدام» الدين لا يقتصر على خدمة السياسي، وإنما يمتد أحيانا ليكون سيفا في يد الاستعمار أيضا. أسس حسن البنا «النظام الخاص» عام 1940، وفي فترة لاحقة سيطلق عليه «الجهاز السري». وتتضمن لائحة التنظيم «إعدام» من يتهم بالخيانة أو إفشاء أسرار ولو بحسن نية. في التنظيمات السرية المسلحة لا تتاح للمتهم فرصة النقض، بعد أن دخل التنظيم مختاراً بل متحمساً، في ظرف نفسي يزيده رغبة في الدفاع عن «دين الإخوان». يسجل «آخر قادة التنظيم الخاص» علي عشماوي أن بدء مفاتحته بأمر النظام تزامن مع تغير أحاديث قادة الإخوان عن رجال ثورة يوليو 1952، «وكيف أنهم - أي رجال الثورة- بدؤوا يخرجون على السمع والطاعة، وأنهم حنثوا بوعدهم وخانوا بيعتهم»، ويقول إن الهيئة التأسيسية للنظام الخاص كانت تضم 11 فردا، ومن أفراد «المجلس الأعلى للنظام» عبد الرحمن السندي، أحمد زكي، أحمد حسنين، أحمد عادل كمال، محمود الصباغ، أحمد الملط، مصطفى مشهور. أما البيعة فتتم في منزل معين، خلف ستار، في جو مظلم أو معتم، وتبدأ طقوسها باستعراض تاريخ الجماعة وأهدافها، ثم «إحضار مسدس ومصحف، وتتلاقى الأيدي على المسدس والمصحف ويتم القسم، وهي بيعة لله على السمع والطاعة للجماعة وقادتها»، ثم يبدأ التدريب على استعمال المسدس وفك أجزائه وتركيبه، ويلي ذلك التدريب على أنواع أخرى من المسدسات والقنابل، ودراسة كتب عسكرية، أحدها عن أعمال المراقبة والتعقب، «وكلها كانت تدرس لأعضاء مخابرات الإخوان» الذين يعدون تقارير عن «حركة الجيش وتحركات السفارتين البريطانية والأميركية»، وكان حسن البنا يعتبر أفراد النظام الخاص هم التعداد الحقيقي للإخوان. حكاية عشماوي مع قطب في عام 1965 راجع علي عشماوي الأمر كله، حين كلفه سيد قطب بتسلم شحنة سلاح ونقلها وتخزينها، ثم ينفي ذلك. وذهب عشماوي بصحبة آخرين إلى بيت سيد قطب الذي حاول أن يقنعهم بأن عشماوي فهم خطأ، وعلى غير عادة قطب ظل طول الغداء، يلقي نكات ودعابات لتخفيف التوتر، «ولم أستجب لمثل تلك المحاولات وشكرته... في هذا اليوم صممت على أن أنسحب من الأمر كله... بعد استعراض لكل العمر الذي ضيعته مع الجماعة، والذي رأيته ينكسر في لحظة واحدة بعد إحساسي بأن أحد القادة والمفكرين والزعماء يمكن أن يرجع في قولته بهذه السهولة، وكيف نلقي بأنفسنا وأقدارنا، وكل شيء في حياتنا بين يدي فرد، وتساءلت بيني وبين نفسي: لماذا أعطي نفسي لأي فرد وأوقف عقلي وإرادتي، وأسلبها طواعية، وأعطي قيادي لشخص آخر دون سبب مفهوم، وتكون النهاية مثل ذلك وأشد. كانت هذه هي حال الجميع في قيادات الإخوان، ولا أقول إنه سيد قطب فقط.. كان بعض قادة الإخوان إذا أردنا أن نفعل ما هو مطلوب منا لا نفعله إلا حسب تقديراتهم، وإذا فعلنا غير ذلك فإنهم يصلون لحد الشطط الكامل في إبلاغ البوليس عنا». (علي عشماوي: التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين). جرائم التنظيم السري التنظيم السري مؤسسة عسكرية، ميليشيا تمارس عنفا يشمل التهديد والتفجير والقتل، ويتخذ هذا العنف والإرهاب غطاء دينيا أخلاقيا، ومنح منفذيه المشروعية، بل «الشرعية» لتبريره. وقد نفذ التنظيم الخاص عمليات أبرزها تفجيرات في حارة اليهود (20 يونيو، و22 سبتمبر 1948)، وتفجيرات في المحال التجارية لليهود (يوليو وأغسطس ونوفمبر 1948)، اغتيال المستشار أحمد الخازندار (22 مارس 1948)، أمام بيته في القاهرة، وكان القاضي يحمل ملف قضية «تفجيرات سينما مترو» يوم 6 مايو 1947 المتهم فيها أعضاء التنظيم. وسبق أن قضى الرجل بالسجن على أعضاء في التنظيم اعتدوا على جنود بريطانيين في الإسكندرية (22 نوفمبر 1947)، فحزن البنا وقال في اجتماع: «ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله»، ورأى السندي هذا الكلام ضوءا أخصر وتصريحا بالقتل، واغتيال حكمدار القاهرة سليم زكي (أكتوبر 1948)، واغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي (28 ديسمبر 1948)، بعد 20 يوما من قراره إغلاق المقر العام للجماعة في الحلمية (8 ديسمبر 1948)، رداً على تورط الجماعة في أعمال إرهابية. وقال حسن البنا بعد اغتيال النقراشي: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما أنشأت النظام الخاص»، وأصدر بيانه الشهير الذي قال فيه إن القتلة «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»، ولعله أحس باقتراب النهاية، فأراد أن يبرئ ذمته. ولو نجح النظام الخاص آنذاك في حمل الجماعة إلى كرسي السلطة لربما غير البنا رأيه، ومنح القتلة أوسمة، وجعلهم أبطالا تخلد الشوارع والميادين وكتب التاريخ المدرسية ذكراهم. لم يعتذر “الإخوان” عن جرائم التنظيم الخاص، بل إن المرشد السادس للجماعة، المستشار مأمون الهضيبي، وهو ابن المستشار حسن الهضيبي المرشد الثاني للجماعة، قال في مناظرة مع فرج فودة في معرض القاهرة للكتاب، مطلع عام 1992: «نحن نتعبد لله بأعمال النظام الخاص قبل الثورة» 1952. حملت تلك المناظرة عنوان «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية»، وكان محمد أحمد خلف الله وفرج فودة يمثلان التيار المدني، في مواجهة الهضيبي ومحمد الغزالي ومحمد عمارة. وقد احتشد لممثلي “اليمين الديني” جمهور كبير، وبدا المشهد في القاعة إعلان حرب بين الإسلام والعلمانية، وليس مناظرة علمية يؤخذ من كلام المشاركين فيها ويرد. «نحن الدولة» ! بعد ستة أشهر من المناظرة قتل فرج فودة، يوم 8 يونيو 1992، قتله شابان بعد فتوى بكفره. لم يستنكر “الإخوان” القتل ولا الفتوى، بل إن الغزالي في شهادته بالمحكمة أدان الضحية، وقال إن فودة «كافر ومرتد... ويجوز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها، وإن كان في هذا افتئاتا على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة»، وأوضح أن خطأ الشابين ليس قتل الرجل الأعزل، بل افتئاتهما على القيام بما يجب أن تقوم به السلطة، والسلطة الحاكمة آنذاك لا تخضع لدين جماعة الإخوان، والجماعة دولة. يروي الخرباوي قول مصطفى مشهور أمامه: «نحن الدولة بل نحن أكبر من دولة، نحن أمة الإسلام، ويجب أن يكون لهذه الأمة أمن وجيش». من هذه الأفكار بنى شكري مصطفى معالم طريقه، وقتل الشيخ محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف، عام 1977، وحين نفى التلمساني أن يكون القاتل «من الإخوان»، كان لمصطفى مشهور رأي آخر، يقترب منه رأي الغزالي في قتلة فرج فودة. تساءل مشهور مستنكرا موقف التلمساني: «ما الذي يأخذونه على فكر شكري مصطفى؟ نعم لم يكن حصيفاً في اغتيال الشيخ الذهبي ولكنه لم يكن مخطئا». (ثروت الخرباوي: سر المعبد). «جماعة» تأنس بالاستعمار في 21 فبرابر 1946 توج ميدان التحرير «ثورة العمال والطلبة». كان نحو عشرة آلاف طالب قد عقدوا مؤتمرا في جامعة القاهرة يوم 9 فبراير، وقرروا الاتجاه إلى قصر عابدين، لإيصال رسالة إلى الملك تطالب بإلغاء معاهدة 1936، ووقف المفاوضات بين الحكومتين المصرية والبريطانية. مروا بكوبري عباس، ثم فوجئوا أثناء العبور بقوات البوليس تفتح الكوبري، وتهاجمهم من الخلف. ورفضا للمذبحة، انفجر غضب تجاوز الطلبة، إلى عموم الشعب، وتكونت «اللجنة الوطنية للعمال والطلبة»، واختيرت لطيفة الزيات أمينا عاما للجنة التي قررت، في اجتماعها الأول، أن يكون يوم الخميس 21 فبراير 1946 يوم الجلاء، يوم إضراب عام. وفي الاجتماع التأسيسي لاتحاد الطلبة العالمي، في أغسطس من العام نفسه، سيختار يوم 21 فبراير يوما عالميا للنضال ضد الاستعمار، وأصبح 21 فبراير «يوم الطالب المصري». لكن جماعة أقرب إلى نباتات الظل، وتأنس بالسلطة الاستعمار أو القصر، تكره الثورات، وترفض الاندماج في النسيج الوطني. لم يصل الغضب الشعبي إلى جماعة الإخوان، ولم تشارك في مظاهرات أوقعت 33 شهيدا. ولم تجد حكومة إسماعيل صدقي مخرجا لصرف الجماهير من ميدان التحرير إلا مرشد الإخوان، فاتجه حسن البنا إلى الميدان، في سيارة مكشوفة بجوار حكمدار القاهرة. مضى ممثل الحكومة وممثل «المسلمين» إلى هدف واحد، في سيارة واحدة لإجهاض الثورة. في الوقت نفسه كان القيادي الإخواني الطلابي مصطفى مؤمن يدعو الطلبة في جامعة القاهرة «لإعطاء صدقي فرصة جديدة، وأمعن في تضليلهم حين شبه صدقي بالنبي إسماعيل، مستشهدا بالآية الكريمة: «واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا». (محمد حافظ دياب: انتفاضات أم ثورات.. في تاريخ مصر الحديث). ولكن الهتافات تواصلت بسقوط صدقي وعملاء الاستعمار البريطاني، وأصدر مؤتمر نقابات العمال والشركات الأهلية بيانا يسجل أن جماعة الإخوان دأبت «على بث الدسائس وتدبير المؤامرات التي ترمي في مجموعها إلى القضاء على الحركة الوطنية أو تحويلها عن أهدافها، مما لا يخدم إلا الاستعمار... وقد ظهرت للشعب نيات هذه الجماعة سافرة، من دعوة للطائفية تستهدف إحداث الانقسام في صفوف الشعب لصالح الاستعمار، إلى محاربة اللجنة التنفيذية العامة للطلبة بوسائل فاشية إرهابية». كتب هذا البيان عام 1946!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©