الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطية: الفائز الأكبر

5 مارس 2008 02:08
مررت من خلال عملي في غرفة أخبار في باكستان خلال الشهور القليلة الماضية، بالعديد من اللحظات المثيرة؛ فقد قمنا كصحفيين بتغطية كل حدث، من تظاهرات الانتخابات الصاخبة إلى انفجارات القنابل والتفجيرات الانتحارية؛ إلا أن الأحداث الماضية لم تعدّني وزملائي لشعور بمصير قاتم قريب كما حصل عندما قدمنا إلى غرفة الأخبار يوم 18 فبراير للبدء بتغطية واحدة من أكثر الانتخابات البرلمانية الباكستانية حسماً· أعددنا أنفسنا لما هو أسوأ، خلال الشهور القليلة الماضية عانت باكستان من ارتفاع في مستوى العنف، مع هجمات يومية تقريباً، إلى أن حانت الانتخابات، ولم يستطع أي منا توقّع النتيجة الفعلية: انتخابات حرة عادلة بشكل مثير للإعجاب لم تتخللها سوى أحداث عنف متفرقة· مما لا شك فيه أن اغتيال رئيسة الوزراء السابقة ''بنظير بوتو'' قد شحن جو هذه الانتخابات؛ فقد كان حزن الباكستان على مقتل ''بوتو'' عارمـــاً وكاسحـــاً -رغم أن الفترتين القصيرتين اللتين قضتهما في الحكم تخللتهما اتهامات بالفساد وسوء الإدارة- فقد حولها الموت إلى شهيدة بالنسبة لأنصارها، وقد أبلى حزب ''بوتو'' حزب الشعب الباكستاني، بلاء حسناً، في إقليمها، بلاد السند، كما كان متوقعاً؛ إلا أن الحزب الذي حقق مكاسب كبرى في البنجاب، أكثر أقاليم باكستان اكتظاظاً بالسكان، هو حزب معارض آخر تابع لرئيس الوزراء السابق ''نواز شريف''· لقد أتت أكثر النتائج إثارة للاستغراب والدهشة من إقليم الحدود الشمالية الغربية من باكستان -المتاخمة لأفغانستان، والذي يشار إليه في الغرب أحياناً بسخرية على أنه ''الغرب المتوحش''، ومكان ولادة حركة طالبان- ففي هذا الإقليم حقق حزب ''عوامي'' الوطني العلماني نصراً حاسماً على التحالف الإسلامي السياسي، مما يشكل خطوة إيجابية أولى لإعادة إحياء المجتمع المدني البشتوني وتحسين العلاقات الباكستانية الأفغانية المتوترة· الفائز الأكبر في هذا كله هو الديمقراطية الباكستانية، لقد شهد تاريخ باكستان الذي يبلغ عمره 61 سنة كفاحاً طويلاً بين القادة العسكريين والمدنيين؛ وقد أثبتت الانتخابات أن الباكستانيين مستمرون في الإيمان بطرح الديمقراطية حتى بعد الإرهاب والخوف من العنف· طريق الباكستان نحو الديمقراطية طويل ومضنٍ، فالانتخابات في نهاية المطاف لا تشكل سوى مكون واحد من مكونات الديمقراطية الفاعلة ويجب رفدها بمؤسسات فاعلة وعادلة، كقضاء وإعلام مستقلين، غابا بشكل واضح جلي عن باكستان مؤخراً؛ ففي الوقت الحالي ما زال افتخار شودري كبير القضاة ومعظم الهيئة القضائية العليا المعارضة لاستمرار حكم مشرف قيد الإقامة الجبرية المنزلية· هناك دروس يجب تعلمها من انتخابات 18 فبراير من قبل المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة، فقد جرى دعم الحكومات العسكرية في باكستان مرات أكثر من الحاجة لأسباب استراتيجية، أحياناً على حساب الحكم الديمقراطي، ولذا يجب أن تتغير هذه السياسة إذا أريد أن يكون هناك جهد عالمي فاعل لمكافحة التطرف، ورفض هؤلاء الذين يشجعون صدام حضارات وشيكاً· لقد قفزت باكستان خلال الشهور القليلة الماضية من أزمة إلى أخرى، واحتلت خلال تلك العملية كماً ضخماً من مساحات العناوين الرئيسية في الصحف الدولية، فقد صُعقتُ لدى قراءتي لمقالات كتبت بأسلوب بدائي في الإعلام الأميركي تطالب بغزو أميركي لباكستان لتفكيك سلاحها النووي في حال كان تفسخ النظام الباكستاني في غير صالح الشعوب التي تعيش هنا في منطقتنا· كانت تلك انتخابات تاريخية حقاً بالنسبة للباكستانين، إلا أن السؤال الأوسع حول ما إذا كان الجيش الباكستاني، الذي أصبح قوة جبارة اقتصادياً وسياسياً إلى درجة كبيرة خلال السنين الـ61 الماضية، سيعود إلى معسكراته، سوف يبقى دون إجابة؛ إلا أن هناك قوة اندفاع متنامية داخل الدولة تطالب بإنهاء النمط الذي تكرر عبر تاريخنا وماضينا· لقد رفض الشعب الباكستاني قوى الدكتاتورية والتطرف من خلال ممارسته حق التصويت في أكثر الظروف صعوبة؛ نأمل أن يسمع بقية العالم أصواتنا وأن يدعم جهودنا· ريحان رفائي جميل صحفي باكستاني وكاتب مستقل ينشر بترتيب خاص مع خدمة كومن جراوند الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©