الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

انخفاض التكاليف يدفع صناعة السيارات الآسيوية باتجاه الصين

انخفاض التكاليف يدفع صناعة السيارات الآسيوية باتجاه الصين
21 مارس 2007 22:56
إعداد - عدنان عضيمة: فضلت آنا فيفيلد المحللة المتخصصة باقتصاديات شرقي آسيا في تقرير نشرته ''فاينانشيال تايمز'' مؤخرا أن تشبّه الحالة التي يجتازها الاقتصاد الكوري الجنوبي بـ ''مشية النائم''، واختارت لتقريرها المسهب العنوان المثير ''لماذا بدأت أكبر دولة آسيوية مصدرة للسلع والبضائع تضلّ طريقها؟''، ويحمل هذا العنوان إشارة ذات دلالات عميقة وبعيدة المدى تعبّر عن توقعات لن تخيب وتتعلق بالظواهر القوية التي تعمل عملها في مجال إعادة ترتيب الدول في هرم القوة الاقتصادية في شرقي آسيا، وبالرغم من أن حديث فيفيلد كان مركزاً حول كوريا الجنوبية إلا أن الأمر ذاته يمكن أن ينطبق على القوة الاقتصادية الأولى في آسيا وهي اليابان· وعندما يتناول الخبراء أسباب هذه التحولات الكبرى التي تشهدها تلك المنطقة، يكون المثال الأكثر تناولاً من قبل المحللين ذلك الذي يتعلق بالتطورات المؤثرة والمتلاحقة التي تشهدها صناعة السيارات، وتنقل فيفيلد صورة معبرة عن التحولات الكبيرة التي تشهدها هذه الصناعة من المصنع الضخم لشركة هيونداي الكورية الجنوبية والقريب من مطار بكين الدولي وحيث ينشغل المئات من صغار العمال الصينيين بنقل أجزاء السيارات وتركيبها في سيارات السيدان ''سوناتا'' وذات الاستخدامات الرياضية ''توكسون'' فيما يقوم آخرون في ورشة مجاورة بطلاء هياكل سيارات ''إلانترا'' التي ستتحول إلى سيارات تاكسي تجوب مدن وقرى الصين كلها· وينتج هذا المصنع خمسة طرز مختلفة من سيارات هيونداي بمعدل 68 سيارة في كل ساعة؛ ويبلغ الحجم الإجمالي لإنتاج المصنع إلى أكثر من 300 ألف سيارة في العام إلا أن هذا الإنتاج سوف يتضاعف عندما سيكتمل بناء بقية منشآته الواردة في المخططات الأصلية للمشروع في بداية العام المقبل· ويشغّل مصنع هيونداي في بكين 4200 عامل صيني يبلغ متوسط أعمارهم 26 عاماً ويتقاضى العامل الواحد راتباً شهرياً وسطياً يبلغ 360 دولاراً؛ وربما كان الأهم من هذا الانخفاض الهائل في أجور الأيدي العاملة المتخصصة هو أن هؤلاء العمال منظمين في جمعيات واتحادات عمالية تتكفّل بشيء واحد هو تشجيع العمال على بذل المزيد من الجهود لزيادة الإنتاج والإنتاجية بدلاً من تحريضهم على مطالبة الشركة الأم بزيادة الرواتب والأجور· ويعبر نوه جاي مان مدير عام فرع هيونداي في بكين عن هذا الواقع بقوله: يتميز العمال الصينيون بالمرونة العالية بخلاف الكوريين وحيث أصبح الوضع في كوريا لا يطاق· وبالنظر لأننا ندفع لعمالنا رواتب أكثر من التي تدفعها الشركات الأجنبية الأخرى الناشطة في الصين، فإنهم يشعرون بالفخر والسعادة للعمل في شركة هيونداي ويحرصون على أداء أعمالهم على أكمل وجه· ثم تنقل فيفيلد مشهداً معاكساً لهذا من المصنع الرئيسي لهيونداي في جنوب كوريا ويدعى (مصنع أولسان) وحيث يبلغ متوسط أعمار العمال الكوريين هناك 41 عاماً ويبلغ متوسط الراتب الشهري الذي يتقاضاه كل منهم 4580 دولاراً ويصل مجموع إنتاجهم إلى 55 سيارة في الساعة، وهم يرفضون العمل بأكثر من ثلاثة طرازات من السيارات على خط الإنتاج الواحد، ويعارضون تشغيل وردية عمل ثانية لأن ذلك سيؤدي إلى اقتطاع عوائد ساعات العمل الإضافي منهم· ولعل الأهم من كل ذلك هو أن العمال الكوريين يفتقدون كل الافتقاد إلى الحماسة والجدّ في أداء العمل؛ وربما كان هذا هو السبب الأساسي الذي يدفعهم لتنظيم الإضرابات المتكررة، ففي عام ،2006 شنّ عمال شركة هيونداي إضراباً استمر من دون انقطاع 25 يوماً وكلف الشركة التوقف عن إنتاج 7800 سيارة تبلغ قيمتها الإجمالية 127 مليون دولار· وأمام هذا الوضع، لم يجد أصحاب المصانع الكوريون بدّاً من نقل مصانعهم إلى الصين أسوة بما يفعله الغربيون، وهناك يمكنهم أن يتمتعوا بمزايا كثيرة ومتعددة من أهمها رخص العمالة، والإنتاجية العمالية العالية، والبنى التحتية المتكاملة وذات تكاليف الاستخدام المنخفضة أو المنعدمة أحياناً· وأما بالنسبة لشركات صناعة السيارات اليابانية وعلى رأسها تويوتا ونيسان وهوندا وميتسوبيشي، فهي تحاول أن تفعل ما فعلته كوريا الجنوبية خاصة لأن أسعار الأيدي العاملة فيها أعلى بكثير مما هي في كوريا الجنوبية؛ إلا أن الحساسيات السياسية التي تعود إلى أيام الاستعمار الياباني للصين، تلعب دورها الكبير في فتح أسواق العمالة الرخيصة أمامها· وربما يفسر ذلك السبب الذي حمل شركة تويوتا على إقامة مصانع جديدة في تايلاند وأستراليا بدلاً من الصين كما تعمل الآن على بناء مصانع أخرى في تشيكيا وبعض دول أوروبا الشرقية الأخرى· واختارت بقية شركات صناعة السيارات اليابانية تبنّي خططاً مشابهة لتلك التي اتخذتها تويوتا· وربما يبدو من الغريب أن الصين تشجع الكثير من شركات صناعة السيارات العالمية على العمل فوق أراضيها لهدف الإسهام في رفع الكفاءة الصناعية للبلاد في هذه الصناعة حتى لو تم ذلك على حساب التنافس مع منتجات القطاع العام الصيني في الأسواق المحلية· وفي حالة حدوث مثل هذا التنافس، فإن الدولة تسارع إلى دعم الشركة المحلية لتعويضها عن الخسائر التي يمكن أن تلحق بها نتيجة لذلك· ويبدو هذا السلوك الغريب في نظر المحللين وكأنه لعبة مرهقة لا يهم فيها إلا من سيفوز في نهاية المطاف· ولا شك أن الصين ترمي من كل ذلك إلى تمتين وتوسيع قاعدتها الصناعية ومعرفة أسرار الصناعة الحديثة لتنطلق بعد ذلك إلى الأسواق العالمية لتلتهم من موائد كافة الأطراف· وقد يتجلى هذا التوجه من خلال الدعم الكبير الذي تتلقاه شركة ''جيلي'' الصينية لصناعة السيارات التي تأسست منذ عام ·1896 ومنذ عام 1994 اتجهت لصناعة الدراجات النارية لتتبعها عام 1998 بصناعة أول سيارة· وبدأت هذه الشركة الطموحة منذ عام 2003 بفتح أول سوق لها في هونج كونج كبداية أولى للانطلاق إلى الأسواق العالمية· وفي عام 2004 صدرت 5000 سيارة إلى أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية وأميركا اللاتينية مما أوحى للشركة بأن سوقاً رائجة تنتظرها في هذه الدول بسبب السعر المنخفض لسياراتها وحسن أدائها· وسرعان ما ارتقت ''جيلي'' إلى المرتبة الثانية في إنتاج السيارات بالصين عام 2005 عندما بلغ الحجم الكلي لإنتاجها 120 ألف سيارة· وتتوقع مصادر صينية وعالمية خبيرة أن تقفز مبيعات شركة جيلي إلى 750 ألف سيارة عام 2010 بحيث تصدر نصف إنتاجها إلى الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية ودول شرقي آسيا· وبهذا تكون الصين قد جمعت كل المبررات المنطقية من النواحي الاقتصادية التي تدفع الكوريين (وغيرهم) إلى إقامة مصانعهم هناك· فإلى جانب انخفاض تكلفة الإنتاج الذي أصبح يمثل حجر الزاوية في نجاح أي صناعة حديثة، هناك عوامل مهمة أخرى، كالاستقرار السياسي والنمو المتسارع والسوق الضخمة لتصريف المنتجات وتوفر الخبرات والمواد الأولية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©