الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المستحيل» في قاموس الأذكياء

8 نوفمبر 2013 20:10
نمتلك منظومة هائلة من القيم المضغوطة، كأنها ملايين البيانات المختصرة والمرمّزة في عدد من الكلمات والعديد من الأحرف والمخارج الصوتية، كل منظومة منها تحمل قدراً هائلاً من الحيل النفسية والدهلزات على الذات، أولا وأخيرا، لإقناعها بشكل مراوغ وملتو بأن الأمور تجري لصالحها تماماً، مهما كانت، هذه الذات (الأنا)، مهزومة ومقموعة ومكسورة وخسرانة. المنظومات الملتبسة هذه تأتي على شكل حقن دماغية مغلفة بسكّر التشبيهات الضمنية وأبيات الشعر والبلاغيات المواربة، التي تقول كل شيء دون ان تقول شيئا حقيقيا.... إنها فقط عملية خداع ذاتي يعرفها الانسان ويقع فيها عن سابق إصرار ولاحق تصميم. لاحظوا معي هذه الحكمة: «ما طار طير وارتفع، إلا كما طار وقع». إنها تعطيك إيحاءات بأن الآخر الذي تفوق عليك وحلق عالياً في المستوى أو المال أو الجاه أو القوة، أو يتحكم بك ويظلمك ويسرقك دون ان تستطيع المقاومة، مصيره السقوط، تماما مثل الطير الذي يرتفع، ولابد ان يسقط على الأرض عاجلاً أم آجلاً، فترتاح وتهنئ نفسك على بقائك تزحف على الأرض، فيما يحلق الآخرون. لاحظوا ان العبارة تنطلق من بديهيات علمية فيزيائية، توهمك بحقائق أخلاقية تريحك وتجعلك مرتاحا وأنت تتمرغ في طين الفشل.... بالطبع سوف يسقط الذي ارتفع.. ولو بالموت، لكنك لن تكون بحاجة الى السقوط لأنك لم ترتفع أصلاً.. وهذه هي عين الحقيقة التي لم تفكر فيها أو أنك تتناساها قاصداً، إما أنت وإما أنا.. وإما هم وإما نحن. عبارة أخرى تقول : «إذا طعنت من الخلف، فمعناه انك في المقدمة)...... يا للهبل!! ألا يمكن ان أطعن من الخلف وأنا هارب، أو نائم أو ساه أو مسطول أو (....)؟؟؟؟ لا تصدقوا أن الذي يطعن من الخلف يكون دائما في المقدمة، لكنكم تصدقون ذلك حتى توهموا أنفسكم، وتحوّلوا – واهمين- الجبن إلى شجاعة والهروب الى مواجهة، والفشل الى نصر... لكن هذا كله كلام في كلام في كلام، ولن يغير من الحقيقة والواقع شيئا... عفواً، سوف يغير، لكن الى المزيد من الفشل والهروب والجبن. وحينما يتعرض أحدنا الى مسبة قوية يكرر البيت بيتاً شعرياً نتداوله كتميمة أو (حجاب) أو «فاسوخ» ضد هجوم الآخر، والبيت هو: إذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل لا أعرف لماذا تكون مذمتي من ناقص شهادة على كمالي واكتمالي؟؟ وهل ينبغي ان أحضر مجنونا او تافها ليشتمني، لأثبت للناس أني كامل (ولست يوسف)؟! مهما يكن، لكن البيت يمتلك تأثيراً سحرياً عابراً للزمان والمكان، إذ سرعان ما يتراجع المهاجم الأول ويسكت عن الكلام المباح. وليس آخر، نحن بحاجة الى ورشة لغة.. بل ورشة قيم وعادات وتقاليد نلقي فيها هكذا حثالات لغوية الى مزبلة التاريخ، ونعيد إنتاج قيم أكثر جدوى وواقعية وحقيقية، مهما كانت حقيقتها جارحة، إذا لم نشرع في ذلك من الآن فإننا مهددون بالخروج من جغرافيا التاريخ منبوذون في زواريب الزمن الخلفية، ونحن نتخيل بأننا نجلس على قمة العالم. ونشرب الماء كدرا وطينا وبلهارسيا، ونحن نعتقد أننا نكرع مياه صافية. أو ان صبياننا هم أسياد العالم و(تخرّ) لهم الجبابر ساجدينا، وإننا نملأ البحر (سفينا) .... ولم نكن نجيد مجرد السباحة آنذاك. وننسب عبارة لنابليون تقول «كلمة مستحيل موجودة في قاموس الحمقى».. وهي العبارة التي قتلت نابليون ومرغته بالثلج الروسي حتى انتهى لأنه أراد ان يحقق المستحيل، بحماقة. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©