الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسرار البحر

أسرار البحر
18 فبراير 2017 23:59
كثيرون هم من تكلموا عن البحر، نسجوا مع البحر حكايات وروايات، منهم من غازله وتفنن بأساليب التعبير عن ذلك الغزل، ومنهم من هاجمه واعتبره خائناً غدّاراً، منهم من جعل منه محبوبه الغائب فشكا له قسوة البعد، ورمى في البحر رسائل أشواقه، عسى أن يوصلها ذلك الموج لمن طال غيابه، ومنهم من تواعد مع البحر عند المغيب ليشهد رسم تلك اللوحة الرائعة التي تعانق فيها أشعة الشمس الغائبة أمواج البحر النائمة. من أين لك كل هذه الروعة، أنت أيها البحر، يا من تأتي بكل هدوء وراحة، ويا من لديك كل القسوة حين تغضب، أمام شاطئك، يقف المرء متأملاً هذا الكم الهائل من الماء، باحترام ووجل، لهذا العالم المجهول الغريب. أمام البحر تستحضر كل لحظات السعادة والحزن في آن واحد، ما هي حياتنا غير تلك الأصداف الملقاة على الشاطئ الذهبي، يتراجع الماء في مد وجزر، وتبقى الأصداف على الرمل، بانتظار الأطفال لجمعها، وتغيب الشمس خلف الماء، تاركة لأشعتها أن ترسم لوحة جميلة، ويبقى الدفء على الأرض. أحبك أيها البحر، بقدر خوفي منك، أخشى غضب أمواجك، وأخاف مفاجآتك، فأكتفي بتنسّم هوائك العليل، وتأمل زرقة وجهك، ليتني أستطيع أن أثق بك أيها البحر، فأنا أخاف غدرك. أيها الصديق العزيز، يا حافظ الأسرار، يتدلى القمر من فوقك، وتتحرك السفن ببطء، أيها البحر، لا تغير مزاجك، فأنا وأنت أصدقاء. من يستطيع تفسير غموضك أيها البحر الواسع، أنت والجمال توأمان، الجمال من فوقك، والجمال في أعماقك. النوارس تغني شكراً للسماء، والصخور تنحني إجلالاً لإطلالتك، وغروب الشمس، خيوط غزل ذهبية تطرز ثياب الأفق على شاطئك. فيك أيها البحر، زرقة السماء، ومكان للحرية، تغلف الكوكب الأرضي بمياهك، وتطهر الأشياء من درن الاتساخ، زرقة وجهك وهدوئك، وصمتك في محياك. كثيرون قالوا عن البحر غداراً، كثيرون قالوا إنه يخفي أسراراً، كثيرون قالوا إنه أناني وجبار، وكثير قالوا وقالوا، رغم كثرة ما قالوا، كتبوا في غدره أشعاراً، رغم كثرة ما قالوا كشفوا أمامه أسراراً، رغم كثرة ما قالوا أخذوا منه لؤلؤاً ومحاراً، رغم كل هذا يشكّون في طيبته. فإذا أحببت أن تسأل عن البحر، فاسأل عنه البحَّار. حملتُ أوراقي واتجهت إلى البحر، اتجهت هناك لأرى ذلك المنظر الذي لطالما ملأ القلوب بمشاعر تختلط بمجرد رؤيته، وتهمس العيون بما في الخواطر من جنون لأجله. إنه موعد غروب الشمس، وقفت أمام ذلك البحر، كانت أجواؤه لطيفة، وألطف ما هناك صوت الأمواج، تشعر بأنك في صفاء بعيد عن الهموم، تنظر حولك وترى المنظر الجميل، والبحر والشمس يتهامسان، وقوارب الصيد الصغيرة التي تذكّرك بالماضي الجميل. فارس رحال - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©