مناسبات الجدول الدوري

عندي عجز تام عن حفظ الأرقام وما يرتبط بها، لذا أعاني حالة مزمنة من نسيان أعياد الميلاد وذكرى وفاة فلان وعلان.. وبالطبع تلك المناسبات الشيطانية العجيبة مثل الفالنتين.. إلخ .. ولنفس السبب أحتفظ على تقويم المكتب بتاريخ كل شيء تقريباً، وهكذا أتذكر كل مناسبة صباحاً.. احترت كثيراً عندما قرأت عبارة «إيهاب BD» ذات صباح.. ورحت أحاول أن أتذكر معنى هذا.. القاموس يؤكد أن BD معناها «التخلص من القنابل Bomb disposal» لكن منذ متى يعمل إيهاب خبيرا في المفرقعات؟.. ومنذ متى صار إرهابياً؟.. في النهاية قرب منتصف الليل تذكرت أن المقصود بها أن اليوم عيد ميلاد Birthday صديقي إيهاب.. لهذا يمكنك أن تفهم دهشتي عندما أرسلت لي مجلة أكتب فيها هدية، عبارة عن صندوق من الخشب.. لم أفهم المطلوب.. هل المقصود أنهم يتمنون لي الموت والدفن؟.. في صقلية يرسلون لك سمكة منتنة بالبريد بمعنى أنهم يتوعدونك بالموت، لكن ما معنى صندوق خشبي؟.. في النهاية أصابهم الذهول لأنني لم أفهم.. كانوا يحسبونني مثقفاً ذكياً .. إن هذا الصندوق يعني أن العيد الخشبي قد جاء لأنني أعمل مع المجلة منذ خمسة أعوام.. أما عن زوجتي فقد أهدتني وعاء من الخزف الصيني.. وابتسمت بسمة مشرقة ضحوكاً. كان علي أن أكون عبقرياً لأفهم أن العيد الصيني يعني مرور عشرين عاماً على الزواج.. وقد تضايقت هي جداً عندما عرفت أنني أحمق ولم أفهم معنى هذه الهدية.. ابني تلقى هدية عبارة عن قطعة عاج من المدرسة.. رفاقه أعطوه هذه الهدية، وفيما بعد فهمت أن العاج يعني مرور أربعة عشر عاماً... هذا عيد ميلاده الرابع عشر.. الحياة معقدة بما يكفي فلا يمكن أن نزيدها تعقيداً برموز الجدول الدوري هذه.. يبدو الأمر وكأننا في درس كيمياء نتعامل مع الخواجة مندلييف.. ولن أندهش لو وجدت أن هناك أعياد يورانيوم وجرمانيوم وفرانسيوم.. في سن الخامسة والعشرين تلقيت هدايا من فضة.. اليوم أنا في الخمسين لكن أحداً لم يهتم بأن يرسل لي هدايا من ذهب، رغم أنهم يعرفون جيداً أن الذهب رمز العيد الخمسين... وبالطبع لو عشت حتى الخامسة والخمسين فلسوف ينسون هذه القاعدة تماماً، ولن يرسل لي أحدهم هدية من زمرد أبداً .. اضطررت إلى كتابة قائمة تذكرني بهذه العناصر اليوبيلية: الأول الورقي - الثاني القطني- الثالث الجلدي- الرابع الوردي- التاسع القصديري- العاشر النحاسي- الرابع عشر العاجي- الخامس عشر الكريستالي ـ العشرون الصيني ـ الثلاثون اللؤلئي- الأربعون الياقوتي- الخمسون الذهبي- الستون الماسي. هكذا يمكن باطمئنان أن تصل إلى قاعدة، هي أن تجامل الناس في المناسبات التي لا تتجاوز عشرين عاما.. هكذا تظل في دائرة الورق والجلد والقطن.... بعد هذا تصير التكلفة باهظة جداً.. لا تجامل أبداً رجلاً تجاوز الخمسين أو شركة تعمل منذ ستين عاماً.. القاعدة الثانية هي أن الحياة تنتهي عند الستين.. لا توجد مناسبات جديرة بالذكر بعد الستين ما لم تقرر أن تجعل اليورانيوم رمز اليوبيل السبعيني والنيون رمز اليوبيل الثمانيني.. أما القاعدة الأخيرة فهي أن تتجاهل هذه الرموز.. عندما أكملت زوجتي عيد ميلادها الأربعين، أهديتها حقيبة صغيرة من الجلد.. قالت لي في خجل إنها شاكرة جداً لكن الأربعين هو يوبيل العقيق، فقلت لها إنني سأظل أعتبرها طفلة في الثالثة من عمرها مهما طال الزمن.. المناسبات من هذا النوع خلقت للتعذيب، خاصة لضعفاء الذاكرة الرقمية مثلي.. لهذا أفضل أن أتجاهلها تماماً إلا إذا قرر أحدهم فعلاً أن يتذكرني بهدية من الزمرد في عيد ميلادي الخامس والخمسين. د. أحمد خالد توفيق