الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقهى ريش يجمع ناصر وصدام ويدخل حارة محفوظ

مقهى ريش يجمع ناصر وصدام ويدخل حارة محفوظ
19 مارس 2009 23:53
في العقار رقم 17 بشارع طلعت يقع مقهى ريش وهو الأشهر في القاهرة·· وواحد من 4 مقاه في مصر وتونس والجزائر والمغرب تحمل نفس الاسم، حيث تتشابه مع المقهى الفرنسي ريش، ولكن حسب اعتراف كل رواد مقهى ريش فإن مقهى القاهرة هو الأقرب من حيث الديكور والنكهة من المقهى الباريسي· مقهى ريش تأسس في عام 1908 على يد ألماني مقيم بالقاهرة، لكنه باع المقهى في عام 1914 إلى هنري بيير الفرنسي الذي أطلق عليه اسم ريش حتى يكون النسخة الثانية أو الشقيق الأصغر لأشهر مقهى في العاصمة الفرنسية·· ''كافيه ريش''· وكان المالك الفرنسي يسعى لتوفير الراحة لأبناء بلده المثقفين، الذين يحلمون بقضاء وقت ممتع في مصر للتعرف على الثقافة المصرية·· وخطط هنري بيير، فوفر مقهى لا يختلف شكلا ومضمونا عن مقهى ريش الموجود في باريس· ولكن هنري بيير اضطر الى بيع المقهى إلى يوناني يدعى ميشيل بوليدس التاجر العاشق للقاهرة والفن·· وبجوار المقهى أسس مسرحا حوله حديقة بها أكشاك للموسيقيين يعزفون مقطوعات عالمية مع اقتراب غروب الشمس·· والتوسعات التي أجراها اليوناني بوليدس جعلت رواد المقهى من أبناء الطبقات الارستقراطية في الربع الأول من القرن الماضي· وكان مقهى ريش في أربعينيات القرن الماضي سببا في ولادة الفكرة لإنشاء نقابة للموسيقيين في مصر، بعد أن كثرت اجتماعات عباقرة الفن بالمقهى، الأمر الذي طرح فكرة لماذا لا تكون هناك نقابة تتكلم باسم الموسيقيين؟ هنا ريش وعندما ذهبت إلى مقهى ريش كان مديره مجدي ميخائيل جالسا على مكتبه يتابع ما تبثه الفضائيات الإخبارية·· لم يتحدث معي كثيرا وقال لي تجول وسوف تعرف كل شئ عن المقهى، نحن أشبه بالمتحف التاريخي، وعلى بعد خطوات قليلة منه كان يجلس رسام الكاريكاتير المعروف حسانين الذي أكد أن حكايته مع المقهى بدأت في عام 1975 عندما كان شابا كله حماس، فكان يأتي إلى المقهى من أجل مشاهدة الأدباء والكتاب الكبار، وفي مقدمتهم نجيب محفوظ الذي كان في ذلك الوقت محافظا على الحضور إلى المقهى بمواعيد ثابتة، فيأتي إليها في فترة العصر ويلتقي بتلاميذه · وكما هو مدون ومعروف أن ريش هو مقهى الصفوة أو المثقفين·· فهو المقهى الذي جلس عليه يوما جمال عبدالناصر قبل أن يخطط لثورة 23 يوليو التي كانت سببا في جلاء الانجليز بعد أكثر من 70 عاما من الاحتلال لمصر، وكان ريش هو المقهى المفضل للرئيس العراقي صدام حسين أثناء دراسته في مصر، وعبدالفتاح اسماعيل رئيس جمهورية اليمن السابق، واعترف لي حسانين رسام الكاريكاتير أن مجدي ميخائيل رغم أنه هو المالك إلا أن الملاك الحقيقيين الذين لا يعرفهم أحد هم المثقفون الذين ارتبطت حياتهم بمقهى ريش·· الذي كان أشبه بالبيت الكبير لهم· زبائن ريش ولن تجهد نفسك كثيرا وتسأل عن من جلس على ريش من المشاهير، فالصور التي تحتل صالون ريش تشرح لك كل الشخصيات التي جاءت إلى هذا المقهى، ومن هؤلاء مصطفى أمين وشقيقه علي، ونجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس، وأم كلثوم·· وعبدالوهاب·· وكامل زهيري وتوفيق الحكيم·· ويوسف القعيد·· وعبدالرحمن الأبنودي·· وأحمد فؤاد نجم الذي ألف قصيدة عن ريش قام بغنائها توأمه الشيخ إمام عيسي في سبعينات القرن الماضي والتي تقول كلماتها: يعيش المثقف على مقهى ريش·· يعيش·· يعيش·· يعيش· محفلط مظفلط كتير الكلام·· عديم الممارسة عدو الزحام· وكان حتى سنوات قليلة يعقد الأديب علاء الأسواني ندواته الأسبوعية بالمقهى مساء كل خميس، مصاحبا أصدقاءه يتسامرون وبعد عدة ساعات ينصرفون·· وربما علاء الأسواني عشق ريش لأن والده الأديب عباس الأسواني كان من رواد المقهى · ريش مقهى - يخلو على غير عادة مقاهي مصر- من الشيشة، أو أي ألعاب للتسلية، فتجد كل شئ له صلة بالثقافة من حفلات غنائية ومعارض ومواعيد ندوات شعرية وإصدارات جديدة تم طرحها في شارع الكتب والمكتبات·· ومشروب الشاي في ريش له نكهة خاصة ويقدمه جرسون يرتي زيا لن تراه إلا في أفلام زمان· وعلى حوائط المقهى صورة لجرسون يقدم القهوة للراحل نجيب محفوظ·· وحال الصور يشرح أن الجرسون كله سعادة بأنه تخصص أن يطل على نجيب محفوظ كل يوم حاملا فنجان القهوة· ولأن ريش كان ملتقى المبدعين والمفكرين فإن سنوات ما قبل المحمول كان الراغب في لقاء أديب أو مفكر لا يتصل عليه، بل يتوجه إلى ريش ليجده هناك· ومع نكسة يونيو 1967 صار المقهى هو ساحة الفضفضة لكل أبناء الجيل الذين رفضوا الهزيمة، ونجحوا من خلال أحاديثهم الهادفة في صناعة العزيمة والخروج من حالة اليأس والإحباط· ملك المثقفين ويقال إن هناك مؤامرة على ريش، وضغوطا على صاحبه لكي يبيع المقهى·· وهناك مجهول أراد شراءه منذ عدة سنوات وعرض مبلغا خياليا، ولكن مديره رفض لأنه يعترف بأن ريش لم يعد ملكا له بل صار ملكا للمثقفين، الذين يرددون بأن وجود المقهى يعد أثرا حتى إن لم تدرجه وزارة الثقافة ضمن المباني الأثرية النادرة· حكايات عن ريش العديد من رواد المقهى يتكلمون عن الربع الأخير من القرن الماضي، عندما كان يتجمع كبار الأدباء حول نجيب محفوظ ليستمتعوا بأحاديثه، كما شهد المقهى قصة الحب التي توجت بالزواج ما بين روز اليوسف وإحسان عبدالقدوس والد الصحفي الشهير محمد عبدالقدوس·· وفي نفس الوقت كان المقهى سببا في ولادة زهور الحب في قلبي كل من الشاعر الراحل أمل دنقل وعبلة الرويني التي تزوجت منه وكانت ريش شاهدة على الحب والزواج· وأم كلثوم في عام 1923 قامت بأداء حفل في ريش اليوناني ميشيل بوليدس، والذي نشر إعلانا في إحدى الصحف في ذلك الوقت قال فيه: تطرب الجمهور مساء 31 مايو·· بلبلة مصر الآنسة أم كلثوم· والملاحظ أن أم كلثوم لها صورة كبيرة في الصالون، وربما تكون هي ونجيب محفوظ من أصحاب أكبر الصور بالمقهى·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©