الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا قبلية في الأدب

لا قبلية في الأدب
5 نوفمبر 2015 01:18
تعيش آدابنا وكتاباتنا حالة تشبه واقع المكان المنبثقة منه، تنقلها، وتعكسها في الثيمات والحبكات وحتى في الأسماء، فحدث أن تنحّت صفة «العربي» لمصلحة صفات الأقطار المتشرذمة، وصار لأدبنا 22 اسماً، وأحياناً أكثر بكثير، حيث لم تستطع اللغة العربية، والهوية الكبرى المشتركة أن تبقي إبداعات الأدباء العرب تحت مظلة واحدة، ووقف التاريخ عاجزاً أمام سطوة الحدود السياسية المعاصرة. ومنه صرنا أمام نتاجات أدبية بروح الفرقة. رضاب نهار أن تظل تلك التصنيفات والتسميات ضمن إطار منح الخصوصية للأعمال وقراءتها نقدياً بعلاقتها مع الزمان والمكان، هو أمر يزيد الإبداع قوة وجمالية، لكن أن تتحول إلى فرز مناطقي تعصبي، نكون قد وقعنا في هوة الانفصال من جديد، وهذه المرة بصورة كارثية أكبر، إذ إنها تطال العنصر الثقافي والفني لشعوبنا. لذلك كان لا بد من لقاء مجموعة من الأدباء والمختصين، لمناقشة القضية في شكلها الراهن. والسؤال حول ما إذا كان الفرز له آثار إيجابية أم سلبية. تنوع وغنى يبيّن الكاتب والناقد محمد برادة، من المغرب، أن التمييز المناطقي في الأدب فعل مفيد للقارئ، سواء كان قارئاً عربياً أم أجنبياً، بمعنى أن هذا التمييز بين البلدان يدل ويحيل إلى الخصوصية، وقد أثبتت التجارب الحضارية أن ثمة فروقاً غير معيبة على الإطلاق بين الشعوب، وعلى العكس، تراها تمنح الغنى والجمالية والفرادة للعمل الأدبي. مؤكداً أن التصنيفات ليست إقصاء أو تطرفاً. لكنها تتبع للتعددية في الوطن العربي، حيث لا زالت اللغة هي ما يجمع البلدان التي حاولت التوحد وفشلت. ويشير إلى أن التميز المناطقي بصيغته الإيجابية، يدخل أحياناً في تقنية الكتابة ولغتها، فاللغة المحلية الدارجة التي تتخلل اللغة العربية الفصيحة في الرواية والقصة والشعر، تغني العمل ضمن حالة من استلهام الواقع حسب الموقع التاريخي والجغرافي والسياسي، حتى أننا قد نلحظ بعض المتغيرات على صعيد تركيب العبارة واستخداماتها، بما يعكس طبيعة الحياة في بلد المؤلف أو بلد الحكاية، أدبياً وفنياً. لافتة التصنيف ويحيل الكاتب عبد الهادي سعدون، من العراق، المسألة إلى غرض الإحاطة بموضوع العمل الأدبي عن طريق النقد. فيقول: «إن طرحنا لقضية الرواية العربية أو القصة العربية، أمر شائك ويحتاج إلى استيعاب كبير، ففي حين ظهر في السنوات الأخيرة أكثر من 120 روائياً عراقياً، وأكثر من 100 روائي مصري بعد الربيع العربي، يغدو من الصعب جداً حصر كل هذه النتاجات في بوتقة الأدب العربي. وعند دراستنا للمواضيع المطروحة، نخلص إلى أن الوضع السوري يختلف عن العراقي ويختلف عن المصري وعن الخليجي والمغربي وهكذا». ثم يضيف: «أعتقد أنه من الخطأ زج كل هذه التجارب تحت لافتة «اللغة العربية». نحن جميعاً نكتب باللغة العربية، لكن هل يوجد في الحقيقة تشابه بين الروايات؟ لا طبعاً. لذا أؤكد أن تصنيف «الأدب العربي» ليس منطقياً، وأنا ضده. وللتفسير أكثر، أعطي مثالاً عن كتاب أميركا اللاتينية الذين يعانون بكثرة من هذه التصنيفات. من بينهم الحائز على نوبل ماريو بارغاس يوسا وهو كاتب بيرواني من البيرو.. وغابرييل ماركيز وهو كاتب كولومبي، لكنهم يجمعون تحت بند «أدب أميركا اللاتينية»، مع العلم أننا حين نجرّد الأدب من هويته، لن يفهمه أحد. وبالتالي دمج جميع كتاباتنا لمصلحة مصطلح الأدب العربي، يجردها من خصوصيتها ومن فرادتها. الخاص والعام معتبراً هذه التصنيفات، غير مجدية ولا يوجد مبرر لاختلاقها، يقول الكاتب المسرحي إسماعيل فهد إسماعيل من الكويت، أن اللغة هي التي تحدد جنس العمل الأدبي، ولا مبرر أبداً لهذه التصنيفات الإقليمية. قد نقول مخرج مصري، كاتب سوري، ممثل كويتي، كإشارة إلى جنسية المبدع وانتمائه، ولكن لا نستطيع أن نقول أدب أو مسرح سوري، مصري، كويتي. علينا استبدالها جميعاً، بمصطلح وحيد هو «أدب عربي» ومثله «الرواية العربية»، «المسرح العربي»، «الشعر العربي» وغيره من التصنيفات النقدية، حتى أني أرفض تصنيف ما يسمى بالأدب النسوي، الأدب لا يمكن تصنيفه. وعن تجربته الشخصية في هذا الجانب، يعود بنا إلى أول كتاب نقدي كان قد أصدره في الماضي تحت عنوان «القصة العربية في الكويت»، ليوضح أن الخصوصية لا تتنافى أبداً مع الإطار العربي العام للأدب والفن. محاصصة سنوية ويتحدث الناقد والكاتب محمد العباس من السعودية، حول الموضوع، بالاستناد إلى ما يصطحب نتائج الجائزة العالمية للرواية «البوكر»، التي وما إن تعلن حتى يبدأ القراء بالتساؤل عن بلد الفائز. وكأن الجائزة مكافأة لهذا القطر أو ذاك ولا علاقة لها ببراعة الروائي وفرادته. لدرجة أن القراء باتوا على قناعة بأن الجائزة تخضع إلى محاصصة سنوياً لتشمل كل أقطار العالم العربي. وعلى الرغم من تهافت هذا الاستنتاج المدحوض أصلاً بنتائج الجائزة خلال دوراتها السابقة. إلا أن الإعلام القُطري المناطقي صار يعمّق هذا الاعتقاد لدى القراء انتصاراً لروائيي بلده. حيث تُجرى الحوارات الإعلامية على هذا الأساس. كما تُكتب التقارير الصحفية بمقتضى ذلك التصور. والأسوأ أن مثقفين وروائيين ونقاداً يتورطون في توطين تلك الأفكار الساذجة في المشهد الثقافي». ويفسّر: «هو أمر طبيعي لأن الجائزة من وجهة نظر أولئك هي غنيمة مناطقية. لا علاقة لها بالأدب، وهذا ناتج في الأساس عن طبيعة الوعي بمفهوم الرواية كمكتسب إنساني، حيث أسرفت الأدبيات العربية في الحديث عن رواية مصرية وسورية ومغاربية وخليجية وهكذا. ليس بالمعنى الأدبي ولكن من منطلق المفاضلة، فيما كان يُفترض أن تُقارب الرواية العربية داخل سياقها العالمي باعتبارها جزءاً من اشتغال إنساني، إذ يمكن، بل ينبغي قول: «الرواية في مصر، الرواية في الخليج، الرواية في المغرب وهكذا، لأن هذا التصنيف يحفظ للرواية أدبيتها ويعمق صلتها بالخطاب الروائي الذي يرى الرواية ملحمة العصور الحديثة، كما يعصمها من نبرة التباهي المناطقي أو الإقليمي. التي أسست لهذا الانحراف في التعاطي مع الفن الروائي. حيث أُثقلت الذهنية العربية بسجالات عن أول رواية عربية في إطار التأكيد على الريادة، فبعد الحديث عن الريادة المصرية من خلال رواية (زينب) لمحمد حسين هيكل، توالت الدراسات التي تنتصر لأقاليم عربية أخرى، إذ يميل بعض الدارسين إلى ريادة اللبناني خليل الخوري في هذا الصدد، كما يرجّح آخرون السوري فرانسيس مرّاش وهكذا». مما سبق يبيّن العباس أن السباق نحو تأكيد الريادة المناطقية كانت له تلك الجذور الراسخة في وعي الإنسان العربي بالخطاب الروائي. لتكتمل حلقة الفرز الشائه للرواية العربية بما يؤديه الإعلام والنقد والقارئ والمؤسسة الثقافية أيضاً، حيث يخضع كل أولئك إلى ضغوطات السياسة وإملاءاتها التي تشكل في المدار الأدبي امتداداً لما يؤدى في الحقل السياسي. وأعتقد أن العبء يقع على المثقفين من الروائيين والنقاد لصد تداعيات هذه الظاهرة الانحرافية، وذلك من خلال تخليص مصطلح الرواية العربية من مناطقيتها. والتأكيد على حضورها الأدبي ضمن سياق عالمي وليس داخل تصنيفات إقليمية ومناطقية ضيقة. مع الحفاظ والاعتراف بالخصائص الفنية والمضمونية للرواية التي تُكتب في هذا البلد أو ذاك، حيث يمكن أن يكون التنوع الأدائي مدخلاً للارتقاء بالفعل الروائي وليس فرصة للمفاضلة والاحتراب على هامش الأدب. ظاهرة مرضية ويعيب الروائي والأديب علي أبو الريش، من دولة الإمارات العربية المتحدة، على مجتمعاتنا هذه الظاهرة، مبيناً أنها مرض يكشف مدى تشظي العالم العربي ووقوعه في فخ التفرقة حتى فيما يخص الثقافة والمثقفين. فيقول: «للأسف الشديد لقد وصلنا إلى القرن الحادي والعشرين وحققنا تقدماً ثقافياً على المستوى العالمي، لكن لا زال فكر القبلية يسكن في اللاشعور الجمعي لدينا، منسحباً على الأدب وتصنيفاته. فبرز لدينا ما يسمى بالأدب الإماراتي، الرواية السعودية، المسرح الكويتي، الرواية المصرية وغيرها من التقسيمات المناطقية». ويرى من وجهة نظره، أن التفكير أو التقسيم المناطقي في الأدب العربي، هو حالة تهشيم للبناء الإبداعي الكوني، فالكاتب لا يتغير سواء كان من «نيكاراغوا» أو من «رأس الخيمة»، كونه يعالج ثيمات إنسانية وهموماً مشتركة عن الحب والفقر والمأساة والكره والظلم. فكيف نصنع الحواجز داخل الوطن الواحد الممتد من المحيط إلى الخليج، في الوقت الذي نسعى فيه نحو العالمية؟ الأمر الذي يدلّ على أن الثقافة العربية تمر في مرحلة طفولة ولم تحقق وعيها الكامل، مؤكداً عدم ضرورة وجود كم ثقافي، لأننا معنيون بالنوعية والمضمون قبل أي شيء. فوارق طبيعية بدوره يعترف الروائي عبد الرشيد محمودي من مصر، أنه ليس لديه اعتراض على الأقاليمية إذا كانت تعني نسبة العمل الأدبي إلى البلد الذي صدر عنه أو إلى مؤلفه مع وصفه بأنه على سبيل المثال فلان العراقي أو السوري أو المصري أو ما إلى ذلك. ومما لا شك فيه أن العمل الأدبي أو النوع الأدبي قد تكون له صبغة ترجع إلى البلد الذي ظهر فيه، فالمسرح المصري مثلاً قد يختلف عن المسرح الإماراتي أو المسرح الفلسطيني، ويستطيع النقاد أن يبرزوا أوجه الاختلاف. ومن المؤكد أيضاً أن الغناء العراقي يختلف عن الغناء المصري، بل وقد يختلف العزف على آلة موسيقية مثل العود بين بلد عربي وبلد آخر. وكل ذلك من الأمور الطبيعية، وهذه الفوارق الأقاليمية لا تختلف عن الفوارق بين أفراد الأسرة الواحدة. ولكنه يعترض على الأقاليمية إذا كانت تعني إسقاط الانتماء العربي الشامل تماماً. فالاختلافات التي ذكرها أو التي يمكن أن تذكر في هذا الباب لا تعني أن ثمة أدباً عربياً مشتركاً بين جميع البلدان العربية، قائلاً إن عوامل الوحدة بين مختلف الآداب الإقليمية كثيرة، ومن بينها اللغة الواحدة (حتى لو استخدمت العامية الخاصة ببلد أو آخر) في بعض الحالات. وهناك أيضاً التراث العربي الذي ننهل منه جميعاً ونستلهمه. يضاف إلى ذلك عوامل التأثير والتأثر؛ فهناك علاقات متشابكة بين الآداب العربية المختلفة، وهي علاقات مستمرة طيلة قرون. ومثال ذلك أن ما يسمى بالشعر الحديث أو شعر التفعيلة في مصر لعله تأثر برائد عراقي أو آخر في هذا المجال. وربما كان أدونيس السوري قد تأثر ببعض الشعراء اللبنانيين. ولأدونيس كما هو معروف أتباع كثيرون في بلدان عربية مختلفة. ويختم: «بصفة عامة ليس هناك حدود فاصلة قاطعة بين آداب الأقاليم العربية المختلفة. والأدب العربي لا يختلف من هذه الناحية عن الأدب الناطق بالإنجليزية أو الأدب الناطق بالفرنسية، على سبيل المثال. فهناك في جميع الحالات تعدد وفوارق في نطاق من الوحدة».. حالة تشظٍّ أما الكاتب والروائي أسامة العيسة من فلسطين، فيعتقد أن الأدب العربي، يعكس حالة التشظي في كل بلد عربي، وبين البلدان العربية، نتيجة ما فعلته السياسة، وبرز بشكل خاص في السنوات الأخيرة. ومن خلال تجربة شخصية يروي لنا نظرته لمسألة «المناطقية في الأدب»، قائلاً: «أحياناً أتساءل عن معنى أن أكون كاتباً فلسطينياً، جدي كان مواطناً عثمانياً، يستطيع أن يتحرك من دون تصاريح مسبقة، في ما يعرف الآن بالوطن العربي، إضافة للدول التي كانت ضمن الإمبراطورية العثمانية، ولكن الأمر اختلف مع والدي الذي ولد في ظل الانتداب البريطاني، ثم قُسمت فلسطين، واحتلت، وعاش والدي في القسم الأردني، وفي حزيران 1967 «وحّد» الاحتلال الإسرائيلي فلسطين الانتدابية، ثم تشرذمت، أنا لا أستطيع أن أصل غزة أو يافا، أو حيفا، وممنوع علي الوصول إلى القدس التي تبعد عن مسكني 7 دقائق بالسيارة.. فلسطين نموذج مبكر للتشرذم المكاني العربي، ولكنها وحدها لا يمكن أن تعطي صورة عمّا يحدث، عندما حدد العثمانيون والبريطانيون الحدود بين مصر وفلسطين، أصبح المواطن الذي يعيش في رفح المصرية، مصرياً، وشقيقه الذي يعيش في رفح الفلسطينية، فلسطينياً، وإذا أدركت أي منهما حرفة الأدب فسيكون الأوّل كاتباً مصرياً، والثاني كاتباً فلسطينياً». ويختم بالقول: «بعيداً عن الواقع الكاريكاتوري، الذي يتعصب له الناس في بلادنا، بشكل غريب، ويدافعون عن هويات إقليمية ضيقة، ليست من صنعهم، فإن غياب المشروع القومي الديمقراطي، يعمق التشظي، والتشرذم، فمثلاً هناك ما يمكن أن توصف بأنها رواية أميركية لاتينية، أو أدب أميركي لاتيني، أو أدب أفريقي، ولكن من الصعب إطلاق مثل هذا المصطلح العام على الأدب العربي، لعلنا سنشهد في السنوات المقبلة، سمات جمالية معينة لأدب عربي يكون نتاج ما يكتب في بلداننا، بدوافع ذاتية، ووسط صعوبات جمة تواجه الكُتّاب».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©