السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الواقع ينتقم من الآيديولوجيا!

الواقع ينتقم من الآيديولوجيا!
5 نوفمبر 2015 01:18
ليس من قبيل المبالغة القول بأن الفكر العربي يواجه الآن أخطر محنة في تاريخه. وهي محنة تتهدد وجود العرب ككتلة حضارية من جملة كتل أخرى ضخمة: كالكتلة الأوروبية، أو الأميركية، أو الصينية، أو الهندية، أو اليابانية، أو التركية، أو الإيرانية، الخ.. العرب مهددون الآن ليس فقط في جغرافيتهم وإنما أيضاً في لغتهم وآدابهم وحتى في وجودهم. كل الانقسامات التاريخية المطموسة تنفجر الآن من تحت أقدامنا كالقنابل الموقوتة. وكنا اعتقدنا أو توهمنا بكل سذاجة أننا تجاوزناها. وأقصد بذلك الانقسامات العرقية اللغوية، أو الطائفية المذهبية. كل ما حاولنا تحاشيه طيلة المرحلة الماضية أو غض الطرف عنه وطمر الرأس في الرمل كالنعامات خوفاً من مواجهته أصبح يترصدنا، يقف أمامنا كالخطر الماحق. النزعات الانعزالية أو الانفصالية لم تعد تعني فصل المغرب عن المشرق مثلًا، ولا حتى تقسيم العالم العربي إلى أربعة أقاليم أساسية: هي بلاد الشام والعراق، أو وادي النيل من مصر إلى السودان، أو شمال أفريقيا والمغرب العربي الكبير، أو منطقة الخليج العربي واليمن. لا. هيهات! الانقسامات أصبحت ذرية فسفيسائية تريد تفكيك المفكك وتقسيم المقسم. تقريباً كل منطقة ستصبح دولة على أساس عرقي أو مذهبي.. إنها تعني تفتيت القطر الواحد إلى كيانات عدة منفصلة ومتناحرة كسوريا أو اليمن أو العراق أو ليبيا والحبل على الجرار. فالبعض أصبح يتحدث عن تقسيم سوريا إلى ثلاث دول أو ربما أربع أو خمس، والعراق إلى ثلاث دول، وتقسيم اليمن إلى دولتين أو ثلاث، وتقسيم ليبيا إلى ثلاث أو أربع، الخ.. الخ.. أولًا: الانقسامات العرقية اللغوية لمعالجة كل ذلك اسمحوا لي هنا أن أخرج على لغة الأدلجة العقيمة، وأن ألجأ إلى لغة الحقيقة والصراحة بقدر الإمكان. وأول شيء سأقوله هو التالي: لا تستهينوا بهذه الانقسامات ولا تعتبروها صنيعة الاستعمار أو مجرد فقاعات ترغو على السطح. فهذا كلام سهل يخدر العواطف ويطمئن المشاعر ولكنه لا يحل المشكل. كفانا ثرثرات في الهواء. وحدها لغة الحقيقة والفلسفة قادرة على مواجهة الاعصار. ينبغي الاعتراف بأن ما يحصل الآن في العالم العربي هو حركة صاعدة من الأعماق بل وأعماق الأعماق. وبالتالي فسوف تشغلنا طيلة عقود عدة مقبلة، ولن تحل بين عشية وضحاها. فنحن توهمنا في الخمسينات والستينات أن الوحدة العربية على الأبواب. ورافقت ذلك حماسة جماهيرية عاطفية جميلة جداً ومشروعة. ولكنها استهانت بالعقبات بل وطمستها كلياً فكان أن حصدنا الخيبات الكبرى لاحقاً. وهذه هي مشكلة الفكر الآيديولوجي أو المؤدلج: إنه يقدم دائماً صورة وردية عن الواقع محاولًا طمس كل ما لا يتماشى مع رؤيته الاختزالية لهذا الواقع بالذات. أما الفكر العلمي فيفعل العكس: إنه يصف الواقع كما هو بكل مكوناته وتعقيداته وعناصره من دون أن يحذف منه أي شيء. وأقصد بالعقبات هنا الانقسامات العرقية والطائفية بالذات. لنسم الأشياء بأسمائها هنا: الانقسام العرقي اللغوي الذي يتهدد المشرق هو الكردي - العربي. والانقسام الأكبر الذي يتهدد المغرب الكبير وإن بدرجة أقل هو العربي - الأمازيغي. هناك شعور بالغبن والقهر لدى الأقوام غير العربية. هناك شعور بأن لغتها غير محترمة داخل الفضاء العربي بل وغير معترف بها. لحسن الحظ فإن المغرب اعترف في دستوره الجديد الأخير بالأمازيغية كمكون أساسي من مكونات الأمة المغربية والهوية الوطنية. بل وسمح بفتح إذاعات باللغة الأمازيغية، وكذلك قنوات تلفزيونية وجرائد. بل ودشن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في الرباط. وأدى كل ذلك إلى تخفيف الاحتقان في البلاد، وإلى إشعار هذه الفئة العريقة والكريمة بأنها جزء لا يتجزأ من الوطن، بأنها شريكة في الوطن وليست منبوذة ولا محتقرة. أما قبل ذلك فماذا كانت تقول كتب التاريخ الرسمية المؤدلجة؟ كانت تعلم الأطفال الصغار بأنه لا يوجد شيء اسمه أمازيغ ولا علاقة لهم بأصل البلاد وأعماقها الأولى. وهذا مناقض تماماً للحقيقة التاريخية. فالأمازيغ هم سكان البلاد الأصليون، ويعود تاريخهم إلى آلاف السنين. وقل الأمر ذاته عن الأكراد في المشرق. فقد وصل الأمر ببعض المؤدلجين الديماغوجيين في عهد صدام حسين إلى حد القول بأن الأكراد عرب في الأصل ولكن الاستعمار الإنجليزي هو الذي حولهم إلى أكراد. لاحظوا الغباء التاريخي! هذا الخطاب المؤدلج العقيم هو الذي قضى على مشاريع الوحدة العربية، وهو الذي أدى إلى ردة الفعل الماحقة وانفجار العصبيات المكبوتة كالزلازل والبراكين. فلغة الكذب لا تصنع مشاريع حضارية. وحدها لغة الحقيقة والصدق تؤدي إلى نتيجة في نهاية المطاف. ماذا يحصل حالياً؟ الواقع ينتقم لنفسه من الآيديولوجيا. نقطة على السطر. فلنعترف إذاً بالتعددية الأقوامية والتنوع اللغوي الثقافي داخل الفضاء الواسع للعالم العربي. فهذا يغنيه ويثريه. إنه نعمة لا نقمة. نقول ذلك وبخاصة أن كبار الأدباء الأكراد والأمازيغ يدبجون روائعهم الأدبية الخالدة باللغة العربية. أخطاء وتصحيحات مؤخرا قرأت كتاب محمد شكري: «زمن الأخطاء». لاحظوا العنوان: ما أجمله! وقد استمتعت به كل الاستمتاع على الرغم من النزعة الواقعية السوداوية لشكري، والتي لا تكاد تحتمل في بعض الأحيان. هل نعلم بأن اللغة الأم لمحمد شكري هي الأمازيغية؟ وهل نعلم بأنه لم يتعلم العربية إلا على كبر، بعد العشرين؟ ومع ذلك فقد نبغ فيها حتى أصبح كاتباً عالمياً تترجم كتبه من لغة الضاد إلى شتى لغات العالم. أليس هذا مفخرة لنا؟ ألم يخدم لغتنا وآدابنا أكثير بكثير من أولئك القومجيين الشوفينيين الذين يطنطنون ويزاودون قومياً من دون أن يبدعوا شيئاً؟ وقل الأمر ذاته عن كبار المبدعين الأكراد في لغة الضاد. وهم كثر والحمد لله. وبالتالي فالاعتراف بالكردية أو الأمازيغية لا يعني تهميشاً للعربية أو افتئاتاً عليها. من يستطيع أن يهمشها وهي واحدة من خمس لغات تعترف بها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية؟ والله لو كان عندي الوقت الكافي لتعلمت هاتين اللغتين الوطنيتين الأمازيغية والكردية. لماذا نتعلم الإنجليزية والفرنسية والإسبانية وحتى الصينية والروسية ولا نتعلم لغة إخوتنا وشركائنا في التاريخ والوطن من أكراد وأمازيغ؟ هذه هي الطريقة الوحيدة لتخفيف التوتر وتحييد الانقسامات التفكيكية والنزعات الانطوائية الانعزالية. مؤخرا طرحت في المغرب مسألة اللغة بشكل جدي وخطير. فالبعض دعا إلى التخلي عن العربية الفصحى وتدريس الطلاب منذ المرحلة الابتدائية باللغة الدارجة أو ما ندعوه بالعامية. فماذا كان رد فعل المفكر الكبير عبد الله العروي؟ لقد رفض ذلك بشكل قاطع وهو الكاتب الشهير باللغة الفرنسية قبل أن يتحول إلى العربية. وقال: «أنا لا أتحدث هنا بشكل أيديولوجي وإنما بشكل واقعي ومعرفي صرف. فالتعليم بالعامية الدارجة يؤدي حتماً إلى تقويض الوحدة الوطنية». وتساءل الأستاذ العروي: هل تريدون أن يصبح المغربي في بلاده كمسلم غير عربي في أندونيسيا أو ماليزيا؟ وأضاف: «هب أن المغرب مشى في هذا الاتجاه واعتمد الدارجة في التعليم الابتدائي والثانوي فهل تعلمون كم من الوقت يلزمنا لكي نخدم هذه اللغة ونطورها حتى تصبح قائمة بذاتها وتكون لغة تدريس وثقافة؟ مائة عام على الأقل. ذلك أن الدارجة فقيرة في الكلمات والمصطلحات على عكس العربية المكتوبة أو الفصحى التي هضمت حضارات بأسرها منذ مئات السنين». ونفهم من كلام العروي بأن هناك لغات ذات مخزون لغوي وغنى فكري وثقافي هائل ولغات محرومة من ذلك ومخصصة للتواصل اليومي فقط. وهذا هو الفرق بين الفصحى وكل العاميات العربية من مغربية ومشرقية. ثم تساءل: كيف كنت سأكتب روايتي «اليتيم» بالدارجة؟ مستحيل. ففيها إيحاءات مدينة البندقية وهمنغواي وتوماس مان الخ.. وهذه لا يمكن التعبير عنها بالعامية وإنما بالعربية الفصحى فقط. لماذا؟ لأنه توجد علاقات وثيقة بين العربية والآداب الأوروبية عن طريق الترجمات. هناك تراكم مائتي سنة من التفاعلات بين كلتا الجهتين. هناك تلاقح ثقافي بين الحضارة الأوروبية واللغة العربية المكتوبة التي استوعبت الثقافات الأوروبية في عمقها وعبرت عنها بهذا الأسلوب. وبالتالي علينا أن ننتظر مائتي سنة أخرى لكي نعبر بالدارجة عن كل ذلك. لماذا تريدوننا أن نضيع من عمرنا مائتي سنة؟ هل نملك ترف ذلك نحن الذين بحاجة ماسة إلى التقدم واستدراك ما فات، لا إلى التأخر وتضييع الوقت؟ إذا كانت العربية تستطيع أن تغنينا عن كل ذلك فلماذا تريدون أن نتخلى عنها؟ ويحكم أفلا تعقلون! هناك نقطة أخرى يمكن أن نضيفها إلى ما قاله العروي. وهي أنه إذا ما تخلينا عن اللغة العربية الفصحى واعتمدنا الدارجة فإن اللحمة التي تجمع بين العرب من محيطهم إلى خليجهم سوف تنقطع. عندئذ سوف ينتهي العرب فعلًا ولن تقوم لهم قائمة بعد اليوم. فالعرب هم أولًا وقبل كل شيء لغتهم، تماما مثل الفرنسيين أو الألمان أو بقية الأمم والشعوب. ما يميز العربي عن التركي أو الإيراني ليس الدين وإنما اللغة. يضاف إلى ذلك أنه توجد دارجات عدة لا دارجة واحدة. فهناك الدارجة السورية اللبنانية، وهناك الدارجة الخليجية، وهناك الدارجة المصرية، وهناك الدارجة المغربية أو المغاربية، وهناك دارجات أخرى عديدة.. فكيف سنتواصل بعدئذ فيما بيننا إذا ما تخلينا عن كنز الكنوز: لغتنا العربية الفصحى؟ سوف نتحول إلى جزر معزولة ومفصولة عن بعضها بعضاً. وبمرور الزمن سوف نحتاج إلى مترجمين لكي نتفاهم فيما بيننا. وبأي لغة سنكتب قصصنا وأشعارنا؟ ألن ينتهي الأدب العربي عندئذ؟ والأجيال اللاحقة ألن تنقطع صلتها بالأدب العربي القديم المتواصل كخيط لا ينقطع على مدار ألفي سنة من جاهلي وأموي وعباسي وأندلسي؟.. كارثة، مجزرة، فضيحة. يضاف إلى ذلك أنه لا توجد دارجة واحدة تضاهي العربية الفصحى من حيث الغنى في المفردات والمصطلحات والتراكيب اللغوية كما قال العروي. ولذا نعتقد بأن الدعوات الانعزالية والانفصالية والانطوائية على المستوى اللغوي سوف تفشل. لكن بعد أن قلنا كل هذا الكلام ينبغي أن نضيف فكرة أساسية: وهي أن الفصحى التي ندعو إليها ليست تلك المتقعرة المتشنجة التي ترفض التغير والتطور. إنها كما قال جاك بيرك مرة: لغة ثالثة لا عامية ولا فصحى بالمعنى القديم للكلمة. إنها لغة الإذاعة والتلفزيون والجرائد والثقافة العربية الحديثة ككل. ولا تقولوا لي بأنها ملأى بالأخطاء! أخطاء بالقياس إلى ماذا؟ إلى لغة الأصمعي ومصطفى صادق الرافعي؟ ليكن. أهلاً وسهلًا بالأخطاء. أهلًا وسهلًا بالتجدد والتطور ومجاراة العصر. تريدون الدفاع عن اللغة العربية؟ تريدون حياتها لا موتها؟ إذن اسمحوا لها بالتنفس والتحلحل. لذلك أحذر كل التحذير من الأصولية اللغوية ففيها موتنا، حتفنا. البعض يعتقد أنه لا توجد إلا أصولية واحدة: هي الأصولية الدينية. ولكنهم واهمون. هناك الأصولية اللغوية أيضاً. وأغلب الأحيان تكونان متلازمتين ولكن ليس في كل الأحيان. فهناك مثقفون محدثون فكرياً ولكنهم متشددون لغوياً. عندما قال جبران خليل جبران في قصيدته العبقرية الصاعدة من أعماق بشري ووديان لبنان السحيقة هذا البيت الخالد: هل تحممت بعطر وتنشفت بنور فانهم ثاروا عليه قائلين: يا جاهل في اللغة العربية لا تقل تحممت وإنما استحممت! ولكن يا سادة يا كرام لو قال استحممت لقتل البيت شعرياً ولما كانت له أي قيمة. ثم إننا في الحياة العادية نقول تحممت لا استحممت، وأعتقد أن الكلمة مفهومة من قبل كل العرب. لذلك ينبغي التقريب بقدر الإمكان بين اللغة الفصحى المكتوبة ولغة الحياة إذا ما أردنا الحفاظ على الفصحى فعلًا. وإلا فسوف تتحول إلى لغة متخشبة، مقطوعة عن نسغ الحياة. وعندئذ سوف تنقرض كما حصل للغة اللاتينية في أوروبا. أهذا ما تريدونه لها أيها المتقعرون؟ وبالتالي فالمجددون والمبدعون العرب هم الذين سيؤبدون العربية الفصحى وليس المتقعرون الذين سيخنقونها بقواعدهم القسرية وشروطهم التعجيزية التي عفى عليها الزمن. قل ولا تقل. ومن الحب ما قتل! لا تقمطوها فتخنقوها. لهذا السبب ينبغي تسهيل قواعد اللغة العربية ونحوها وصرفها وطرائق التعبير بها إذا ما أردنا لها طول البقاء. ينبغي أن تصبح سلسة مرنة قادرة على استيعاب كل المستجدات اللغوية والاغتناء بالمفردات الجديدة الصاعدة من نسغ الحياة. من لا يتطور يموت كما يقول لنا داروين في نظرية التطور الشهيرة. والبقاء للأفضل والأصلح. من لا يتطور ينقرض. هل تريدون أن تنقرض العربية؟ إذن احبسوها وقمطوها واخنقوها. الترجمة والتفاعل هناك نقطة أخرى مهمة جداً جداً للحفاظ على العربية وهي التالية: ينبغي اشتقاق آلاف المصطلحات العلمية والفلسفية والأدبية والدينية بها. كيف؟ عن طرق الترجمة والتعريب. فلكي تعود العربية لغة علم وفلسفة كما كانت في عصرها الذهبي الخالد فلا توجد طريقة أخرى. ينبغي أن ننقل إليها من الإنجليزية والفرنسية والألمانية عشرات الآلاف من المصطلحات والتراكيب اللغوية الجديدة لكي تستطيع الوقوف على قدميها ومواجهة الغزو اللغوي لها في عقر دارها. كل النهضات الكبرى قامت على أكتاف الترجمات الكبرى سواء عندنا أو عند الأوروبيين أو اليابانيين أو كل شعوب الأرض. لهذا السبب أقول بأنه تقع الآن مسؤولية رهيبة على الترجمة والمترجمين العرب. ولكن ليس أي ترجمة! فالترجمة الرديئة قد تقتل الأجيال العربية، والترجمة الجديدة المتعوب عليها قد تحييها. أقول ذلك وأنا أعرف عما أتحدث بالضبط لأني مارست فعالية الترجمة ولا أزال أمارسها منذ أكثر من ثلاثين سنة. وأعرف أن الترجمة فن وتقنية ومهارة. ولكن ليس ذلك فقط. وإنما ينبغي أن يكون المترجم مثقفاً إلى أقصى الحدود لكي يستطيع أن يترجم نصاً فكرياً له معنى. ولا أبالغ إذا ما قلت بأن مصير اللغة العربية كله متوقف على نجاح عملية الترجمة أو فشلها. ثانيا: الانقسامات الطائفية والمذهبية أنتقل الآن إلى المحور الثاني من هذه الدراسة المطولة. الشيء نفسه يقال عن الانقسامات الطائفية أو المذهبية التي قد تمزق العالم العربي وتدمره لا سمح الله. فهنا أيضاً تنفجر الرواسب القديمة كالقنابل الموقوتة وتهدد الوحدة الوطنية لدول بأسرها. ينبغي أن نجد علاجاً لمشكلة الانقسام بين المسيحيين العرب والمسلمين العرب. نلاحظ أن الانقسام هنا ليس لغوياً أقوامياً وإنما دينياً فقط. فالمسيحيون العرب يتحدثون اللغة العربية، وهي لغتهم الأم تماماً، مثل مواطنيهم المسلمين العرب. بل ومساهمتهم في بعث هذه اللغة الشريفة وتقوية نحوها وصرفها وإثراء آدابها أشهر من نار على علم. ما معنى الأدب العرب الحديث من دون المسيحيين اللبنانيين أو المصريين أو العراقيين الخ..؟ وبالتالي فلا توجد أي مشكلة لغوية هنا. الجميع لغتهم الأم هي العربية. ولكن الانقسام الأخطر على ما يبدو حالياً هو داخل الإسلام نفسه: أقصد الانقسام السني - الشيعي. هنا أيضاً كانت الأشياء مكبوتة وممنوع التحدث عنها أو تسمية الأشياء بأسمائها. كل شيء يحصل كما لو أن كبت المشكلة أو طمسها يعني حلها! ولكن هذا موقف ساذج ومغفل وغير علمي على الإطلاق. كلما كبت المشكلة تفاقمت واستفحلت وخرجت عن حد السيطرة. المثقفون العرب ينبغي أن يتحملوا مسؤوليتهم هنا. التراث الديني لا ينبغي أن يظل حكراً على الشيوخ التقليديين ناهيك عن الدواعش والمتطرفين. هذا الاحتكار التاريخي ينبغي أن ينتهي لأنه أدى إلى الكارثة مؤخراً. فالتفسير القديم للدين أثبت عجزه وفشله. صحيح أنه راسخ الجذور منذ مئات السنين ولكنه أصبح يبدو شائخاً مهترئاً أكثر فأكثر. تجديد الفكر الديني الذي يتحدثون عنه كثيراً هذه الأيام لن يتم على يد رجال الدين أنفسهم، لأنهم غارقون في عقلية القرون الوسطى. فاقد الشيء لا يعطيه. وإنما سيتم على يد المثقفين المطلعين على المناهج والمصطلحات الحديثة، وبخاصة في مجال تاريخ الفكر الديني وعلم الأديان المقارنة. من الذي أنقذ أوروبا عندما كانت غارقة في الوضع نفسه؟ ليس رجال الدين المسيحيون وإنما فلاسفة الأنوار المضادون لهم. هم وحدهم استطاعوا بلورة تفسير جديد للدين المسيحي، تفسير قادر على تجاوز الطائفية والمذهبية والذبح على الهوية. وهذا ما نحن بأمس الحاجة إليه اليوم. محمد عمارة لن ينقذنا. على العكس سيغطسنا أكثر فأكثر فيما نحن فيه. الحل لن يجيء من جهة الاخونجيين ولا السلفيين ولا الخمينيين ولا التقليديين عموماً. صحيح أن العامة تمشي وراءهم. ولكن الطليعة الرائدة المثقفة هي التي تصنع التاريخ وليس العامة الجاهلة المغلوبة على أمرها. نقول ذلك مع احترامنا لها ومحبتنا لها ورغبتنا في انتشالها من جهلها وفقرها وبؤسها وتخليصها من ظلمات القرون. ولكن هذا سيتطلب عشرات السنين. وبالتالي فنحن دخلنا في صيرورة لها بداية وليس لها نهاية. أعتاب التنوير نحن على أعتاب التنوير العربي. بل نحن على أعتاب التنوير التركي والإيراني والباكستاني والأفغاني والحبل على الجرار. الإسلام كله يقف الآن على مشارف أخطر مرحلة في تاريخه. ولكنها قد تكون أعظم مرحلة أيضاً. لأول مرة سوف تتم دراسة التراث الإسلامي على ضوء أحدث المناهج الفكرية. لأول مرة سوف يرى نفسه في المرآة. لأول مرة سوف تنهار يقينيات عظمى كانت راسخة رسوخ الجبال. وهي عزيزة على قلوبنا لأننا تربينا عليها. ولكن ما عاد بالإمكان أن تستمر. سوف تحل محلها يقينيات جديدة أكثر احتراماً لكرامة الإنسان وعقل الإنسان. وسوف نصاب بصدمة هائلة قد تزلزل العقول. ولكن هذا هو طريق التحرير والثمن المدفوع. فلا تحرير من دون صدمة كهربائية. لا تحرير من دون تشخيص دقيق للمرض العضال. لا تحرير من دون حفر أركيولوجي في الأعماق. ينبغي أن يصل مبضع الجراح إلى أعمق نقطة في الماضي، إلى أعمق عقدة تراثية لكي يشفينا منها. نحن مرضى بأنفسنا من دون أن ندري. المرض منا وفينا. ولكن الخطاب العربي المؤدلج الذي هيمن علينا طيلة خمسين سنة حاولنا أن يوهمنا بالعكس. فالحق في رأيه دائما على الطليان: على الإمبريالية والصهيونية والاستعمار الخ.. إني لا أنفي مسؤولية الخارج ولكن حصلت مبالغات وتهويلات لإعفاء النفس من المسؤوليات. بل وسمعت بعض الحركيين السياسيين يقولون بأنه لا توجد مشكلة دينية في العالم العربي وإنما المشكلة سياسية فقط! كيف يمكن أن نخرج من المغطس بعقليات من هذا النوع؟ العالم بأسره يعرف أن هناك مشكلة دينية في العالم العربي. بل وحتى الأعمى يراها. ولكن ليس المؤدلجين والديماغوجيين العرب. ليس الحركيين السياسيين. فشعوبنا في رأيهم لا تعاني أي مشكلة. شعوبنا ملائكة نازلة من السماء. ماذا تعني داعش أو النصرة والقاعدة إذن؟ من أين جاءت؟ من المريخ؟ ماذا تعني جحافل المتطرفين والإخوان المسلمين؟ ألم تنتج عن برامج تعليم محددة تماماً ومعروفة للقاصي والداني؟ من المسؤول عن تفجيرات الكويت وتونس مؤخراً؟ من الذي اغتال النائب المصري العام هشام بركات؟ إذا لم يكن هذا مرضاً يتطلب علاجاً فما معنى المرض إذن؟ أعود إلى فلاسفة التنوير الأوروبي وأقول ما يلي: ماذا فعلوا عندما كانت شعوبهم تعاني الأعراض والأمراض نفسيهما؟ هل قالوا بأنها غير موجودة أو من اختراع الشيطان؟ هل أنكروا الحقيقة المرة؟ هل تحاشوها ودفنوا رؤوسهم في الرمال كالنعامات خوفاً من مواجهتها؟ هل قالوا بأن شعوبنا غير طائفية في بعض شرائحها على الأقل؟ أبداً لا. قالوا بأن الطائفية مرض حقيقي متفشٍ في أحشاء الشعب، ويتطلب تشخيصاً وعلاجاً. لقد تحملوا مسؤوليتهم تماماً على عكس بعض المثقفين العرب. وقالوا بأن التعصب الكاثوليكي البابوي يكاد يدمر فرنسا وليس فقط الأقلية البروتستانتية. وقالوا بأن المجازر الطائفية ناتجة عن فهم متعصب وتكفيري للدين المسيحي. ومعلوم أن الكاثوليك كانوا يكفرون البروتستانتيين ويعتبرونهم هراطقة ويدعون إلى إبادتهم كما تفعل «داعش» عندنا حالياً. وقالوا بأن المشكلة دينية قبل أن تكون سياسية ولا يمكن حلها سياسياً إن لم ُتحل دينياً. وعلى هذا النحو تقدمت الشعوب الأوروبية واستنارت وما عادت تذبح بعضها بعضاً على الهوية. تكريس الأمازيغية تأسس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كمؤسسة أكاديمية، بمرسوم ملكي أصدره الملك محمد السادس. ويلتزم المعهد بإبداء الرأي للملك في التدابير التي من شأنها الحفاظ على اللغة والثقافة الأمازيغيتين والنهوض بهما في جميع صورهما وتعابيرهما. ومن أقسامه: مركز الدراسات التاريخية والبيئية، ومركز الدراسات الأنتروبولوجية والسوسيولوجية، ومركز الدراسات الأدبية والفنية والإنتاج السمعي البصري، ومركز الترجمة والتوثيق والنشر والتواصل، ومركز الدراسات الإعلامية وأنظمة الإعلام والتواصل. وتنتشر اللغة الأمازيغية (بتنوعاتها المختلفة: ثاريفيت، تاشلحيت، تاقبايليت...) في 10 من البلدان الإفريقية أهمها: - المغرب: حيث يشكل الناطقون باللغة الأمازيغية كلغة أم 39.9% من السكان البالغ مجموعهم 33.3 مليون نسمة. - الجزائر: حيث يشكل الناطقون باللغة الأمازيغية كلغة أم 45.35% من السكان البالغ 32.9 مليون نسمة. - ليبيا: حيث يشكل الناطقون باللغة الأمازيغية كلغة أم 0,5% من السكان البالغ مجموعهم 5.9 مليون نسمة. وفي البلدان التالية فتقل نسبة الناطقين بالأمازيغية كلغة أم عن 5%: تونس، موريتانيا، مالي، النيجر وبوركينافاسو ومصر. تأسيسات الأكراد مثلما أسهم العلماء الأكراد في جميع الأنشطة العلمية والسياسية والدينية والحربية، قام أيضاً علماء الأكراد بوضع كثير من المؤلفات في مختلف العلوم والفنون مثل أصول الفقه والتوحيد والعقائد والتاريخ والتراجم والحديث والمنطق، وكانت هذه الكتب المهمة والمؤلفات الضخمة تدرّس في مدارس وجامعات بغداد والقاهرة والحرمين وأصفهان ودمشق ومراغة وحلب وتبليس وآمد وشهرزور وكثير من المدن الكبرى والمراكز الإسلامية العلمية في عدة عصور. كما كان علماء الأكراد يعدون بحق من فحول علماء العصور الإسلامية كرسوا جهدهم وحياتهم للتدريس والتأليف وخدمة الإسلام والمسلمين. وقد أورد المؤلف المسيو الكسندر يابا في كتابه الكبير الجامع والمسمى مجموعة ملاحظات وأخبار عن الكورد، كثيراً من هذه الحقائق والمعلومات، ولم تكن تخل أي ولاية أو مدينة كردية في كل أنحاء كردستان من مدرسة أو مدرستين على الأقل تدرّس العلوم والفنون باللغة الكردية المفترى عليها، وذلك بفضل ما كانت توفره الحكومات الكردية من حماية لهذه العلوم. * من «الأكراد تاريخ شعب وقضية وطن» تأليف أحمد تاج الدين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©