الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الشحي وسالمين: حارسة الماء فيلم يخاطب كل الأزمنة والأمكنة

18 مارس 2007 01:54
حوار ــ إبراهيم الملا: في ديسمبر الماضي حاز المخرج وليد الشحي جائزة ''الموهبة الإماراتية'' في مهرجان دبي السينمائي، وخلال الحدث نفسه فاز أحمد سالمين بالجائزة البرونزية في مسابقة السيناريو عن نص سينمائي أطلق عليه عنوان :''الغرشة''، وفي مسابقة افلام من الامارات التي اختتمت دورتها السادسة مؤخرا في ابوظبي حاز فيلمهما '' حارسة الماء'' على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، والمتتبع لهذين الاسمين في المشهد السينمائي المحلي سيكتشف في أعمالهما المشتركة الكثير من الجهد الجمالي والاعتناء المخلص للمفردة السينمائية، ولما تملكه هذه المفردة من قدرة شعرية عالية، وترجمات بصرية رهيفة للحالات والشخوص والأمكنة، ولعل وجودهما معا في رأس الخيمة خلق بينهما هذا التمازج الفني والتناغم الروحي الذي أنتج أفلاما مأخوذة بمشهدية خصبة، وانفتاح كامل على الفانتازيا الواقعية، وديكورات الطبيعة السوريالية، وعلى غوايات ومباهج محاطة بسطوة المكان، ولذّته الفائضة على الماء والرمل، وصولا إلى الجبال السكرى بالضباب والأناشيد، وليس انتهاء بالشخوص المسكونين بالصرخة حد الصمت، وبالانكسار حدّ التحليق، وبالألم حدّ الرقص!· هذه الأخوة الروحية بين الشحي وسالمين أنتجت أفلاما روائية قصيرة تضاف وبثقة للسجل الذهبي في أرشيف السينما المحلية، نذكر منها : ''وجوه ونوافذ'' ، ''طوي عشبة''، '' عناوين الموتى'' والفيلم التسجيلي :''أحمد سليمان''، وأخيرا فيلم :''حارسة الماء'' المعروض مؤخرا في مسابقة أفلام من الإمارات· في هذا الحوار تعرج ''الاتحاد'' على فيلمهما المميز جدا ''حارسة الماء'' الذي حاز على انتباه الحضور والنقاد، كونه فيلما متمكنا من أدواته ومنحازا للتكثيف الشعري الآسر والمخلص لشروط الفيلم الروائي القصير، ويتلمس اللقاء أيضا انطباعات هذين المبدعين حول واقع السينما المحلية ومستقبلها· وكان التالي: حارسة الماء سألنا أحمد سالمين أولا عن المناخات الطقسية والمقاصد الرمزية في فيلم''حارسة الماء''، وكان رده: أن نص الفيلم كتب اعتمادا على الطقوس المصاحبة لولادة الإنسان أينما كان، ثم تطورت الفكرة نحو استخدام ثيمة الماء في العمل كون الماء أحد الثيمات المقدسة عند الشعوب، والمرتبطة بالشعائر الدينية المختلفة، سواء عند الميلاد أو الموت، ونستطيع أن نتحدث أيضا عن الحضور الشعري والميثولوجي للماء، وحاولت توظيف بعض هذه المرجعيات في الفيلم، من خلال حالة ولادة وسط منطقة فقيرة تعاني من شح المياه، وطبعا لا يخلو الفيلم من إسقاطات ورموز بصرية تتعلق بخرطوم المياه المعطوب والممتد لآلاف الأميال وسط الصحراء، وهناك رموز سماعية أخرى نتعرف عليها من خلال المونولوج الداخلي لطفلة تنتظر وبفارغ الصبر وصول الماء إلى قريتهم الفقيرة والمتداعية، وفي لحظات الانتظار هذه ترسم بالفحم شخوصا متخيلة على الجدران، وهي ذات الطفلة التي تكون أمها في حالة ولادة· وحول ظروف إنتاج الفيلم يقول مخرجه وليد الشحي إنه انتهى من عمليات التصوير قبل عام من الآن، ولكن التأخير أتى بسبب انشغاله بتصوير عمل آخر، ولأن عمليات المونتاج والمكساج أتت متأخرة هي أيضا، وقد يكون لهذا التأخير فوائده أيضا لإثراء وتجويد العمل البصري في الفيلم، واستعنا في هذا العمل بأطفال يواجهون الكاميرا لأول مرة ومنهم ابن الشاعر أحمد العسم وابنتي كاتب سيناريو الفيلم أحمد سالمين، وهناك أيضا ناصر اليعقوبي في دور الأب وصوغة في دور الأم التي تنتــــــظر الولادة· وفي سؤالنا عن الفترة أو الزمن الذي يتحدث عنه الفيلم أشار كاتب سيناريو الفيلم أحمد سالمين إلى أنه فيلم مجرّد من الزمن، وليست هناك فترة مفروضة قسرا على قصة الفيلم، فالفيلم يخاطب كل الأزمنة والأمكنة ، لأن شريان الماء المتمثل في الخرطوم الممتد هو شريان الحياة أيضا وشريان التاريخ والعذابات والولادات المبثوثة فيه، إنه زمن مفتوح على كل تأويل وإشارة· وعن ديكورات الطبيعة الغرائبية نوعا ما في الفيلم يقول المخرج وليد الشحي: إن أماكن التصوير كانت كلها في منطقة شمل برأس الخيمة، وركزنا على حي الصفيح في هذه المنطقة، وهناك أيضا الأجواء الصحراوية التي خلقت نوعا من التمايز اللوني مع أنبوب المياه الأسود الممتد وسط الرمال الصفراء والقاحلة· ولابد أن أشير هنا إلى امتناننا لمواقع التصوير الجاهزة والموحية في مناطق رأس الخيمة المختلفة، والتي لم تتلوث بعد بالمد العمراني المعاصر والخانق للفسحة البصرية والجمالية· الزمن الشعري وهنا سألنا أحمد سالمين عن سبب نجاح النصوص الفيلمية المحلية التي تلجأ للزمن المفتوح أو الزمن الماضي المشرع على الحنين وفضاءات الشعر والذاكرة،وما هو وضع الزمن المعاصر في هامش هذه النصوص أو في منطقة التجاهل المطلق لمناخاتها المفتوحة على أسئلة الحاضر؟ وكان رد ''سالمين: إن الاتجاه للزمن الحاضر دائما ما يتصف بالجفاف سواء فيما يتعلق بالتعامل البصري أو حتى الكتابي، وهذا لا يعني حكما بالمطلق على انعدام فرص النجاح أمام الفيلم المرتبط بزمن معاصر، وعلينا الانتباه أيضا إلى أن إهمال هذا الزمن الجديد والمعاش قد يؤثر سلبا على تنويعات السينما المحلية، وقد يكون لجوؤنا للزمن المفتوح أو القديم هو لجوء مؤقت ومرتبط بالمرجعية الشعرية التي انطلقنا منها حيث أننا نميل للتعامل مع طفولة الأشياء وبالتالي مع طفولة الزمن لما يملكه هذا الزمن من مخزون جمالي كبير، يقاوم الزمن الهرم والمنكسر الذي نعيشه الآن وتروج له خطابات العولمة حول نهاية التاريخ وغيرها من نظريات تلغي طفولة الأشياء وبراءتها· بشارات سينمائية وعن مستقبل السينما المحلية التي ظهرت بشاراتها في مسابقة أفلام من الإمارات يجمع وليد الشحي وأحمد سالمين على أن مستقبل هذا الحقل الفني الجديد سيكون مثمرا دون شك، خصوصا بعد ازدياد نطاق المنافسة وتعرف صناع الفيلم الشباب على اتجاهات وتنويعات وتيارات مختلفة لهذا الفن البكر في المكان والذي ينتظره رهان كبير ووعد طموح بالخروج والانطلاق إلى المهرجانات العالمية والدولية، فالسنوات القليلة القادمة سوف تثبت أن البذرة التي زرعتها واحتضنتها مسابقة أفلام من الإمارات في المجمع الثقافي سوف تتحول إلى شجرة فنية وارفة ومورقة وممتدة إلى الفضاء العربي والدولي بثقة وتمكن ومعرفة، وهي ثقة لا ينقصها الآن سوى التراكم والدعم الرسمي والحكومي· ويؤكد كل من الشحي وسالمين على أن ظهور مواهب إبداعية جديدة في الفعل السينمائي سيتجلى أكثر في الدورة الحالية من المسابقة وفي الدورات القادمة، ويشيران هنا إلى نموذج لهذه المواهب الشابة وهو المخرج حمد الحمادي الذي قدم للمسابقة فيلمه الأول :''رماد''، وهو فيلم روائي قصير ينم عن مقدرة إخراجية لافته وعن وعي بصري ومعرفي سوف يقدم اسما جديدا ولامعا للمنجز السينمائي في الإمارات·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©