الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جبل حفيت «حوت على الشاطئ» يجسد عظمة وقدرة الخالق

جبل حفيت «حوت على الشاطئ» يجسد عظمة وقدرة الخالق
10 نوفمبر 2011 20:42
خورشيد حرفوش (الاتحاد) ـ حبا الله الإمارات العربية المتحدة بالكثير من النعم وإحداها هو هذا التنوع والغنى الجغرافي والطبيعي. فعلى سواحل الخليج العربي نشهد منبسطات السبخات الخفيضة، وأحراج القرم الصغيرة التي تحيط بها تلال كلسية. ومع التعمق أكثر في البر نجد الصحاري الرملية التي يكسوها غطاء نباتي خفيف وتشهد تكوينات كيماوية متباينة. ثم يتحول المشهد بعدها إلى سهول حصوية ووديان مع اقترابنا من جبال حجر، ترتفع لأكثر من 1200 متر داخل الإمارات، ويصل إلى أكثر من 2800 متر حين نتقدم نحو الشمال داخل شبه جزيرة مسندم، وتتميز بقممها الصخرية الجرداء التي تقطعها وديان عميقة ومتلوية. وتمتد جبال الحجر من منطقة رؤوس الجبال في رأس مسندم بالقرب من مضيق هرمز، وتمتد على شكل قوس عظيم يتجه من الشمال الشرقي لسلطنة عمان إلى جنوبها الغربي، ويصل أقصى ارتفاع له 3000 متر في منطقة الجبل الأخضر. وجبل حفيت، يتكون من صخور رسوبية يعود تاريخها إلى العصر الجيولوجي الثالث، ويقع في الحدود بين سلطنة عمان ودولة الإمارات، حيث يتبع لعمان الثلثين الشرقي والجنوبي الغربي، أما الجزء الشمالي فيقع في دولة الإمارات، جنوب مدينة العين، وحظي باهتمام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ رحمه الله ـ الذي أمر بإنشاء طريق سريع يصل إلى قمته عام 1986، ولم يكن الأمر هيناً مع تضاريسه الصعبة، ومن ثم تم إنشاء منتجع واستراحة سياحية ومطعم في قمة الجبل، بحيث يمكن الاستمتاع بالمنظر الجميل ومشاهدة كامل مدينة العين. جبل حفيت لكل من هذه المناطق مناخها المصغر وبيئتها المصغرة المحليتين الخاصة بها وهو ما يؤثر بدوره على تنوع الحياة النباتية والحيوانية فيها. بالتوازي مع جبال حجر على بعد كيلومترات أخرى في عمق البر هناك سلسلة جبال كلسية أخرى أقل ارتفاعاً. وقد كانت هذه السلسلة شواطئ بحر قديم هو بحر تيثيس. وحين ارتفع قاع المحيط وانطوى بفعل نشاط بركاني تحت قاع هذا البحر، مشكلاً جبال حجر، وارتفعت هذه الشطآن وانطوت أيضاً وأصبحت الآن تلالاً تكثر فيها الأحافير وتعود إلى الحقبة الثلثية. يشكل جبل حفيت الثنية الأكبر من عدة ثنيات ثلثية تنتشر على الجوانب الغربية من جبال حجر. وتقطع هذا الجبل الضخم عدة وديان تنساب على جانبيه الشرقي والغربي. يرتفع جبل حفيت 1300 متر فوق سطح البحر ويوجد إلى الجنوب مباشرة من مدينة العين راسماً الحدود بين الإمارات وعمان. وتمكن رؤيته بسهولة من الفضاء. من الأسفل يبدو للناظر مثل “حوت على الشاطئ” مثلما وصفه الرحالة البريطاني الشهير ويلفريد ثيسجر. وفيما ينحدر سفحه الغربي بزاوية تتراوح بين 25 و30 درجة نجده على الجانب الشرقي أكثر انحداراً بكثير. كما تكثر فيه الصدوع التي تتنوع في أشكالها مثل العادية الممتدة أو الملتوية أو العكسية. يحظى جبل حفيت باهتمام خاص من دارسي الجيولوجيا؛ لأن قشرته الخارجية متآكلة، بحيث تكشف عن كل الطبقات الأرضية المكونة له بسهولة من على السطح. وبلغة الجيولوجيين يقدم جبل حفيت نمطاً محلياً لتشكيلين جيولوجيين رئيسيين: تشكيل حفيت وتشكيل سينا، وهناك تشكيل ثالث موجود أيضاً ويسمى الجو. والتشكيلان غنيان بمستحثات البلانكتون الذي يعيش في عمق البحر، ويدعى فورانيميرا. وعند سفح الجبل قريباً من المكان الذي يمر به الطريق من فجوة صناعية، كما يمكن مشاهدة أحافير المرجان والمحار والرخويات الأخرى، وعلى نحو أقل قنافذ البحر، وهدبيات الأرجل، وأطراف السرطانات. ومن أنماط الأحافير التي يختص بها الجبل هناك النوموليت، التي تبدو كرقائق البطاطا، حيث تأخذ شكل قطع صخرية رقيقة ومدورة، وغالباً ما تكون مقوسة نوعاً ما، وحين تكسر تبدو في مقطعها بنية واهية من خطوط مدورة وطولية. وهذا النوموليت هو بقايا عضويات وحيدة الخلية منقرضة حالياً تتباين أحجامها بين 3 و1 ملليمتر. إن جبل حفيت يتمتع بخصوصية جغرافية في الإمارات، جعلته موقعاً لدراسات مكثفة عامي 1997 - 1998 بهدف إعلانه تراثاً وطنياً، أو تحويله إلى محمية طبيعية، فالسهل الرملي عند سفح الجبل كان المكان الوحيد في الإمارات الذي تعيش فيه نبتة صفراء جميلة اسمها العلمي “أنفيلا غارسيني”، ويسمى الوادي الذي يخرج من الجبل نزولاً نحو هذا السهل الرملي وادي “التربات” وهو المكان الذي وجدت فيه مستحاثات الموموليت، وإلى الأعلى قليلاً في الوادي تعيش أشجار “أكريدوكاربوس أوريانتاليس” الصغيرة الوحيدة التي توجد في الإمارات، كما يعيش على ذلك الجبل الماعز العربي الصغير الماهر في التخفي عن الأعين. وكان يعتقد أن الماعز العربي وهو فصيلة صغيرة الحجم من الحافريات تشبه الماعز العادي قد انقرض منذ 1982 حين عثر عثر على جثة أحدها قرب حفرة ماء على الجبل. غير أنه عثر على هذا الحيوان مرة أخرى عام 1995. وأثناء الدراسة التي أجرتها مجموعة الإمارات للتاريخ الطبيعي، تم تسجيل وجود الثعلب الجبلي الصغير عام 1995 “فولبس كانا”،كما تم أيضاً تأكد وجود الثعلب الأحمر “فولبس فولبس”، ويبدو أن هذين الحيوانين يستخدمان الجبل كمأوى يخرجان منه للصيد في الصحاري أو المزارع المحيطة به، فبالإضافة إلى قيمته الجيولوجية، يعتبر جبل حفيت موطناً للعديد من أنواع النباتات والحيوانات ذات الأهمية البيئية والثقافية مثل المهرالعربي. بيئة غنية يتميز مناخ مدينة العين بفصل صيف حار تصل درجات الحرارة فيه إلى أكثر من 40 درجة مئوية، فيما تصل في فصل الشتاء إلى 4 درجات مئوية ليلا، كما يقّل فيها تساقط الأمطار، حيث يبلغ متوسط هطول الأمطار سنويا حوالي 100 ملم، وتتبخر هذه الكميات بسرعة لتكوّن تجمعات المياه المؤقتة بعض الوديان الحادة والأخاديد التي تقطع الخواصر المنحدرة للجبل. ويتمتع جبل حفيت ببيئة تأوي حوالي 157 نوعاً من النباتات بعضها خاص بالمنطقة فقط. كما تنمو الشجيرات على نحو جيد في التربة الفقيرة عند سفح الجبل، فيما تنمو نباتات أخرى بشكل غير ثابت عند المنحدرات العليا. أما شجر “الغاف” الذي يصل ارتفاعه إلى 16 مترا فيعتمد على المياه التي يمتصها عبر جذوره المتفرعة من مصادر المياه الجوفية العميقة. كما يتميز الجبل بوفرة نباتات الأشنة. لكن كان للأعمال التطويرية التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة بعض التأثير على الحياة البرية. وأصبح من النادر اليوم مشاهدة القطط الوحشية والثعالب الحمراء التي تعيش على فرائس من الثدييات الأصغر حجما. ويعتبر الثعلب الأحمر الأكبر حجما من بين أنواع الثعالب الثلاث الموجودة في الإمارات، بينما يستوطن ثعلب بلانفورد المناطق الصخرية. كما يوجد حيوان ليلي آخر أقل تناسلاً وهو جرذ واجنر الذي يقتات على البذور والحشرات والوزغات الصغيرة، أما حيوان الوبر الصخري الذي يشبه الأرانب الكبيرة، فيعيش ضمن مجموعات تصل أعدادها إلى 80 وبرا. كما يضم جبل حفيت العديد من الطيور المستوطنة والمهاجرة. وتعتبر هذه المنطقة ملاذاً لأكبر تجمع للنسور المصرية في دولة الإمارات حيث يعتقد أن هذه النسور تستخدم الجبل كمأوى لها. أيضاً يتكاثر صقر العاسوق في المنحدرات المنخفضة للجبل، فيما يعيش الصقر المغربي في المرتفعات، ويقتات كل النوعين على الحمام والثدييات الصغيرة وحمائم الجبل. ويتمتع جبل حفيت بوجود عدد لا بأس به من الطيور المهاجرة من إفريقيا وآسيا وشمال يوراسيا، ومن بين هذه الطيور توجد طيور جارحة مثل الصقر والنسر والباز والطيور المغردة مثل أبو الحناء والهازجة والسمنة. ويؤكد هذا التنوع في التراث الطبيعي أهمية جبل حفيت على الخريطة البيئية والسياحية للدولة والمنطقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©