الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العظماء يصنعون التاريخ

العظماء يصنعون التاريخ
9 نوفمبر 2011 22:38
يندر أن نجد دارسا أو محبا للفلسفة اليونانية وتاريخها أو الدراسات اليونانية واللاتينية لا يتوقف عند هذا الكتاب “العظماء.. عظماء اليونان والرومان والموازنة بينهم” ومؤلفه المؤرخ اليوناني الشهير بلوطرخوس، وقد عرفه المفكرون والمترجمون العرب القدامى وتحدثوا عنه. وفي عصرنا الحديث نقل الكتاب إلى العربية عام 1928 المترجم ميخائيل بشارة داود ثم أعيدت طباعته عام 2002 ضمن سلسلة الألف كتاب الثاني، وها هي طبعته الثالثة بين أيدينا، صدرت مؤخرا مع مقدمة شارحة وضافية وضعها د. أبو اليسر عبدالعظيم فرح. المؤرخ اليوناني بلوطرخوس ولد في مدينة كايروينا بوسط اليونان وعاش بها معظم سنوات عمره وهي قريبة من مدينة ولف الشهيرة، حيث معبد ابوللو، وقد خدم هو في هذا المعبد فترة من الزمن باعتباره واحدا من كهنته، وتوفى سنة 120 ميلادية ودفن في نفس المدينة التي ولد وعاش بها. وفي ذلك العصر كان من المهم للفيلسوف وللمؤرخ أن يقوم بالرحلة خارج بلاده ليكتسب خبرات وثقافة جديدة، وهذا ما فعله بلوطرخوس، حيث زار مصر وكانت زيارتها ضرورية لفلاسفة ومؤرخي اليونان وزارها من قبل فيثاغورس والتقط نظريته الرياضية من بناء الإهرامات وزارها طاليس وهيرودوت الذي خصها بكتاب كامل. وعاد بلوطرخوس من مصر ليزور روما ويعود منها ثانية إلى مدينته محاضرا في الفلسفة والخطابة والأخلاق والأدب والميتافيزيقا. البطل الفرد التاريخ يكتب لدى مؤرخنا من خلال سير العظماء والأبطال، وهناك مدرسة تاريخية وثقافية كاملة تؤمن بأن التاريخ يصنعه البطل الفرد، بموهبته وعبقريته وعظمته الخاصة، فهؤلاء الأفراد المتميزون أو الخارقون يمكنهم تغيير مسار الأحداث في بلادهم وعصورهم، آرسطو نفسه يقف عند هذا الرأي ويدافع عنه بالقول “إذا وجد شخص في دولة يسمو على الآخرين في الفضيلة والقدرة السياسية، فإنه لا يجب إطلاقا اعتباره فردا في الدولة لأنه لا ينصف إذا اعتبر مساويا لغيره، في حين أنه يسمو على غيره في الفضيلة والقدرة السياسية، وأن مثل هذا الرجل يجب اعتباره إلهاً بين البشر”. وهؤلاء الأفراد يجب أن يخصهم المؤرخون والدارسون بالتحليل والتناول وهذه المدرسة انتشرت في العالم كله وفي ثقافتنا العربية هناك من اعتمد عليها في الكتابة والتناول، عباس العقاد هو النموذج الأبرز لذلك، فقد قدم تاريخ الإسلام من خلال العبقريات التي كتبها عدد من رموز الإسلام فقدم عبقرية محمد وعبقرية عمر وعبقرية الصديق وعبقرية خالد، وهكذا وفي تاريخنا العامر اختزل العقاد ثورة 1919 في سعد زغلول وكتب عنه مجلدا ضخما. وهناك مدارس تاريخية أخرى ترفض تلك القاعدة، بل إن المدرسة المادية تناهضها تماما وتهمش دور الفرد أمام القوى الاجتماعية والاقتصادية التي تحرك الأحداث وتصنعها ودور الفرد ثانوي وهو يتحرك وفق العوامل الاقتصادية التي تدفع الجميع نحو فعل وحدث معين. عاش بلوطرخوس لحظة صعبة عليه وعلى بلاده، ولم يقدر له أن يعاصر لحظة المجد والازدهار اليوناني، حين كانت أثينا قبلة العالم، وكانت نموذجا للدولة المدنية، لكنه ولد وعاش لحظة تغلب روما على بلاده، واجتياحها، وكان يرى القوة العسكرية والسياسية لروما، ولم يكن قادرا على أن يعارض ذلك فنحا في كتابة التاريخ نحوا جديدا، إذ كان يختار شخصية رومانية مؤثرة ومهمة يكتب عنها ويبحث عمن يقابلها من شخصيات اليونان ويكتب عن تلك الشخصية، ثم يقوم بالموازنة أو المقارنة لينتهي بترجيح كفة الشخصية اليونانية وهو عمل علمي وتاريخي محض لكن من خلفه غرض سياسي يريد أن يعلنه، وهو أن يقول للرومان السادة الحكام الأقوياء أن وطنه أقوى وأعز، وأن عظماء اليونان هم الأبقى في الذاكرة والتأثير. وربما أراد القول إنه بالتعاون بين الشعبين اليوناني والروماني سوف يتحقق إنجاز ضخم للإنسانية كلها. أخطاء تاريخية ولاحظ الكثير من المحللين والدارسين الأوروبيين أن بلوطرخوس وقع في بعض الأخطاء التاريخية في تناوله لبعض الشخصيات خاصة الرومانية منها وهي أخطاء في الأسماء والوقائع أو تاريخ ميلاد ووفاة بعض الشخصيات، مثل قوله إن “توللي” ابنة شيشرون لم تتزوج سوى مرتين فقط، بينما تزوجت ثلاث مرات، لكنها أخطاء لا تمس جسد الحدث والشخصية، ومرجعها كما اعترف هو أنه لم يكن يجيد اللغة اللاتينية وكان يعرفها فقط لكن لم يتبحر فيها، ولذا لم تكن لديه أدوات البحث الدقيق بها، فضلا عن المعلومات في زمنه وعصره لم تكن سهلة أمام الكاتب والمؤرخ، ولو أخذنا بهذا المعيار لألقينا خلف ظهورنا الكثير من التراث الإنساني، كتاب هيرودوت الملقب أبو التاريخ، عن مصر والمصريين مليء بالأخطاء من هذا النوع لكن أعمال بلوطرخوس صارت مصدرا رئيسيا للدارسين من أنحاء العالم حول الشخصيات التي تناولها وقدمها، لكن النقاد الأوروبيين لم يغفروا له تلك الأخطاء. وفضلا عن ذلك لم يثقوا بقدراته الأدبية والفكرية، إذ اعتبروه في أفضل الأحوال مجرد ناقل ماهر وجامع معلومات عن الآخرين لا أكثر، حتى عباراته البلاغية نسبوها إلى غيره، وقالوا إنه أخذها من الآخرين حتى جاء العصر الحديث وانتبه نقاده إلى أهمية أعماله وكتبه فترجمت إلى اللغات الأوروبية الحديثة والتفت إليها الدارسون والباحثون وفي ثقافتنا العربية من يراجع تحقيقات عبدالرحمن بدوي للترجمات العربية القديمة لأعمال الفلاسفة اليونان سوف يكتشف أنه اعتمد عليه كمرجع أساسي وفي بعض الحالات كمصدر أول للمعرفة حول الموضوع الذي يتناوله. المترجم ميخائيل بشارة داود بذل جهدا في هذه الترجمة نقل الكتاب عن الفرنسية وذكر في تقديمه له “لم أكن لأقدم على نقل سير هؤلاء العظماء إلى اللغة العربية لولا الرغبة في لفت أنظار مواطني الأفاضل إلى هذه القدرات الصالحة واستثارة نخوة الشباب الناهض”. صدرت الطبعة الأولى بمقدمة للمترجم ومقدمة أخرى للفيلسوف الفرنسي فيلمان وفوجئنا في الطبعة الجديدة التي بين ايدينا بحذف مقدمة المترجم بلا سبب وينسى القائمون على النشر أن هذه المقدمة أصبحت الآن وثيقة لا يجوز حذفها، إذ باتت جزءا لا يتجزأ من الطبعة العربية للكتاب، إلا إذا ظهرت ترجمة جديدة تماما. الكتاب: العظماء/ عظماء اليونان والرومان والموازنة بينهم المؤلف: بلوطرخوس المترجم: ميخائيل بشارة داود تقديم: د. أبو اليسر عبدالعظيم فرح الناشر: ذاكرة الكتابة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©