الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كيف تكتب رواية؟

كيف تكتب رواية؟
9 نوفمبر 2011 22:32
انعقدت خلال الفترة من الرابع والعشرين من الشهر الماضي وحتى الحادي والثلاثين منه الدورة الثالثة من الندوة السنوية “الخلوة الإبداعية لكتّاب الرواية العرب الشباب” في قصر السراب في صحراء المنطقة الغربية بإشراف الروائيين: السوداني أمير تاج السرّ والمصرية منصورة عز الدين بحضور الإنجليزية فلور مونتانارو منسقة برنامج الندوة مديرة الجائزة العالمية للرواية العربية التي أقامتها مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي، الداعم الوحيد للجائزة، تحت رعاية الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في المنطقة الغربية. شارك في الخلوة الروائيون الشباب الإماراتي محسن سليمان والبحريني وليد الهاشمي والكويتية سارة الدْريس والعراقي علي غدير والعمانييْن غالية خوجة ومحمود الرحبي والموريتاني محمد ولد سالم واللبنانية رشا الأطرش. وقد كان اليوم الثامن والأخير من الورشة ـ الندوة معدّاً من قِبَل مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي وإدارة الجائزة العالمية للرواية العربية، بوصفه لقاء تداولياً يجمع المشاركين إلى الصحافة. ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى أن الروائييْن المشرفين على هذه الورشة ـ الندوة، أمير تاج السر ومنصورة عز الدين قد وصلت روايتيْهما إلى القائمة القصيرة لمسابقة الجائزة العالمية للرواية العربية لدورتها لهذا العام، وهما على التوالي: “صائد اليرقات” لدورة العام 2011 و”وراء الفردوس” لدورة العام 2010، حيث شاركت صاحبتها أيضاً في ورشة ـ ندوة الخلوة الابداعية في العام نفسه. وكذلك فإن اختيار الروائيين المشاركين في الخلوة الابداعية يتم وفقا لآلية عمل خاصة يمكن إجمالها بأنه يتم بناء على توصيات وترشيحات من قِبَل لجنة التحكيم للجائزة ذاتها من بين الروائيين الشباب الذين لفتت مواهبهم الروائية أعضاء اللجنة لكنها لم تترشح إلى أيٍّ من قائمتيها، وذلك بالدرجة الأولى ثم من خلال ترشيحات يقدمها أعضاء اللجنة لروائيين شباب هم على اطلاع على تجاربهم الروائية ومدى حاجتهم إلى المشاركة في الورشة لصقل خبراتهم وادواتهم في كتابة العمل الروائي. وذلك شريطة أنْ لا يكون الروائي قد تجاوز الأربعين من العمر، علما بأن هذا الشرط من الممكن تجاوزه على هذا النحو او ذاك في حالات خاصة. أيضا، فإن من تقاليد هذه الخلوة أن تكون مسبوقة بقيام كلّ من المشاركين فيها بكتابة فصل من رواية بحيث يشكّل مدخلا أساسيا له يضع في خبرته في الكتابة الروائية، فيكون مدخلا للنقاش حول تقنيات الكتابة الروائية وبناء الشخصيات والبنية اللغوية نحويا وتركيبيا، وصولا إلى البنيات العديدة التي يتكون منها أي عمل روائي إجمالا، وكذلك علاقة النص الروائي بقارئه وكاتبه وموقعه من الكتابة الروائية بالنسبة للكاتب بصفة عامة. وبحسب العديد من الروائيين المشاركين، فقد ترك المجال والمحيط البيئيين أثرهما على أجواء أعمالهم ومناخاتها فتسربت الصحراء بشخصيات متخيلة أحيانا وبالمكان في أحيان أخرى إلى أعمالهم أو أنها أثّرت في إعادة كتابتها على هذا النحو أو ذاك. وما جرى خلال الندوة أن المشاركين كانوا يبدأون بقراءة فصول أعمالهم التي قاموا بإعدادها، ثم يقومون بتعديلات عليها نتيجة لمجمل النقاشات التي دارت في ما بينهم من جهة وفي ما بينهم وبين المشرفيْن من جهة أخرى وعبر التواصل الاجتماعي الناجم عن الوجود في فضاء واحد من جهة ثالثة. لقد أكّد المشاركون أن هذه الندوة قد كانت خلوة إبداعية بالفعل قد اختصرت عليهم وقتا وجهدا في اكتشاف بعض البدهيات في الكتابة الروائية، أقلّها لجهة علاقة الجمهور بالرواية، أي لجهة إحساسهم الإبداعي والأخلاقي تجاه الجمهور القارئ خلال العمل على كتابة الرواية دون أن يشعروا بأنهم يكتبون للفراغ الذي قد يولّد إيغالا في الغموض وتفككا في البنيات الأساسية في العمل الروائي التي غالبا ما تتم تحت دواعي “التجريب” في الكتابة الروائية. لكن الأوضاع الراهنة التي تعصف بالمنطقة العربية والتحولات التي بدأت تطال ربيعها العربي قد وجدت طريقا إلى أغلب المشاريع الروائية، إذ إن أغلب الأعمال لا تتعالى على راهن ما يحدث، بل تسعى إلى أن تكون إبداعاً روائياً مكثفاً عن هذا الحراك الاجتماعي ـ التاريخي، لجهة أنها أحداث وشخصيات وحكايا وتفاصيل صغيرة حاك منها المشاركون أعمالهم التي شرعوا في كتابتها، خاصة أن إدارة الجائزة والجهة الممولة للخلوة لا تضع أي نوع من الشروط المسبقة على المشاركين وأعمالهم لتكون منفتحة على الإبداع بكل تجلياته دون قوالب مسبقة. يصف أحد المشاركين أعمال زملائه بالقول إنها كانت، من وجهة نظر ما، عبارة عن رحلة قام خلالها المشاركون بالتعرف إلى ما يجري عربياً من أحداث سياسية مباشرة وتحولات اجتماعية عميقة تضع المنطقة في سياق انعطافة تاريخية ربما من الصعب أن تتكرر في المستقبل القريب. وهنا فإنهن بحسب مشارك آخر، قد تنوّعت ردود الأفعال بين التفاؤل من جهة والتشاؤم من جهة أخرى، في الوقت نفسه الذي أعلت فيه مشاهد روائية من قيمة الحدث على حساب العناصر الأخرى المكمّلة للعمل الروائي. وإذا صحّ الأخذ بهذه النماذج بوصفها عيّنات من الكتابة الروائية العربية الراهنة، فإن ما يشغل مطبخ الرواية العربية بالمجمل هو الآن الربيع العربي، أو الزلزال العربي الذي من غير الممكن لأي امرئ يعيش في المنطقة أو هو منها ويعيش خارجها أن يكون محايداً. بهذا المعنى تكون حدة الفرز والانقسام أيضاً قد وصلت إلى الكتابة الروائية العربية سواء لدى الروائيين الذين تمر مجتمعاتهم بهذه المنعطفات أو الروائيين الآخرين الذين تأثرت مجتمعاتهم بما هو لا محيد عنه من التأثر بهذا الزلزال. ومن الصحيح، بالتالي، أن الرواية العربية ستدور أحداثها حول الربيع العربي على نحو يذكّر بحال الرواية العربية بعد هزيمة عام 1967، مع فارق أن استجابة الرواية العربية بالأحداث الراهنة أسرع ربما، إلا أن المواهب في الكتابة الروائية العربية التي ستفرزها هذه الأحداث سوف يحددها مدى مقدرة كل منها على الغوص إلى أعماق مجتمعاتها ومدى تجسيد شخصياتها وبنياتها للشخصيات والبنيات الواقعية والإنسانية والاجتماعية التي صنعت هذا الربيع وقد كان من غير الممكن توقعه لا بالنسبة لهؤلاء الروائيين الشباب فحسب، بل كذلك بالنسبة لخبراء ومتخصصين في الأحوال العربية العارفين بمجاهيلها ويظهرون دائما على شاشات الفضائيات الإخبارية العربية بوصفهم كذلك. وبالطبع بوصف ما قيل حصيلة النقاش مع العديد من الروائيين الشباب الذين بدوا مع اختتام ورشتهم الابداعية أكثر تفاؤلا في مقدرتهم على التعبير عن أنفسهم ومجتمعاتهم من ثقتهم بما يمكن أن تفعله السياسة إيجابيا كنتاج لهذه الثورات والانتفاضات التي قادها ويقودها أو أججها ويؤججها شباب عرب من أبناء جيلهم هم غالبا من المتعلمين والمثقفين المتحدرين من الطبقات المتوسطة او الذين تكسّرت أحلامهم على عتبات هذه الطبقات بسبب الفساد والإفساد على المستويات كلها. الروائيون يتحدثون إنما تساؤل من نوع: ما الذي استطاع كل من هؤلاء الروائيين العرب الشباب أن يحققه لذاته؟ من خلال هذه الورشة الابداعية، حيث من غير الممكن أو المنطقي لأي منهم أن ينجز عملا روائيا قائما بحد ذاته، يبقى مشروعا تماما او طزاجة الطرح الذي دار على ألسنتهم، وذلك لن اللقاء معهم لم يكن جماعيا فحسب بل فرديا أيضا، بل وربما على نحو أعمق بصورة لافتة. لندعهم هم يتحدثون عن ذلك كما يرتأون: عن هذا الشأن الشخصي جدا قال الكاتب المسرحي والقاص الإماراتي محسن سليمان: “لقد نبهتني هذه الخلوة وما جرى فيها من نقاشات إلى ضرورة أن أكتسب أمورا أساسية في الكتابة، مثل التخلص من البطء والاكتفاء بالسطور القليلة التي تتناثر على الورق هنا وهناك، فالكاتبة دأب بل الكتابة تستدرج كتابة أخرى باستمرار”. وأضاف: “لذلك سأسعى إلى أن أخصص يوما للكتابة في الأسبوع أوزعه على كامل أيام الأسبوع”، مشيرا إلى أنه قد استفاد كثيرا من الملاحظات التي طرحت أثناء النقاش حول النص القصصي الذي شارك فيه ضمن الورشة “حيث تعرفت الى الفوارق الجوهرية بين الكتابة القصصية والكتابة الروائية على المستويات التقنية الابداعية إجمالا”. في حين قالت الكاتبة والروائية سارة الدْريس، فأكدت: “لقد اختلفت وجهة نظري في الكتابة الرواية عن ما كانت عليه قبل هذه الخلوة. الكتابة ينبغي ألا تكون في حالة غياب عن شرطها ككتابة روائية ليس بوصف الرواية لغة وكلاما وحدثا وشخصية وحبكة وحلّ بقدر ما هي إحساس أخلاقي بالمسؤولية تجاه القارئ وتجاه ذات الكاتب”. وقالت: “كنت أكتب الرواية أو القصة بوصفها خطابا مباشرا لا يخلو من الوعظ والإرشاد، وهنا اكتسبت تقنية أن أكتب ما أكتب بوصفه نصا تخييليا يشتبك مع الواقع بقدر ما ينأى عنه ويتضمن إسقاطات تشير إلى حدث ما موقف أو تفصح عن موقف نقدي ما دون أن تتنازل عن الخيال الإبداعي، وذلك فضلا عن ما ينطوي على أهمية بالغة في الكتابة الروائية وكنت جاهلة به وهو أن الكتابة فعل دأب واعتياد وليست كتابات متباعدة قد لا تجد رابطا بينها فتبقى منقوصة وغامضة”. وما بين الجدّ والمداعبة، قال علي غدير: “لم أتوقع من قبل أنني سأقوم بنشر غسيلي الوسخ على مرأى من الآخرين. هكذا اكتشفت هفواتي في الكتابة الروائية، وحصلت على بعض القواعد الذهبية، فقد كانت لديّ أفكار لكن غالبا ما اعتراها قَدْر من التشويش”. وزاد على ذلك بالقول: “قد لا أستطيع القول إنني سأكتب نصا روائيا ابداعيا مئة بالمئة، لكنني أستطيع أن أؤكد أن بوسعي كتابة نص يمكن لي الدفاع عنه من وجهة نظري أقلها”. وأخيرا إلى وليد الهاشمي الذي بدأ بوصف نفسه على هذا النحو: “إنني أحبّ الكتابة وربما لذلك تأخذني إليها وانا بدوري أسترسل فيها، لكنني هنا أصبحت أكثر ميلا إلى الاختزال الذي اكتشفت أنه مهارة أيضا بل هو احد تقنيات الكتابة الروائية”. وأضاف: “أيضا أنا بطبعي، وربما بسبب قراءاتي الشخصية، أكثر ميلا لكتابة الرواية التاريخية، غير أنني هنا كتبت رواية بوليسية، هكذا فاكتساب التقنية جيدا يقود المرء إلى التغيير في مزاج الكتابة ما دامت المنطلقات الرؤيوية والتقنية متقاربة إن لم متطابقة”. اختيار المشرفين عندما قال الروائي أمير تاج السرّ إنه لم يشارك هو أو منصورة عز الدين في اختيار الروائيين الشباب المشاركين وإنهما لم يعلما بمشاركتهما كمشرفين إلا من خلال إدارة الجائزة العالمية للرواية العربية كان ذلك عبارة عن جملة معترضة في حديث شخصي في لقاء قصير أثناء استراحة تدخين، وهو الطبيب المبدع. أما ردّا على ذلك، ومن وجهة نظر فلور مونتانارو بوصفها منسقة برنامج هذه الخلوة، فكانت بالقول إن الاختيار قد وقع على الروائييْن أمير تاج السر ومنصورة عز الدين تماما بالطريقة ذاتها التي تمّ فيها اختيار الروائيين الشباب العرب المشاركين، أي بواسطة ترشيحات وتوصيات من قِبَل لجنة التحكيم دون تدخل من مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي، بل بالتشاور مع مجلس أمناء الجائزة، حيث من المفضّل أن يكونوا من بين الذين ترشحت رواياتهم للقائمة القصيرة لهذا العام مثلا او العام الذي سبقه مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة توافر الخبرة والمقدرة على التفاعل مع روائيين شباب ومحاورتهم في أعمالهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©