الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ريف دمشق: احتجاجات تتعاظم

4 يناير 2012
في أحد أيام الجمعة بضاحية دوما التي لا يفصلها عن العاصمة دمشق سوى سبعة أميال، والقريبة من مركز قوة النظام، حيث الأمن والجيش يوغلان في القمع والتنكيل، تبدو المنطقة وكأنها سجن مغلق على أهله بسبب القبضة الأمنية الكثيفة المحيطة بالضاحية والتي تسعى إلى منع خروج المظاهرات وعدم إعطاء الانطباع بأن عرين النظام بات هو الآخر بؤرة للاحتجاج. فخلال تواجدي في المكان لاحت شاحنات الجيش المليئة بالجنود وهي تتقدم نحو الشوارع المقفرة خلال صلاة الجمعة لتطوق المسجد الرئيس في الضاحية والاستعداد لمواجهة جمهور المصلين الذي لابد أنه سينطلق في مظاهرات صاخبة كما جرت العادة من قبل، وكما يجري أيضاً في باقي المدن السورية. وبالموازاة مع حركة الجنود الثقيلة في الأرض التي يصاحبها صوت الشاحنات والآليات العسكرية الأخرى، ظهر القناصة وهم يعتلون أسطح البنايات المطلة على المسجد والشوارع القريبة، مستعدين لإطلاق النار على المحتجين. أما في الشوارع القريبة فقد انشغل الأهالي في تعزيز الدفاعات البدائية من خلال ملء الممرات بالزبالة لإعاقة مرور الآليات العسكرية وإشعال النيران لمنع تقدم الجنود. وما أن انتهت صلاة الجمعة حتى تراجع صوت الخطيب ليفسح المجال أمام أصوات وهتافات المحتجين المتحدية للنظام وجيشه الذي أرسله لقمعهم، وسرعان ما احتدت الهتافات وارتفعت الشعارات الموجهة مباشرة ضد بشار الأسد، فيما الشوارع والأزقة الجانبة تغلي بهدير الأصوات المناهضة للحكومة. ورغم الحصار المفروض على الشوارع الرئيسية في دوما، جازف بعض المتظاهرين بالاحتجاج في قلب "منطقة الموت" على مرأى من القناصة المتربصين. وفي أثناء ذلك كان الرجال يتجمعون حول باب المسجد متوجسين من الخروج وإمكانية التعرض لنيران القناصة، وبتشجيع من أصوات المحتجين خارج المسجد الذين يرفعون الشعارات ويلهبون حماس الرجال، استطاع عدد منهم استجماع ما يكفي من الشجاعة ورباطة الجأش للمخاطرة بالخروج إلى الشارع، ليلتفوا بحركة سريعة نحو زقاق جانبي متوارٍ عن أنظار القناصة للانضمام إلى جموع المحتجين، وفي المقابل تبدو قوات الأمن مستنفرة إلى آخر درجة بحيث يكفي تصاعد الأصوات المحتجة مهما كانت قليلة للضغط على الزناد وإطلاق النار. وفي أحد المحال المجاورة يحاول رجل متوسط العمر الخروج إلى الشارع لكنه ما إن يضع قدمه خارج المحل حتى يدوي أزيز الرصاص بالقرب منه فيرجع مسرعاً إلى الداخل، غير أن أصوات المحتجين التي ترتفع عالياً في السماء مرددة كلمة "حرية"، كانت كفيلة برفع منسوب الأدرينالين في دماء المتظاهرين الذين سرعان ما انضم إليهم سكان الأحياء المجاورة ليتجاوز عددهم بضعة مئات، وبدأت الأزقة المتفرعة عن الشارع الرئيس تضخ المزيد من المشاركين في المظاهرة يرفعون صوتهم ضد النظام فيما أوجههم تغطيها الكوفيات مخافة التعرف إليهم من قبل أجهزة الأمن المندسة. وعلى امتداد المظاهرة يختلط الشباب بالشيوخ ملوحين بالعلم السوري القديم، فيما الأطفال يتراكضون بين جنبات الطرق. ولاستطلاع تحرك الجيش يقوم أحد المتظاهرين على متن دراجة نارية بالانتقال عبر الشوارع لاستكشاف الوضع وتحذير المحتجين من تقدم قوات الجيش وأماكن تواجدها. ولأن الجيش لا يتردد في إطلاق النار فإنه لا يستغرب سقوط القتلى وفقدان الحياة البشرية كما يؤكد ذلك "سامي"، الناشط الذي رفض ذكر اسمه وهو يصطحب معه أحد الصحفيين الأجانب غير المرخصين بالدخول إلى سوريا. فقد أكد الناشط سقوط خمسة قتلى في دوما خلال الأسبوع الماضي في مظاهرة مشابهة للتي تجري اليوم، مضيفاً أن جميع الأهالي يخرجون للتظاهر بعدما كسروا حاجز الخوف وبعد تمادي النظام في القمع والتنكيل، ولا يُستثنى من التظاهر في هذه المرحلة سوى النساء اللواتي يبقين في البيوت، لاسيما عندما يشتد قمع أجهزة النظام. ويواصل الناشط بنوع من الحسرة والترقب أيضاً: "انظر لما يجري في أحيائنا، إننا شبه محاصرين ولا نستطيع التعبير عن رأينا من خلال التظاهر السلمي، فأين الحرية التي يتحدثون عنها؟". غير أن مظاهر الاحتجاج على النظام والتعبير عن رفضه، لا تقتصر على الشعارات التي ترتفع في المظاهرات، بل تتجسد أيضاً على جدران المساجد والمباني الحكومية، وحتى أعمدة الكهرباء التي كُتبت عليها عبارات مثل "يسقط الديكتاتور" و"نعيش من أجل الحرية"، وأحياناً تبدو العبارات وقد سُودت من قبل عناصر الأمن التي تحجبها بالدهان. وبعيداً عن مركز دوما الذي يشهد المظاهرات الحاشدة، وفي الأطراف التي تفسح المجال للأشجار والبادية، يظهر رجال ملثمون يحملون أسلحة يتبعون للجيش السوري الحر المنشق الذي يدعم حركة الاحتجاجات. ويقول أحد هؤلاء الرجال: "نحن نراقب الوضع وننتظر من الأهالي أن يطلبوا منا التدخل لحمايتهم، وإذا تمادى الجيش في الاعتداء على الأهالي، أو أوغل في قتل غير مسبوق للمتظاهرين فسنتدخل للرد". لكن يبدو أن السكان لن يحتاجوا إليهم خلال هذا الأسبوع بعدما اعتاد المحتجون التعامل مع قوات الأمن والجيش والانخراط في لعبة القط والفأر مع النظام، إذ كلما اشتد القمع في منطقة انتقلت الاحتجاجات إلى أخرى، وكلما انتشر الأمن بكثافة في حي من الأحياء ظهر المحتجون في الأزقة والساحات الجانبية لتستمر المظاهرات دون هوادة على مقربة من دمشق ومعها يتواصل الضغط على قوات الأمن لإخماد احتجاجات لا يبدو أنها في طريقها إلى التوقف. مراسل مجهول الهوية غير مرخص له بالعمل داخل سوريا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©