الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جدران المخيمات بلبنان تجدد عهود العودة إلى فلسطين

جدران المخيمات بلبنان تجدد عهود العودة إلى فلسطين
28 يناير 2011 20:00
عبارات ورسومات وصور وشعارات وكتابات تزين جدران المخيمات الفلسطينية في العاصمة والضاحية وبقية المناطق اللبنانية، وكلها نداءات تحمل الحنين والشوق إلى فلسطين التي اشتاق إليها أهلها المنتشرون في كافة الدول العربية، وأرجاء العالم. “لن تستريحوا معنا... كل قتيل عندنا ... يموت آلافاً من المرات...” إنه الشوق إلى ربوع الوطن السليب، يحن إليه أبناء “الشتات”، فتغريهم هذه الكتابات والشعارات مؤقتاً لحين العودة الميمونة، ولا بأس من رسم ونقش صورة ما، تعكس الواقع الذي يعيشه أبناء القضية الواحدة، بانتظار رؤية الأرض التي نزحوا عنها، ومعظمهم ولدّ خارجها، فلا يعرفها إلاّ من الصور وذكريات المسنين وحكايات الآباء والأجداد. حلم العودة يتذكر كبار السن في المخيمات الفلسطينية في لبنان، الكثير من القصص والروايات التي عاشوا من خلالها مع قضيتهم، وتواصلوا فيها مع أقربائهم في داخل الوطن المسلوب، عبر رسائل قليلة وزيارات نادرة لمن يسمح لهم بشم رائحة الأرض ولو من بعيد. والقدر لم يرحم أبو أحمد الأشوح القاطن في أطراف مخيم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية، من المشاركة في إحياء ذكرى “النكبة” لإن الموت باغته قبل ساعات من حلولها، حيث كان يروي في مجالسه الذكريات القاسية التي عاشها عام 1948 وكان أمله الوحيد وعزاؤه، هو حلم العودة الذي بات قريباً حسب شعوره وإحساسه، فهو لم ييأس من الانتظار، لأن سكنه الأصلي وبيته الذي تركه في بلدة “الخماسين” يافا، سيعود إليه مهما طال الزمان، ومفتاح الباب ما زال يحتفظ به منذ أكثر من 60 سنة، مع شوق دفين إلى شجرة “التوت” التي تحيط بمنزل الأهل الذي ورثه، ولن يتخلى عنه مقابل كنوز الدنيا بأسرها. الكتابات والشعارات الموجودة على جدران المخيمات تحولت في بعضها إلى معلقات وجدانية تخطت اختزال الكلمات والعبر، لعلها في استفاضتها توقظ من بيدهم الحل المنشود، على أحد الجدران المحيط بمخيم برج البراجنة، كتب الآتي: لن تجعلوا من شعبنا شعب هنود حمر فنحن باقون هنا... في هذه الأرض التي تلبس في معصمها إسوارة من زهر فهذه بلادنا... فيها وجدنا منذ فجر العمر فيها لعبنا وعشقنا وكتبنا الشعر مشرشون نحن في حلجانها مثل حشيش البحر... مشرشون نحن في تاريخها في خبزنا المرقوق في زيتونها في قممها المصغرة مشرشون نحن في وجدانها باقون في آذارها باقون في نيسانها باقون كالحفر على صلبانها باقون في نبيها الكريم في قرآنها وفي الوصايا العشر. أشعار تدل على ذكريات وجع غاب، ينعش حلم العودة، فتقترب من الوطن بقدر ما يبعد. هذا هو حال أبو أسعد الذي يتحدث عن صبر طال انتظاره عقوداً، فغرس في كل ضفة أنبتت شتلة غضب، صارت تنمو مع أطفاله في أزفة المخيم. يقول “الواقع أن الذكرى تتفلت من المكان لأنها تسكننا، فتقسم أيامنا إلى ما قبل المجازر وبعدها. ويتابع “نستعيد الذكرى مرة كل عام، نحمل الورود إلى قبور أحباء لم نعرفهم، وتبقى الورود مع حنين إلى العودة. رائحة التراب يتحدث أبو أسعد بأسى وحرقة لأنه بعيد عن أرضه، إلاّ أنه لا يزال يحس برائحة تراب وطنه، وتستعيد ذاكرته بداية التهجير عندما طلب منه يهودي أن يبيع أرضه، مقابل مبلغاً ضخماً من المال، ووعد بالعيش بسلام وكان جوابه القاطع “لن أتخلى عن شبر من أرضي”. ويتابع “جاءت نكبة 1948 لتبدأ حكاية النزوح والتهجير وسط معاناة السير على الأقدام، لمسافات لا يقدر عليها سوى الرحالة، وتحت القصف والخوف على أطفالي الصغار، وأنا لا أعلم إلى أين سيكون الطريق، فبيتي سكنه اليهود، وأنا صاحب الأرض أصبحت خارج الديار، أنتظر الحلم ولمّ الشمل مع الأقارب والأصدقاء”. وإذ يتذكر رحلة التهجير القسرية، فلا يغيب عن باله النوم في العراء، وتحت خمية قدمت لكل عائلتين، من أجل أن يكونوا لاجئين مغتربين عن وطنهم المسلوب ظلماً وقهراً وقسراً حتى الآن. ويشير أبو أحمد زريقات الذي يقدر أن يعود إلى دياره بالرغم من امتلاكه الأوراق التي تثبت ملكية أرضه في بلدته يافا، إلاّ أنه مصرّ على العودة ولن يتنازل عن حقه الطبيعي إلى جانب التعويض عن الشقاء الذي عذبه أكثر من ستين عاماً. ويؤكد زريقات “لا بد للأجيال القادمة بأن تستعيد الأرض، لأنه لا يضيع حقاً يسعى إلى العودة بالصبر والمقاومة”. كتابات وأشعار تستذكر القدس، التي يعرفها ويحفظ دروبها أبو ظافر ظهراً عن قلب، فهذه المدينة المقدسة حسب رأيه، تتمتع بمميزات فريدة لوقوعها في قلب العالم القديم فربطت بين حضارات العالم، ولأنها مدينة مقدسة من قبل الديانات العالمية. فهي بشهادة الجميع نقطة الاتصال والتواصل الجغرافي بين السماء والإنسان. للذاكرة معنى جليل، فهي الحقيقة التي لا تمحى أبداً، فهي شاهد على الماضي والحاضر والمستقبل، لا تستطيع أن تحرف حقائقها، لأنها ساطعة في كل لحظة، صارخة في كل آن. قضية لا تموت أثناء التجوال داخل أزقة المخيمات في مار الياس وصبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، تصادفك الشعارات والكتابات العديدة، إلاّ أن ما يلفت النظر، سماع الأهازيج والأغاني الشعبية التي تصدر من كل بيت، وفيها أصوات تصدح بالمواويل والقصائد، فتشعر بالحمية والإباء، وتذكر بأن القضية لن تموت، بل أن أهمية الذاكرة الثقافية والشعرية أنها زوّادة ضرورية للبندقية. ويأتيك من البعيد من أحد بيوت المخيم، أغنية ثورية تقول: يا آل إسرائيل ... لا يأخذكم الغرور عقارب الساعات توقفت ... لا بد أن تدور إن اغتصاب الأرض لا يخيفنا فالريش قد يسقط عن أجنحة النسور والعطش الطويل لا يخيفنا فالماء يبقى دائماً في باطن الصخور هزمتم الجيوش ... الاّ أنكم لم تهزموا الشعور قطعتم الأشجار من رؤوسها ... وظلت الجذور...
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©