الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لن أخدع بسهولة

لن أخدع بسهولة
28 يناير 2011 19:54
عندما أتعامل مع واحد من الحرفيين فأنا أصمم على ألا أخدع بسهولة. لا يجب أن يفترض أنني لا أفهم عمله أو أعرف ما يقوم به، لذا تسلحت في صباي بعدد هائل من المصطلحات التي يستعملونها : الوزرة – المنجفرة – الرجلاش – المسطرين - الباتير – الرداخ، الخ، ورحت أستعملها بلا تحفظ في أي تعامل مع الحرفيين، عندما يأتي الكهربائي لإصلاح شيء في بيتي، أقدم له لفافة تبغ وأشعل لفافة، ثم أحك شعري في حنكة، وأقول له وأنا أتأمل الجدار: ـ»لا شك في أنك سوف تحتاج إلى (باتير)، هناك (جنش) في السقف لكن ربما لا يصلح، أرى أنه لابد من (طبة) « المشكلة هي أن ما يبدو على وجهه هو الاستمتاع الشديد بالموقف وليس الرعب من ثقافتي. ثم يقول وهو ينفث سحابة دخان كثيفة: ـ»ماذا تقصد بالطبّة سعادتك ؟» هنا أتذكر أن (الطبة) ليس مجالها هنا، بل هي من مفردات السباك وميكانيكي السيارات. وأفهم استمتاعه الشديد، لقد أدرك أنني واحد آخر من هؤلاء، وأسعد شيء في حياته أن يتعامل مع هؤلاء ويستلبهم مالهم، ثمة لفظة لم أفهمها ولم أعرف معناها بعد لكنها مهمة جدًا: الرجلاش، لا أعرف ما هو لكن كل شيء يجب أن يكون له (رجلاش). وقد اعتدت مع أي حرفي أن أنصحه بأن يعطي الشيء (رجلاشاً) كافياً، فينظر لي في صمت، هناك من الحرفيين من يطري كل شيء، يطري ذوقك الرائع في اختيار لون الجدران، ويطري براعتك في اختيار السيراميك، ويرى أن سيارتك في حالة ممتازة، ويرى أنك خبير في الكهرباء فعلاً، ثم تعلمت بعد أعوام أن هذه طريقة مضمونة لتخدير الزبون، إن الزبون يقف مسروراً منتفخاً كالطاووس راضياً عن ذكائه وعبقريته، بينما الحرفي يدمر كل شيء ويركب كل شيء بشكل خطأ، ثم يضرب أتعابه في ثلاثة، وينصرف بينما الزبون لم يعد لعالم الواقع بعد، نعم، لا يمكن خداع الحرفيين أبداً لأنهم يدركون كل شيء منذ اللحظة الأولى، وأسعد لحظات حياتهم هي الإيقاع برجل يعتبر نفسه خبيراً. النقطة الأخرى التي تعلمتها مع الحرفيين، هي أنك تقضي الوقت محاولاً إقناعهم أنك لست مثقفاً مدللاً يسهل خداعه، بينما هم يقضون الوقت في إقناعك بأنهم متعلمون واسعو الثقافة، خذ عندك هذه المحادثة بيني وبين نجار: ـ» أرى أنه يجب تركيب (وزرة) لأن (الرجلاش) لا يسمح بفتح هذا الباب، وأنت لم تحضر بنطة التخويش، « فيقول في تأمل: ـ»في الغد قد يقضي ربك بشيء آخر، ولربما تظهر في الأمور أمور. أنت تعرف ما قاله (فرانكشتاين)» أسأله في شك: ـ»فرانكنشتاين قال إنه قد تظهر في الأمور أمور ؟» ـ»نعم، نظرية النسبية، قال فرانكشتاين: نعيب زماننا والعيب فينا، قف للمعلم وفه التبجيلا، « فأفهم أنه يتكلم عن (ألبرت أينشتاين) صاحب نظرية النسبية، وإن كنت لم أسمع أن أينشتاين هو من قال نعيب زماننا وقف للمعلم، لكن الرجل يدير المثقاب فيدوي الصوت عالياً ويقول: ـ»حرب فيتنام قد جعلت كل واحد مسؤولاً عن قراراته، . هذه هي أزمة العصر والإنسان» فأقول له: ـ»هذا صحيح، لكن لا تنس الوزرة أرجوك». هذه هي خلاصة تعاملي مع الحرفيين، وعلى كل حال لا فارق هنالك لأنني أخدع في جميع الحالات، لهذا وجدت أن أفضل طريقة هي أن أجلس وأترك الرجل يفعل كل شيء كما يريد، ثم أدفع ما يطلبه، وفي النهاية أجلس لأكتب مقالاً كهذا. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©