السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كنتُ «عادل إمام» المؤسسة

كنتُ «عادل إمام» المؤسسة
28 يناير 2011 19:54
اكتشفتُ أن دمي ليس خفيفاً بالمقدار الذي تصوّرته، فقبل سنوات كنت الرجل الثاني في مؤسسة إعلامية، ومع دخولي المكان كان نسيم الابتسامة يهبّ على الموظفين، وإذا تكرّمت على أحدهم بقول «صباح الخير» سرت قشعريرة الضحك في ضلوعه، أما إذا تفضّلت بإلقاء نكتة حقيقية، وكنت أفعل ذلك كثيراً بحكم موقعي، فإن الموظف يهتز على كرسيه ويلتصق وجهه بشاشة الكمبيوتر ويضرب قفاه بالجدار. وكنت أوبّخ نفسي بسبب الجريمة التي ارتكبتها بحق البشرية حين لم أعمل ممثلاً كوميدياً يخفف من هموم البشر ويخدر آلامهم، فأنا لا أختلف عن الفنان الكوميدي عادل إمام، أو على الأقل أنا في مستوى اللمبي أو حتى هنيدي، ويفترض أن أستغل هذه الموهبة النادرة خير استغلال من خلال تقديم مسرحيات كوميدية أكون فيها البطل الأوحد والوحيد. لكن جار عليّ الزمان وأصبحت الرجل رقم 2489 في دائرة حكومية كبيرة، ولم يعد أحد يبتسم حتى لو دخلت المكان على عربة أطفال وفي فمي مصاصة، أما الضحك فيحتاج إلى تدخّل يدوي بأن ألقي الموظف على ظهره وأقيده بالسلاسل وأدغدغ باطن قدمه. وأذكر قبل سنوات حين نظّمت جهة كنت أعمل بها رحلة عمرة إلى الديار المقدسة مدفوعة التكاليف لمن يرغب من الموظفين. وكان أغلبية الموظفين المعتمرين يلتحقون بطاولة المدير العام في بهو الفندق وهم يتأملون وجهه كأنه جوهرة نادرة أو كنز كان مخفياً عنهم طيلة الوقت واكتشفوه للتو، وكانوا ينتظرون أن تخرج من فم المدير أو من أنفه أي كلمة أو صوت ليبدؤوا في الضحك والتقافز وتحريك أكتافهم من البهجة والسرور، لدرجة أنهم كانوا يضحكون ولو سأل المدير أحدهم عن مشاعره في هذه الرحلة الإيمانية. وأنا أفعل نصف ما يفعله هؤلاء، فإذا كان دم مديري خفيفاً فعلاً فإنني أضيف بعض الضحكات أثناء تبادل الكلام على البساط الأحمدي، فمثلاً إذا كانت نكتة أو تعليقات المدير تستحق ثلاث ضحكات «هاهاها» فإنني أجعلها خمساً، وإذا كانت لا تستحق سوى ابتسامة خفيفة، فإنني ابتسم وأعطيه ضحكة واحدة لأرفع من معنوياته ليرفع من معنوياتي بالإجازات والترقيات والتغاضي عن التأخير، لكنني للأسف الشديد لا أعرف كيف أضحك إذا كان المدير ثقيل الدم، ففي هذه الحالات أقعد أنظر في وجهه فيعتقد أنني أبله لا أفهم، أو أتجنب النظر إليه لئلا يصاب بالإحباط فيتسبب في إحباطي أثناء التقييم السنوي. لكننا مهما فعلنا فإننا لن نستطيع منافسة أبا طالب العلوي، فهذا المخلوق كان من جلساء الوزير البويهي الصاحب بن عباد، ويصفه أبو حيان التوحيدي بالقول: «كان إذا سمع من الصاحب كلاماً يسجع فيه وخبراً ينمقه ويرويه، يبلق عينيه وينشر منخريه ويتظاهر بأنه قد أغمي عليه، حتى يرش على وجهه ماء الورد، فإذا أفاق وسُئل عمّا أصابه، أجاب: «ما زال كلام مولاي يروقني ويونقني حتى فارقني لبّي وزايلني عقلي، وتراخت مفاصلي وتخاذلت عُرى قلبي وذهل ذهني وحيل بيني وبين رشدي». أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©