السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

رفع سعر الفائدة على الودائع وشهادات الاستثمار في مصر

رفع سعر الفائدة على الودائع وشهادات الاستثمار في مصر
6 نوفمبر 2011 00:59
محمود عبد العظيم (القاهرة) - قام بنكا الأهلي ومصر، أكبر البنوك العامة حجماً، برفع أسعار الفائدة بمعدل يتراوح بين 2 و1,5% على الأوعية الادخارية بالبنوك، لتشكل مفاجأة سارة لسوق الادخار المصرية التي طالما عانت تدني العائد على الودائع بالبنوك في ظل استمرار سياسة البنك المركزي بتثبيت أسعار العائد على مدار عام ونصف العام. وبادر البنك الأهلي برفع أسعار العائد على شهاداته الثلاثية المعروفة باسم الشهادات البلاتينية من 9,5 إلى 11,5% دفعة واحدة، وكذلك شهادات التميز التي تصرف عائداً دورياً شهرياً من 6,5% إلى 7,5%، الأمر الذي سوف تتبعه قرارات لاحقة خلال أيام برفع أسعار العائد على الودائع لأجل، خاصة الودائع لمدة ثلاثة أشهر لمواكبة عائد الشهادات البلاتينية التي تصرف العائد أيضاً كل ثلاثة أشهر لحامليها، وكذلك بادر بنك مصر برفع أسعار العائد على كافة الشهادات التي يصدرها. وأصدرت وزارة المالية قراراً برفع أسعار العائد الذي تدفعه على شهادات الاستثمار “المجموعة أ وب”، والتي يصدرها البنك الأهلي لحساب الحكومة، بنحو 1,5% لتتماشى مع متوسط أسعار العائد على الودائع في البنك الأهلي، حيث تستخدم وزارة المالية حصيلة بيع هذه الشهادات، والتي بلغ العائد التراكمي لها منذ إصدارها بضمان الحكومة منذ فترة الستينيات من القرن الماضي وحتى الآن نحو 91 مليار جنيه، في تمويل مشروعات حكومية طويلة الأمد أو تمويل استثمارات عامة عبر بنك الاستثمار القومي المسؤول عن تنفيذ مشروعات الخطة الخمسية أو استخدام جانب من الحصيلة في الظروف الحرجة لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة. وجاءت هذه القرارات المفاجئة والتي انتظرتها السوق طويلاً، خاصة مع استمرار ارتفاع مؤشر التضخم وانفلات أسعار السلع الأساسية بعد ثورة 25 يناير، لتضع حداً لمعاناة القطاع العائلي الذي كانت مدخراته تتعرض للتآكل خلال العامين الأخيرين نتيجة الفرق الكبير بين ما كان يحصل عليه من عائد يتراوح بين 7 و8% سنوياً ومعدل التضخم الذي قارب نسبة 14% خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي كان يعني لهؤلاء انهيار القدرة الشرائية لمدخراتهم بمرور الوقت وعدم فاعلية هذه المدخرات في تلبية جانب من الاحتياجات المعيشية، لا سيما أن جانباً كبيراً منهم كان يعتمد على عوائد المدخرات البنكية في تدبير المطالب الحياتية، حيث تشمل هذه الفئات عمال المعاش المبكر والمتقاعدين والأطفال القصر الذي ترك آباؤهم ودائع مصرفية للإنفاق من عائدها. ورغم انفلات مؤشر التضخم واستمرار شكوى المودعين في الفترة الأخيرة من تدني العائد على أموالهم بالبنوك، فإن رفع سعر الفائدة بطريقة مفاجئة يعود إلى رغبة حكومية في تخفيف الأعباء عن القطاع العائلي الذي يحتفظ بأمواله داخل الجهاز المصرفي المصري والرغبة أيضاً في تدبير موارد مالية إضافية لاستخدامها لتمويل عجز الموازنة أو سداد التزامات حكومية حل موعد سدادها سواء لموردين أو لشركات مقاولات. وانتهزت البنوك، خاصة الأهلي ومصر، اللذين يملكان أكبر قاعدة إيداعات بحكم الانتشار الجغرافي الذي يغطي كافة المناطق، توجه وزارة المالية لرفع العائد على الشهادات الخاصة بها، ورفعت أسعار العائد على كافة الودائع والأوعية الادخارية لديها بهدف الحصول على حصة مناسبة من “كعكة” الأموال التي ستتوجه للبنوك سعياً وراء العائد المرتفع بهدف إعادة توظيف هذه الأموال في مشروعات طويلة الأجل مما يضمن لهذه البنوك التوازن في سياسات التوظيف الخاصة بها خلال السنوات القليلة المقبلة، لا سيما أن معظم الشهادات التي حظيت برفع أسعار العائد عليها تتراوح مدتها بين 3 و7 سنوات، الأمر الذي يمكن هذه البنوك من اتخاذ قرارات توظيف استراتيجية لا تقع تحت ضغوط المدى الزمني القصير للأموال بما يوفر فرصاً جيدة لربحية هذه البنوك مستقبلاً. وبغض النظر عن الأسباب التي تقف وراء التحركات الأخيرة، فإن هذه التحركات سوف تشكل مؤشراً استرشادياً لبقية البنوك المصرية برفع أسعار العائد لديها، وهو ما بدا واضحا في تحركات هذه البنوك، حيث بادر البنك العربي الأفريقي برفع الأسعار لديه لتصل إلى سقف 12% على الشهادات الثلاثية والخماسية، متجاوزاً بذلك سقف البنك الأهلي بنحو نصف بالمئة، ما يشير إلى إمكانية تجاوز بنوك أخرى هذا السقف لاحقاً، بما يعني عودة الصراع بين البنوك المصرية على اجتذاب قواعد الودائع عبر لعبة رفع أسعار الفائدة وهو الأمر المتوقع في الفترة المقبلة. ويرى خبراء مصرفيون أن هذه الخطوة تفتح الطريق أمام البنوك لاستعادة السيولة المالية بعد أن عانت نقص السيولة في الأشهر الأخيرة، حيث إن العائد المرتفع على الودائع سوف يسهم في اجتذاب عملاء جدد لهذه البنوك كانوا يفضلون المضاربة على الذهب في الفترة الأخيرة أو ذهبوا مضطرين للاستثمار في بورصة الأوراق المالية وبالتالي سوف تتوافر للبنوك مصادر سيولة جديدة تساعدها على توسيع نطاق الإقراض بما يحرك النشاط الاقتصادي. ويؤكد الخبراء أن الفترة المقبلة سوف تشهد تغييراً جذرياً في تفضيلات أصحاب المدخرات في اختيار طريقة استثمار مدخراتهم، خاصة في القطاع العائلي، حيث سيفضل الجميع التوجه بهذه المدخرات إلى البنوك بحثاً عن عائد مرتفع وملاذ أمن في الوقت نفسه، لا سيما في ظل استمرار الانفلات الأمني وتأثر حركة التجارة الداخلية بهذا الانفلات. وأكد الخبراء أن القرارات الأخيرة من جانب البنوك ووزارة المالية تقدم دليلاً على فشل السياسة النقدية التي اعتمدها البنك المركزي المصري خلال العاميين الماضيين، بتثبيت أسعار العائد بدعوى الحفاظ على مستوى مقبول من التضخم، حيث إن التضخم لم يتوقف وفي الوقت نفسه تضرر ملايين المودعين من تآكل قيمة مدخراتهم، وفي النهاية اضطرت البنوك إلى العودة للقواعد السليمة التي تمليها هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، ومن أولى هذه القواعد توفير حافز مالي مناسب للقطاع العائلي للاحتفاظ بمدخراته داخل شرايين الجهاز المصرفي حتى يستطيع الاقتصاد الكلي الاستفادة منها بدلاً من تبديدها في سلوكيات استهلاكية غير مجدية. ويؤكد محمد بركات، رئيس بنك مصر، أن قرار البنوك برفع أسعار العائد لا يأتي في إطار ما يعتبره البعض سياسة تعويض أصحاب المدخرات عن الفترة الماضية التي تدنت فيها أسعار العائد، ولكن تأتي بالدرجة الأولى في إطار سياسة تشجيع المدخرات المحلية لتمويل الاستثمارات والمشروعات الجديدة التي توفر مزيداً من فرص العمل. ويشير إلى أن البنوك المصرية لم تعان منذ أحداث الثورة وحتى الآن نقص السيولة كما يتصور البعض، بل كانت ولا تزال تتمتع بملاءة مالية جيدة نتيجة السياسات المتحفظة التي اتبعتها في بعض الأوقات، ومن ثم لم تكن هناك مشكلة على الإطلاق في توفير أي تمويل ضروري أو عاجل سواء للحكومة أو القطاع الخاص، ولكن ما تم اتباعه في فترة ما بعد الثورة نوع من ترتيب أولويات التمويل على ضوء المستجدات الراهنة واستراتيجيات التوظيف الخاصة بكل بنك ومصالح عملائه. ويقول محمد بركات إن قرارات البنوك العامة برفع أسعار العائد ربما تتبعها قرارات مماثلة من بقية وحدات الجهاز المصرفي المصري قياساً إلى الدور القيادي الذي تلعبه البنوك العامة وحصتها السوقية، ما يترتب عليه حركة جماعية من جانب البنوك في حشد المدخرات القومية وهو المطلوب في المرحلة المقبلة، حيث إن الحد من السلوك الاستهلاكي من شأنه أن يؤدي إلى كبح جماح التضخم. أما أشرف شبيب، مدير عام الفروع في البنك التجاري الدولي، فيؤكد أن اللجوء إلى رفع أسعار العائد على الودائع يعود لأسباب حكومية خالصة تسعى من خلالها الحكومة إلى جمع مبلغ من السيولة يلبي احتياجات عاجلة ثم تعود بعد جمع المبلغ المطلوب إلى الخفض التدريجي لأسعار العائد، ولكن هذه السياسة سوف تضع بقية البنوك في مأزق لأنها لا يمكن أن تعتمد سياسة تحديد العائد بناء على ظروف وقتية، ويجب أن تستند هذه السياسة إلى عوامل استراتيجية تشمل معدل التضخم الحالي والمتوقع، والقدرة على التوظيف والعائد المتوقع وطبيعة المشروعات التي يمكن توجيه هذه السيولة إليها، لا سيما أن هذه السيولة سوف تكون مكلفة بالنسبة للبنوك أو المشروعات المقترضة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©