الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا يكفي أن تكون مفيداً

3 نوفمبر 2013 21:15
كثيرة هي الشواهد على أن ليس كل مفيد مقبولا أو مطلوبا. مثلا هناك أطنان من النصائح المفيدة، أو التي نعتقد أنها مفيدة ولكننا لسبب أو لآخر لا نطبقها، حتى لو كانت حول أعز شيء لدى البشر في حياتهم. فلو طبّق المرضى، والأصحّاء قبل أن يصبحوا مرضى، النصائح المتداولة على نطاق واسع من تمارين رياضية أو سلوكيات غذائية أو صحّية لتمتعوا ليس فقط بعمر مديد، بل بالكثير من متع الدنيا خلال أعمارهم كلّها، ولكانوا بذلك وفورا الكثير من العذابات لأعزائهم ومن يحزنون ويرتبكون جراء التعاسة التي تسببها الأمراض عادة. ليس ذلك فحسب بل لوفروا معظم بنود الميزانيات المليارية التي تصرف، فردياً وجماعياً، على معالجة أو تخدير الأمراض ولاسيما المزمن منها. لا نتحدث هنا عن ترياق أو ما يشبه ماء الحياة، بل نتحدث عن مكسب فعلي قد يقدر ببضع سنوات إضافية من الحياة الصحية السليمة التي تنخفض معها التكلفة الصحية إلى حد أدنى. ورغم هذه الفوائد العظمى لممارسة الرياضة والسلوك الصحي الوقائي، فإن القلة هي التي تلتزم بها. كل ذلك يحصل رغم أن هذه الممارسة «مثل الركض والتمارين الهوائية الرياضية «أو الأيروبيك» والسلوكيات الوقائية «مثل تجنب الإسراف في الأطعمة أو الحلويات» متوافرة لدى الجميع من دون استثناء ومن دون أدنى تكلفة أحياناً. وكما في الصحة كذلك في باقي شؤون الحياة. فالجميع يتفّق على أن جد واجتهاد التلامذة والأبناء في الدراسة يحسّن من فرص نجاحهم، وربما تفوقهم، ويرفع بالتالي من شأنهم في التحصيل الجامعي أو الأداء الوظيفي وربما في حياتهم كلها. ومع ذلك فإن قلة فقط هي التي تفعل ذلك رغم كل ما يبذله الأهل من جهد لإقناع الصغار بسلوك هذا الطريق. وكما في المسائل الكبرى، كذلك في المسائل الحياتية الصغرى. فكثيرون منا بل أغلبنا مثلا لا يعير الكتيبات التوضيحية التي يحصل عليها في كل مرة يشتري فيها جهازاً إلكترونياً أو رقمياً جديداً أي اهتمام، رغم أن الاطلاع على ذلك سوف يوفر الكثير من الجهد والوقت والمال وحرق الأعصاب التي تنتج في كل مرة يظهر فيها عطل أو عدم كفاءة في تشغيل مثل هذه الأجهزة. وبالتالي، يمكن الحديث عن ظاهرة عامة و»تاريخية» تتمثّل في عدم قبول البشر بالضرورة لكل مفيد لهم مهما كان مقدار هذه الفائدة. أما الأسباب وراء ذلك، فقد تكون متعددة وأكثر مما نتصور، افترض أن منها الاستسلام للرغبات والشهوات الفورية. لكن هناك أيضاً جانباً مهماً للغاية وهو الصور الذهنية التي تحاصرنا من كل صوب، والتي تُهيّئ لنا أن متع الحياة تكمن في تلك الملذات والشهوات السريعة وفي تجنب بذل الجهد. كان بعض الفلاسفة، ولاسيما من اليونانيين القدماء، يعتبرون أنه كلما تعرض الجسد للتعب والعذاب كلما كانت السعادة حقيقية أكثر. وتغيير الصور الذهنية السائدة يحتاج لبيئة حاضنة من التربية والإعلام وصناع الرأي العام، ولطرق جديدة في تسويق الصور الذهنية البديلة. ولو تم ذلك لتم تصحيح كثير من مفاهيم مثل دولة الرعاية والرفاه، والرخاء.. ولترسخ بالتالي الكثير من القيم والأخلاق المطلوبة وعلى رأسها العدل والمساواة بين الناس. د.الياس البراج | barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©