الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إضراب المعلمين ينعش «سوق» الدروس الخصوصية في الجزائر

إضراب المعلمين ينعش «سوق» الدروس الخصوصية في الجزائر
3 نوفمبر 2013 21:03
حسين محمد (الجزائر) - أحدث إضراب معلمي الابتدائي وأساتذة (المتوسط والثانوي) لمدة أسبوعين كاملين، مؤخراً، غلياناً كبيراً وسط ملايين التلاميذ وأوليائهم، وقوبل الإضراب بتذمر واسع من التلاميذ، كما أثار سخط جمعية أولياء التلاميذ التي انتقدت بشدة نقابة أساتذة التعليم الثانوي، واتهمتها باستعمال التلاميذ «رهائن» لتحقيق مطالبها، وردّت نقابة أساتذة الثانوي بأن الأساتذة أولياءٌ ومربّون للتلاميذ وتهمُّهم مصلحتهم أيضاً، وبأن لجوءهم إلى الإضراب، فضلاً عن أنه حق دستوري، فهو حل اضطراري لانتزاع حقوقهم المهضومة. ووسط هذا الجو المتوتر، شهدت «سوق» الدروس الخصوصية انتعاشا كبيرا في الأيام الأخيرة وتضاعف إقبالُ التلاميذ عليها لاستدراك الدروس الضائعة. عدم الاستقرار يعدّ قطاع التربية والتعليم في الجزائر من أكثر القطاعات التي تعاني عدمَ الاستقرار في العشرية الأخيرة؛ حيث يشهد سنوياً إضراباتٍ مطولة تدوم في كل مرة أسابيع عديدة ثم تستأنف الدراسة لبعض الوقت قبل أن يتجدد الإضراب. وفي كل سنة يتم إنقاذُ العام الدراسي من شبح «السنة البيضاء» بأعجوبة بعد أن تتوصل وزارة التربية ونقابات المعلمين والأساتذة إلى اتفاق في آخر لحظة. وانتزعت النقابات بموجب هذه الإضرابات الكثيرَ من الحقوق والمكاسب وتضاعفت أجورُ المعلمين والأساتذة وتحسَّن وضعُهم المعيشي مقارنة بما كانت عليها الحالُ قبل نحو عشرية فقط، ما أراح أولياء التلاميذ الذين كانوا يعتقدون أن القطاع سيشهد الاستقرار أخيراً بعد تلبية معظم مطالب الأساتذة، إلا أن خيبة أملهم كانت كبيرة بعد أن أعلن «مجلس أساتذة التعليم الثانوي والتقني»، وهو أحد أكبر نقابات التربية الـ13، إضراباً وطنياً في كل الوطن ابتداءً من 7 أكتوبر الماضي، للضغط على وزارة التربية لحملها على تلبية 9 مطالب جديدة رفعتها، ومنها الترقية والسكن والأستاذ، ورفع بعض المنح والكفّ عن التضييق على الأساتذة النقابيين واضطهادهم. وتصاعدت نسبة استجابة المعلمين والأساتذة للإضراب بمرور الأيام وتوسعت دائرته حتى بلغ مستويات عالية في الأيام الأخيرة قبل إنهائه يوم 22 أكتوبر، في أعقاب التوصل إلى اتفاق بين النقابة ووزارة التربية استجابت بموجبه الوزارة لأغلب مطالب النقابة بهدف تمكين ملايين التلاميذ من مواصلة دراستهم التي حُرموا منها أسبوعين كاملين، علماً بأن عدد التلاميذ في الأطوار الثلاثة للتعليم بالجزائر يتجاوز 8,4 مليون تلميذ. اضطرابٌ وفوضى أثناء أيام الإضراب، كان ملايين التلاميذ يلتحقون بمؤسساتهم التعليمية كل يوم، ثم يدرس بعضُهم لأن أساتذتهم لم يُضرِبوا، في حين يعود أغلبهم أدراجهم ويتجمعون أمام أبواب المؤسسات التربوية ساعة أو أكثر ثم يعودون إلى بيوتهم. وأقلقت هذه الوضعية أولياء التلاميذ الذين بدأوا يخافون أن يُفضي الوضع إلى انحراف أبنائهم، تقول فوزية زرمان، وهي أمّ تلميذة في السنة ثانية ثانوي بـ»الرغاية»، 30 كلم شرق الجزائر العاصمة «في كل يوم أرسل ابنتي إلى الثانوية أملاً بأن ينتهي الإضراب ويعود التلاميذ إلى الدراسة مجدداً، ويستدركوا ما فاتهم من دروس، لكن ابنتي تعود دوماً بعد ساعة، وقد رأيت عشرات التلاميذ والتلميذات أمام الباب الخارجي للثانوية يتبادلون الحديث وآخرين يتسكعون في الشارع، الكثيرُ من السيدات غير مرتاحات للوضع وخائفات على أبنائهن وبناتهن المراهقات من الانحراف والسقوط ضحية آفات اجتماعية عديدة بفعل الفراغ». أما خالد أحمد، رئيس الجمعية الجزائرية لأولياء التلاميذ، فيُبدي سخطه الواضح على الإضراب. ويؤكد أن نتائجه «جد سلبية» على التلاميذ سواء من الناحية الاجتماعية أو التربوية «هناك اضطراب وفوضى حقيقية داخل المؤسسات التربوية سينعكس حتماً بشكل سلبي على التحصيل العلمي للتلاميذ وبخاصة تلاميذ السنة الثالثة ثانوي المقبلين على امتحان البكالوريا في يونيو القادم، فحينما يضيع أسبوعان من عمر الدراسة، وهي لا تزال في بدايتها، فسيخلق ذلك اضطرابا كبيرا على التلميذ ويُفقِده تركيزه ويسبب له ضياعاً نفسياً وقلقاً وخوفاً، لذلك رفضنا الإضراب شكلاً ومضموناً وطالبنا بإيقافه حرصاً على مصالح التلاميذ ونعتقد أن مصالح ضيِّقة لبعض النقابات هي دافعُه الرئيس، هذا ليس من أخلاق هذه المهنة النبيلة». ويؤكد خالد أن من أهم إفرازات تواصل الإضراب «انتعاش» سوق الدروس الخصوصية «الكثير من التلاميذ يجدون أنفسهم مدفوعين إلى البحث عن الدروس الخصوصية للتعويض عن دروسهم التي ضيّعها الإضراب، وبخاصة المقبلين على البكالوريا». إقبالٌ مضاعف إلى ذلك، تضاعف الإقبالُ على الدروس الخصوصية بقوة في الأيام الأخيرة، وأصبحت «مدارس» دعم المستوى تغصّ بالتلاميذ من مختلف الأطوار التعليمية، والذين يرغبون في استدراك ما فاتهم من دروس بفعل الإضراب، فضلاً عن تقوية مستوياتهم في المواد العلمية واللغات الحية، تقول زهيّة عبدلّي، وهي أم لتلميذين، أحدهما بالتعليم الثانوي «شهدت هذه المدارس رواجاً كبيراً في السنوات الأخيرة بعد تراجع مستوى المدرسة العمومية، والآن يتضاعف الإقبال لأن الأولياء لم يعودوا يثقون بتواصل الدراسة لوقت طويل؛ فالنقابات تلجأ باستمرار إلى الإضرابات ولا مفرّ من دروس الدعم لإنقاذ مستقبل أطفالهم». وشاعت مؤخرا أنباءٌ مفادها بأن مفتشي وزارة التربية بالتنسيق مع الأمن، سيقومون بمداهمة «مدارس» تقوية المستوى بحجة أنها لم تحصل على الاعتماد، ويقومون بغلقها. ويُتَّهم الأساتذة بأنهم يُضربون عمداً للتفرغ لإلقاء الدروس الخصوصية التي تدرّ عليهم أرباحاً كبيرة، إلا أن نوار العربي، رئيس نقابة أساتذة التعليم الثانوي والتقني، يستنكر بشدة هذه «المغالطات» كما وصفها، ويوضح «ليس كل الأساتذة يقدّمون دروس الدعم، بل بعضهم فقط، وهذه المغالطات محاولة لتشويه صورة الأساتذة وتأليب الرأي العام على المعلّم»، وهاجم نوّار جمعية أولياء التلاميذ التي يرأسها خالد أحمد، واعتبرها «جهازاً يُستعمل ضد الأساتذة لإفشال إضراباتهم الرامية إلى انتزاع حقوقهم»، ويتساءل مستنكراً «لقد اعترضت جمعية أولياء التلاميذ على إضرابنا، لماذا لا تتكلم عن المشكلات المتراكمة في قطاع التربية، كنقص الأساتذة والكتب المدرسية والاكتظاظ في الأقسام وقلة المطاعم المدرسية وندرة النقل للتلاميذ؟»، ويشدّد نوار على أن الدروس الضائعة بفعل الإضراب سيتم استدراكُها قريباً «لقد اتفقنا مع الوزارة على استدراك كل الدروس الضائعة بالتدريس في أيام العطل مقابل عدم لجوئها إلى الخصم من أجور الأساتذة عن أيام الإضراب». الركيزة الأساسية ينفي رئيسُ النقابة أن تكون الإضرابات المتكررة للأساتذة هي السبب في التدهور المستمر لمستوى التعليم بالجزائر، ويعزوها إلى أسباب أخرى، خاصة عدم الاهتمام بتأهيل المعلّم، مع أنه «الركيزة الأساسية للتعليم ولا يمكن تطوير مستواه إلا بالاهتمام بالأستاذ وتوفير ظروف الراحة له من أجر مريح وسكن لائق، عوض التشهير به وتأليب المجتمع ضده». وينبّه نوار إلى ميزانية التعليم في الجزائر تبلغ 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ميزانية 3 إلى 4 دول إفريقية، ومع ذلك لا يزال المستوى التعليميُ فيها دون المستوى المأمول من الجزائريين لأسباب عديدة، أهمها غياب سياسة مدروسة لتكوين المعلمين والأساتذة بشكل فعال والاكتفاء بـ»نسخ ولصق» الطرق التعليمية المستورَدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©