الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منغوليا... على طريق الديمقراطية

5 يناير 2010 23:22
دان ساذرلاند – منغوليا رئيس تحرير إذاعة "آسيا الحرة" منغوليا، الدولة الشيوعية السابقة التي تقع بين جارين سلطويين وقويين، كانت تبدو في يوم من الأيام مرشحاً مستبعداً لإصلاحات ديمقراطية؛ غير أنه إذا كان جاراها القويان الصين وروسيا يسمحان للنزعات السلطوية بتقليص حكم القانون، فإن منغوليا الفقيرة استمرت في السعي لبناء حكومة خاضعة لقدر أكبر من المحاسبة. وفي واحدة من القصص التي لم تنل ما تستحقه من الاهتمام الإعلامي في 2009، تواصل منغوليا اليوم إصلاحاتها الرامية إلى جعل مجتمعها أكثر انفتاحا وأقل عرضة للفساد الذي تبتلي به كثير من الدول الشيوعية السابقة. في الماضي، كان العديد من المراقبين يستبعدون قيام منغوليا، وهي من الدول الشيوعية السابقة، بانتقال ناجح نحو الديمقراطية؛ ولكنها اليوم تنظم انتخابات وطنية منتظمة في إطار نظام برلماني- رئاسي مختلط. وكمراسل سابق لصحيفة "واشنطن بوست" في بكين في يناير 1990، فقد ذهلتُ حين وجدتُ نفسي أغطي حركة صغيرة مطالبة بالديمقراطية ظهرت فجأة في العاصمة المنغولية أولان باتور، حيث سار قرابة 3 آلاف منغولي في مسيرة احتجاجية إلى الساحة الرئيسية في العاصمة، متحدين حظرا على المظاهرات وحاملين لافتات تدعو إلى "الجلاسنوست" و"البيروسترويكا"، وهما الكلمتان الروسيتان لسياسات الانفتاح وإعادة الهيكلة التي كان يتبناها حينئذ الزعيم السوفييتي ميخائيل جورباتشوف. ولم يواجه المتظاهرون أي مقاومة من الشرطة. وفي غضون أسابيع قليلة، تخلى الحزب الشيوعي الحاكم في منغوليا عن دوره القيادي، حيث استقال أمين عام الحزب وكل أعضاء اللجنة السياسية والتنفيذية. وفي ظل ما بدا نصحاً ودعماً من موسكو، استبعدت السلطات الشيوعية في منغوليا "حلًّا صينيا" للاحتجاج السياسي، في إشارة إلى قمع الصين العسكري للمتظاهرين المطالبين بالديمقراطية في بكين في يونيو 1989. ويذكر في هذا الإطار أن منغوليا كانت من الدول التي تدور في فلك الاتحاد السوفييتي لأكثر من ستة عقود؛ وكانت ثاني بلد شيوعي في العالم بعد هذا الأخير. وحين اندلعت أولى المظاهرات المطالبة بالديمقراطية في منغوليا، كان ما بين 45 ألفا و50 ألف جندي سوفييتي مرابطين هناك. واليوم، تسير منغوليا في اتجاه ديمقراطي على نحو أسرع من أي من الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى؛ كما تعهد زعماؤها الجدد في وقت مبكر بالتعجيل بخصخصة مقاولات الدولة وخلق اقتصاد السوق الحر. ولكن التقدم لم يأت بدون صعوبات. فعندما قطع الاتحاد السوفييتي مساعداته التجارية والاقتصادية في 1990، انخفض الناتج الداخلي الخام بما لا يقل عن الثلث. وتلا ذلك نقص في المواد الغذائية، وارتفاع الأسعار، وانخفاض كبير في الإنتاج الزراعي والصناعي. وخلال زيارة لي إلى البلاد في منتصف 1992، اكتشفتُ أن إصلاحيين منغوليين حسني النية ولكنهما شابان يفتقران إلى التجربة خسرا كل احتياطي البلاد من العملة الأجنبية تقريبا في سلسلة من المعاملات التي باءت بالخسارة. ثم في أكتوبر 2009، وجدتُ نفسي في منغوليا مرة أخرى، وهذه المرة من أجل المشاركة في مؤتمر إعلامي دولي؛ حيث اجتمع في المبنى الحكومي في الساحة الرئيسية بأولان باتور مسؤولون ودبلوماسيون ورجال أعمال كبار من أجل توقيع اتفاقية مهمة لاستخراج المعادن مع تجمع شركات دولي؛ حيث تأمل الحكومة أن تؤدي الاتفاقية التي تبلغ قيمتها نحو 4 مليارات دولار إلى جلب استثمارات أجنبية أكبر وخلق الوظائف وتوفير مزيد من الأموال للتعليم والرعاية الصحية، إضافة إلى الرخاء لكل المنغوليين. ويذكر هنا أن عدد سكان منغوليا، التي تعادل مساحتها ضعف مساحة كاليفورنيا بأربع مرات تقريبا، يبلغ 3 ملايين نسمة فقط، العديد منهم رحل فقراء يزاولون تربية الماشية. ولكن البلد غني بالذهب والنحاس ومعادن أخرى، ومن المؤمل أن تؤدي الاتفاقية الموقعة إلى اتفاقيات أخرى مماثلة. وبموازاة مع ذلك، تمكنت منغوليا من نسج علاقات جيدة مع الصين وروسيا إضافة إلى الولايات المتحدة واليابان والكوريتين الشمالية والجنوبية. والواقع أنه حين زرتُ منغوليا لأول مرة في أوائل التسعينيات، كان الكثيرون يخشون أن تهيمن الصين التي كانت تزداد قوة على جارتها الشمالية. ولكن ورغم أن الصين تُعد لاعبا كبيرا في قطاعي التجارة والمعادن في منغوليا، إلا أنها امتنعت حتى الآن عن التدخل في السياسة المنغولية. ولكن ومع ذلك، فإن الأمور قد تنحو منحى سيئا. ففي مقابلة قصيرة مع إذاعة "آسيا الحرة" عقب مراسم توقيع اتفاقية استخراج المعادن في السادس من أكتوبر، حذر الرئيس المنغولي إيلبيجدورج تساخيا من أن الفساد يمكن أن يهدد الكثير من الأرباح المرجوة من قطاع المعادن إذ قال: "إننا اليوم نجني بعض الأرباح وبعض المال من قطاع المعادن... ولكن إذا أصبحت لدينا حكومة سيئة، فإن ذلك سيتحول إلى نقمة". وقال إيلبيجدورج إن الحل هو إصلاح النظام القضائي وإنشاء وكالة لمحاربة الفساد تعمل بشكل أكثر فعالية، وذلك نظرا "لترسخ الفساد في هذا البلد". كما حدد هدفا طموحا لجعل النظام القضائي أكثر انفتاحا واستقلالية وخضوعا للمحاسبة بحلول 2011. وعليه، وجب على العالم أن يظل متابعا وينتظر. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©