الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصيدة المزاح الثقيل

قصيدة المزاح الثقيل
25 أكتوبر 2012
حكاية قصيدة اليوم للشاعر العربي الأموي الملقب بالأخطل، واسمه غياث ابن غوث بن الصلت بن طارقة، وينتهي نسبه إلى ربيعة بن نزار.. وواحد من أجداده هو سلمة اللحام أحد فرسان تغلب الأشداء، أما كنيته فأبو مالك. ورغم أن الأخطل هو اللقب الأقوى الذي لازمه في حياته وبعد مماته، إلاّ أن هناك ألقاباً أخرى أطلقت عليه منها لقب (دَوْبَل). والدوبل هو الخنزير الصغير أو الحمار القصير الذنب. وقد استغل الشاعر جرير هذا اللقب في هجائه للأخطل، حيث قال: بكَى دَوْبَلٌ لا يرقئُ اللهُ دَمْعَه ألا إنّما يبكي مِنَ الذلِّ دَوْبَلُ ولكن هذا اللقب لم يكن جرير مصدره بل كان جرير مصدر لقب آخر وهو ذو العباية.. وحكاية العباية هذه أن الأخطل أثار الحجاف على تغلب قوم الأخطل بعد صلح قيس عيلان ربيعة فكان يوم البشر، حيث قتل من بني تغلب عدد كبير وأسر الأخطل وعليه عباءة قذرة فظنوه عبداً وسألوه فقال: أنا عبد.. فخلوا سبيله.. وفي هذا قال جرير: ياذا العبايَة إنّ بشراً قد قضَى ألا تكونَ حكومةُ النّشوانِ اللقب الرابع الذي أطلق على الأخطل هو: ذو الصليب.. وفسّر بعضَ الدارسين أن هذا اللقب يرجع إلى أم الأخطل علقت على صدره صليباً فلم ينزعه من صدره حتى كهولته.. ولذلك سمّي بذي الصليب. لقب الأخطل الذي عرف به الشاعر اختلفت المراجع في تفسيره، ولكن يمكن تلخيص وجهة النظر الغالبة بأنه لقب بالأخطل، لتهوره ورعونته في بداية شبابه.. ومن ذلك قول ابن منظور في لسان العرب: سمّيَ بالأخطل لسلاطة وطول لسانه. وكان الأخطل من قبيلة تغلب، وهي إحدى قبائل ربيعة المشهورة. كانت منازلها قديماً في تهامة وما يليها من ظواهر نجد. وكانت قبل الإسلام تدين بالمسيحية. وقد اعتنق بعض أفراد هذه القبيلة الإسلام وظل العدد الأكبر منها على الدين المسيحي. أهم الحروب التي خاضتها تغلب قبل الإسلام كانت حرب البسوس التي استمرت أربعين سنة مع قبيلة بكر، ونتج عنها أن تبددت قبيلة تغلب في البلاد حتى اجتمعت في شمالي الجزيرة العربية بين دجلة والفرات. كذلك حروب تغلب مع الغساسنة في بلاد الشام.. وفي عام 16 هـ تعقد قبيلة تغلب مع المسلمين عقد الذمة ويقضي هذا العقد أن يعيش التغالبة في سلام وأمان في ذمة المسلمين. وقفت تغلب في الصراع الذي دار بين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ومعاوية بن أبي سفيان إلى جانب الإمام علي في وقعة الجمل، ولكن سرعان ما تخلت عنه وانتقلت إلى صفوف معاوية في وقعة صفين حتى إن الشاعر كعب بن جعيل التغلبي غدا شاعر السياسة الأموية يدافع عنها ويندد بخصومها ويمدح أهل الشام ويرثي موتاهم. ولما استتب الأمر للأمويين قطفت تغلب ثمار إخلاصها وتضحيتها.. وعاشت حياة الاستقرار نسبياً رغم تمسّك الكثيرين من هذه القبيلة بحياة البداوة والتنقل. حفلت قبيلة تغلب بعدد كبير من الشعراء منهم المهلهل، وعمرو بن كلثوم، وأبو أجأ، وشبيب بن جعيل، وليلى بنت الحمارس، وكعب بن جعيل، وأعشى تغلب وغيرهم. إلى هذه القبيلة انتسب الأخطل وفيها عاش ومنها اكتسب القوة والاعتزاز ولدينها انتمى دون أن يشعر بالدونية في دولة تدين بالإسلام وتطبق الشريعة الإسلامية.. بل على العكس من ذلك أشعره تمسكه بالدين المسيحي بالتميز لدى الجميع، فهو عربي من قبيلة عربية معروفة وكان لها دور بارز في نصرة الحكم الأموي الذي اعترف حكامه بفضل تغلب عليهم فأحسنوا إليهم وكرموا رجالهم وفرسانهم وشعراءهم إلى درجة أن أصبح الأخطل شاعر بني أمية المنافح عنهم والمزلزل لأعدائهم. اختلف الباحثون في تاريخ ميلاد الأخطل، ولكن من خلال بعض الحقائق التاريخية بأنه كان شاباً في عهد معاوية بن أبي سفيان، وكهلاً أحنت الأيام ظهره في عهد عبد الملك بن مروان.. لاستطعنا أن نقول بارتياح إنه ولد سنة 19 هجرية أو نحو (640) ميلادية. لم يدخل الأخطل بين جرير والفرزدق إلاّ في آخر أمرهما أي وهو كهل، وفي ذلك قال جرير: ـ أدركت الأخطل وله ناب واحدة ولو أدركته وله ناب آخر لأكلني.. أول شعر للأخطل وهو غلام كان هجاءه لزوجة أبيه التي كانت تخص أبناءها بالرعاية وتقسو عليه مما جعله يعيش تجربة صعبة كطفل حرم من حنان أمه وتعرضَ لقسوة معاملة زوجة أبيه. التحم الأخطل بعلاقة ود وصداقة مع شاعر قبيلة تغلب كعب بن جعيل وهو غلام صغير.. ووَجَدَ كعب في الأخطل شاعراً مبدعاً فتشاركا في مدح تغلب وهجاء خصومها. ولقد تورّط الأخطل بعد أن تمكن من أن يصبح شاعر بني أمية في هجاء الأنصار.. والقصة التي ترويها المراجع في هذا التورط تبدأ باثنين هما: عبدالرحمن بن حسان وعبدالرحمن بن الحكم وقد كانا صديقين حميمين يقيمان في المدينة المنورة في عهد إمارة مروان بن الحكم على المدينة. وفي يوم من الأيام خرج الصديقان إلى الصيد، وتقارضا الشعر بقصد التسلية والمزاح.. ولكن هذا المزاح الكلامي الثقيل تحول إلى نقائض مليئة بالتهكم والهجاء الشخصي والسياسي ووصلت هذه النقائض الهجائية إلى معاوية بن أبي سفيان.. وكان مروان بن الحكم قد عزل من إمارة المدينة وتولى الإمارة بعده سعيد بن العاص.. ومروان بن الحكم هو شقيق عبدالرحمن بن الحكم بطل هذه النقائض.. طلب معاوية من سعيد بن العاص أن يعاقب كلاً من عبدالرحمن بن حسان وعبدالرحمن ابن الحكم بمائة جلدة.. ولكن الاثنين كانا عزيزين عليه فلم ينفذ أمر الخليفة.. فعبدالرحمن بن الحكم قريب له وعبدالرحمن بن حسان صديق وقد قام بمدحه في عدة مناسبات. فلمّا تولى مروان بن الحكم مرة أخرى إمارة المدينة، أثار القضية من جديد ولكنه تعصب لأخيه فلم يجلده وجلد بن حسان وسجنه.. فكتب ابن حسان إلى النعمان بن بشير بالشام قصيدة يشكو فيها ما كان.. فدخل النعمان على معاوية متظلماً.. فكتب معاوية إلى مروان بن الحكم بوجوب جلد أخيه عبدالرحمن.. ولكن مروان فاوض ابن حسان والأنصار حتى وافقوا أن يجلد عبدالرحمن بن الحكم خمسين جلدة بدلاً من المائة لأنه ضعيف لا يحتمل المائة.. فاستغل عبدالرحمن بن حسان ذلك ليشيع بين الناس أن ابن الحكم عبدٌ مملوك يُضربُ نصف ما يُضربُ به الحر مما يجعل عبدالرحمن بن الحكم يصر على إكمال جلده ليصل العدد إلى مائة جلدة.. وبدلاً من أن يردعهما هذا الجلد، عادا من جديد إلى التهاجي وتمكن ابن حسّان من التفوق على خصمه الأموي عبدالرحمن بن الحكم فانتصر له يزيد بن معاوية واستعان بكعب بن جعيل التغلبي والذي كان شاعر بني أمية في عهد معاوية وقال له: ? إن ابن حسان قد فضح عبدالرحمن بن الحكم وتغلب عليه. ـ هذا صحيح. ? وهذه الفضيحة لا تقتصر عليه وحده.. ـ أعرف يا أمير.. أعرف أن الهجاء امتدّ إليكم. صرخ عندها يزيد: ? فضحنا ذلك الشاعر.. ولم يستطع شاعرنا الأموي أن يكون له نداً. ـ فماذا نفعل يا أمير. ? أريدك يا كعب أن تتصدى لابن حسان وأن تهجو ابن حسان وقومه. ـ ولكن قومه الأنصار.. أتريدني أن أهجو قوماً نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآووه. ? وهل تريدنا أن نسكت على هذه الفضيحة وهذا الذم الذي كاله لنا ابن حسان. ـ لا يا أمير.. ولكني أدلّك على غلام منا نصراني.. لا يبالي أن يهجو كأن لسانه لسان الثور. ? ومن هو؟ ـ الأخطل.. دعا يزيد بن معاوية الأخطل وأمره بهجاء الأنصار.. كان الأخطل يدرك خطورة المهمة فوقف حائراً.. فهي مهمة ستوفر له الشهرة، ولكنها تحمل في طياتها البلاء والشر والتعرض لسخط الناس وغضبة معاوية الخليفة الأموي نفسه والذي كان سياسياً بارعاً حريصاً على جمع القلوب حوله وحذراً من غضب الناس عليه فهو القائل: لو كان بيني وبين الناس شعرة لما انقطعت فإن شدوها أرخيتها وإن أرخوها شدتها. ترددَ الأخطل في تنفيذ أمر الأمير يزيد بن معاوية: سيدي الأمير.. أنا مستعد لهذه المهمة.. ولكنني أخاف على نفسي من غضبة أمير المؤمنين معاوية.. فهل تحميني منه لو غضب. قال يزيد: لا تخف شيئاً.. لك مني ذمة أمير المؤمنين وذمتي.. واندفع الأخطل في هجاء بني النجار من الأنصار في قصيدة جاء فيها: ذهبَتْ قريشٌ بالمكارِمِ والعلى واللؤمُ تحتَ عَمائِم الأنصارِ أثارت هذه القصيدة غضب الناس جميعاً وانبرى النعمان بن بشير يردّ على الأخطل ومما جاء في الرد: فاللؤمُ بينَ أنوفِ تغلبَ بَيِّنٌ كالرقمِ فوقَ ذراعِ كلِّ حمارِ لم يكن الأخطل يتوقع دخول النعمان في المعركة، فهو تخيل أن هجاءه قاصر على بني النجار محاولاً أن يقصر هجاءه على عبدالرحمن بن حسان.. وهذا ما أثار الخوف فيه وحاول التنصل من التعميم. عذرتُ بني الفريعةِ أن هَجَوْني فما بالي وبال بني بشير ولكن هذا التنصل لم يرضِ بشير ودخل النعمان على معاوية وأنشده قصيدة جاء فيها: أيشتُمنا عبدَ الأراقم ضِلَّةً وَماذا الذي تُجدي عليكَ الأراقمُ فمالي ثأرٌ دونَ قطع لِسانهِ فدونَكَ من يُرضيهِ عَنْكَ الدراهمُ بعد انتهاء القصيدة رفع العمامة عن رأسه وقال: أترى لوماً يا أمير المؤمنين. فردّ معاوية وقد أحسّ ببوادر الثورة والتمرد: بل أرى كرماً وخيراً. ? زعم الأخطل أن اللؤم تحت عمائم الأنصار. ـ أوفعل ذلك؟ ? نعم يا أمير المؤمنين. ـ لك لسانه. وطلب حضور الأخطل إليه وطلب الأخطل من الرسول أن يدخله أولاً على يزيد ليقول له: ? هذا الذي كنت أخشاه. ـ لا تخفْ يا أخطل.. ودخل يزيد على معاوية فشفع له ولكن معاوية أبى العفو إلا إذا عفت الأنصار، فطلب يزيد منهم ذلك وأرضى النعمان فعفوا عنه.. وهذا ما جعله ينظم قصيدة عظيمة امتدح بها يزيد لوقوفه إلى جانبه وإنقاذه من معاوية والنعمان والأنصار. أبيات القصيدة المختارة: وإني غَداةَ استعبرَتْ أمُّ مالكٍ لراضٍ منَ السلطانِ أَنْ يتهدَّدا ولولا يزيدُ ابنُ الملوكِ وسَيْبُهُ تجلّلْتُ حِدْباراً من الشرِّ أنكَدا وكَمْ أنقذني مِن جَرورٍ حِبالكم وخرساءَ لَو يُرمَى بها الفَيلُ بلّدا ودافع عَني يومَ جِلّقَ غِمْرَةً وهَمّاً ينسّيني السلافَ المُهوَّدا وباتَ نٍجياً في دِمَشقَ لَحيَّةٍ إذا عَضَّ لم يَنْم السليمُ وأقصدا يُخَفّتُهُ طوراً وطوراً إذا رأى مَن الوَجْهِ إقبالاً ألَحَّ وأجْهَدا أبا خالدٍ دافعتَ عنّي عظيمةً وأدركت لَحْمي قبلَ أنْ يتبدَّدا المراجع والمصادر: 1 - ديوان الأخطل/ شرح راجي الأسمر. 2 - الأغاني/ أبوالفرج الأصفهاني. 3 - شرح ديوان الأخطل/ إيليا حاوي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©