الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمثال الأجيال..

أمثال الأجيال..
25 أكتوبر 2012
لا يعرف تحديداً كيف بدأ ما يعرف بالأمثال، كما لم يتم الاتفاق على كيفية انتشارها وأين ظهرت. ويرجع العلماء سبب عدم الاتفاق على تاريخ تقريبي للأمثال أو من أي الشعوب والحضارات تحدرت، إلى قدمها وعمق استخدام الإنسان لها. ويعتقد البعض أن الأمثال ولدت مع الإنسان، بمعنى إنها ظهرت منذ أن بدأ الإنسان في تعلم اللغة ومن ثم الكتابة. وبالتالي فإن الأمثال، كانت نتاجا طبيعيا لأحداث ومواقف، وبالتالي اقترن عمرها مع عمر اللغة نفسها. تعرف الأمثال الشعبية بأنها ذاكرة الأمم والشعوب، وهي بمثابة سجل لوقائع وأحداث جسام تم اختزالها في كلمات قصيرة، تحمل معاني كبيرة، لذا فإن البعض يعتبر اختراع الأمثال ـ إذا صحت التسمية ـ جاءت لحاجة الإنسان. وقد حاول الدكتور سمير عبده في كتابه “التحليل النفسي للأقوال المأثورة”، أن يوضح وظيفة الأمثال فقال: “الأقوال المأثورة هي عبارة عن مجموعة من الملاحظات كوّنها أشخاص نتيجة خبراتهم في المجالات الحياتية المختلفة، فمنها ما يتضمن النصائح والحكم، ومنها ما يتضمن الأسباب أو التفسيرات لسلوك معين، ومنها ما يضع شروطا مسبقة للحصول على نتائج سلوكية معينة، فاستعمال الأقوال المأثورة في الظرف المناسب يدل أولاً على تفهم صحيح لها، ويدل على استيعاب غير مباشر للأقوال المأثورة التي ينشأ فيها الفرد، كما يدل على استعمال القول على التزام الفرد باتجاه ما. إن الأقوال المأثورة تتألف من عدة كلمات تؤلف في مجموعها جملة قصيرة تشير إلى نوع من السلوك له معنى أوسع في الخبرة أو الموقف المعين الذي تشير إليه الألفاظ”. تعريف واذا حاولنا تعريف الأمثال، فإن ما سبق وقدمته الدكتورة موزة غباش، عن الأمثال الشعبية هو الأكثر عمقا وإحاطة، ولعل هذا يعود للسنوات الطويلة التي قضتها في مجال الأبحاث والدراسات الثقافية، وأيضا لاهتمامها بالتراث والموروث الشعبي بصفة عامة، حيث قالت في تعريفها: “الأمثال الشعبية هي التعبير اللفظي والمتداول بغير تبديل أو تغيير في لفظه الحرفي، والتي تمثل بما تنطوي عليه نصوصها وألفاظها من استخلاصات للتجربة، واستقرار للواقع، وتراكم للخبرة والمعاناة التاريخية، وهي قد تشبه القواعد والخطوط النظرية للسلوك العلمي”. وهذا التعريف يقودنا إلى الجزم بمثالية الأمثال وما وصلنا من الآباء والأجداد، من أقوال اختصرت الكثير من الكلمات في جملة موجزة. يبقى تساؤل كبير هو: لماذا وحدها الأمثال هي التي كانت تنتقل بسلاسة وسهولة من جيل إلى آخر على امتداد العصور والعقود، من دون عقبات أو تمحيص أو رفض وانكار؟ هناك عدة إجابات عن هذا السؤال اهتم العلماء بتحليلها ومحاولة الوصول للحقيقة المطلقة حولها، لكنها تبقى في منطقة التخمينات، وفي أفضل الأحوال فإنها اجتهادات لدارسين ومتخصصين في مجال العلوم الاجتماعية. والمؤكد أن ملاصقة تلك الأمثال لحياة الناس اليومية وخروجها من بوتقة هذه الحياة ومن عمق التجربة الإنسانية اليومية والتي قد يكتنفها بعض الألم والحزن، أمر يجعل الأمثال السائرة مقبولة، بل مفيدة للآخرين الذين لم يخوضوا تجارب قاسية أو تجارب حياتية صادمة. يأتي المثل فيختصر عليك هذه التجربة، ويكون واضحا وقاطعا في دلالاته. هذا المثل لم يصدر عبثا ولم يأت عفويا، بل كان نتيجة لحياة زاخرة، لذلك اجتهد الإنسان في المحافظة عليه، وتخزينه في ذاكرته، ونقله إلى الأجيال التالية التي قامت بدورها بمهمة نقله إلى الجيل التالي. وهناك أمثال لا يعرف لها تاريخ. عندما تسمعها تشعر أنها تختصر عليك كثيرا من الحيرة أو القرارات التي قد تكون غير صائبة. والأمثال في مجملها قد تعطي صورة للحياة الماضية، بمعنى أنها أيضاً تنقل وجهاً من أوجه الحياة في سنوات وعقود قد تكون سبقت التدوين، أو إن التدوين أهمل منها ما يستحق أن يحتل مكانه في صفحات التراث. وتتعدد الزوجة التي تكون موضوعا للأمثال، سواء في جوانب الحياة الاجتماعية أو الاقتصادية أو المحلية، وكيفية التعامل مع الصعاب أو المشاكل أو بعض المشاكل التي تطرأ على تلك المجتمعات في الحقب المختلة. قراءة والأمثال رغم هذا الضوء الذي تنقله لنا من الماضي وتضعه بين أيدينا في الحاضر، إلا أنها لا تنفصل عن قراءة الحاضر أو استبطان قراءة للمستقبل أيضاً. فالمثل الذي قيل قبل مائة عام أو أكثر، يمكن لأي كان أن يسقطه على واقعه المعاش، سواء في مجال العمل، أو مجال الأسرة وتربية الأطفال، أو الرفقة والصحبة أو حتى في القيم والمبادئ الحياتية، وغيرها. وهي أيضا تعطي صورة مشرقة على واقع أي أمة من أمم الأرض. وتتبدى قوة الأمثال، في قدرتها على مقاربة صروف الحياة، من تميزها اللفظي، وفصاحة صياغاتها سواء باللهجات المحلية أو اللغة الفصحى، وشمول دلالاتها. وكثير من الأمثال التي تتداولها الشعوب، ليست خاصة بوطن أو أمة بل إنها حالة إنسانية عامة. ففي أوروبا مثلا، حيث تتعدد شعوبها وتتنوع لغاتها وأعراقها أيضا، هناك أمثال خارجة من صميم الثقافات الأوروبية، وهناك أمثال أخرى تنتمي إلى ما يمكن تسميته الثقافات العالمية، نظرا إلى التشابهات في المضمون والدلالات، لدى أمثال تستخدمها شعوب في قارات العالم الأخرى. ولا تجد أمة من أمم الأرض إلا ولديها أمثال تم تلقيها من الماضي ونقلت إلى الحاضر، من دون استثناء. وفكرة الأمثال لدى جميع شعوب الأرض هي نفسها، بمعنى أن مواصفات المثل لدى جميع أمم الأرض متحدة تماما. وفي كتابه “حكم وأمثال العالم” يقول شادي ناصيف: “الأمثال عبارة موجزة يستحسنها الناس شكلاً ومضموناً فتنتشر فيما بينهم ويتناقلها الخلف عن السلف من دون تغيير، متمثلين بها، غالبا في حالات مشابهة لما ضرب لها المثل أصلا وإن جهل هذا الأصل، ويجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام، إيجاز اللفظ، إصابة المعنى، حسن التشبيه، وجود الكناية فهو نهاية البلاغة”. ثم أورد في كتابه جملة من أهم الأمثال لدى بعض الشعوب. فالاميركيون، لديهم أمثال يقول: “الأمة كلها تسير على خطى كاليفورنيا”، و”القط أو الكلب المراقب دائما يهرب”، و”المتسولون لا يملكون حق الاختيار”. أما من الأمثال الروسية، فهناك: “كل السمك جميل في أعين صياده متى وقع في شباكه”. ولدى الفرنسيين قولهم: “الخوف المخترع الأعظم”، أما اليابانيون فيقولون: “كلمة طيبة يمكن أن تنشر الدفء في ثلاثة أشهر شتاء”، والايطاليون يقولون: “الفم المغلق لا يدخله الذباب”، أما السويديون فيقولون: “الحكمة في الرأس وليست في اللحية”، والإسبان يقولون: “المعرفة تتكلم لكن الحكمة تسمع”. تحربة وفي الإمارات ـ ولله الحمد ـ خزانة تراثية كبيرة خلفها لنا الآباء والأجداد على امتداد تاريخ هذه الأرض الطيبة، فكانت كلماتهم تنبع من عقل إنسان الإمارات وقوته في مواجهة الصعاب والحياة القاسية، لذلك كانت هناك أمثال لها قصص، وتنوعت مواضيعها فمنها ما يدعو إلى الخير والسلام والمحبة، ومنها ما يحذر من الجبن والخداع والكذب، لذا لا يستغرب أن يكون هناك عدة مواضيع للأمثال. ومن تلك الأمثال التي تدعو الأبناء وتحثهم على سماع كلام وتوجيهات الأب والأم، أو تحث على الطاعة، ما نسمعه يتردد على مسامعنا عندما يقال: “اللي ما يطيع يضيع”، وهناك مثل يضرب عند الحث على التعاون: “الناس للناس والكل بالله”، وأيضا ما يقال للترغيب في مواصلة النهج والطريق وعدم الملل: “عليك بالدرب ولو طال”، وما يقال في التنبيه بعدم الإكثار في نقد الأصدقاء: “لا تكثر الدوس على الخلان يملونك”، ولا ننسى أمثالاً تستهدف التحذير وحسن الانتباه: “اليدار الواطي كلن يحومة”، وأخرى تنبه إلى أهمية اختيار الرفقة كقولهم: “السمكة الخايسة تخيس السمك كله”، وهناك أمثال تقال عند التحدي مثل: “الساحة فضاحة”، ولا ننسى الأمثال التي تقال عند اكتشاف معدن الشخص وجوهره كقولهم: “إللي ما زارني والديار مخيفه لا مرحبا به والديار أمان”، وهناك أمثال تقال عند الحسرة واللوم على تفويت فرصة أو نحوها مثل ذلك المثل الذي يقول: “يوم الناس اتقفل خميس راح الغوص”.. ومعاني تلك الأمثال واضحة، بل ويظهر أن تلك الأمثال وغيرها جاءت وفق قصة وأحداث قيلت فيها، لكنها اختزلت واختصرت الكثير، في بضع كلمات. إن تراثنا اللفظي ـ الأمثال ـ ذو قيمة إنسانية عظيمة لا في جوهره وحسب، بل وفي عمقه الإنساني المتمثل في التجربة البشرية بكل تفاصيلها الحياتية. وقد ظهرت في الإمارات جهود دؤوبة قام بها بحّاثة ومهتمون لجمع الأمثال عن ألسنة كبار السن، وتدوينها وتبويبها، والكشف عما وراءها، والزمن الذي قيلت فيه وكيف انتقلت من جيل إلى جيل.. تلك الجهود التي تسجل، بفخر واعتزاز للذين قاموا بها، إلا إنها تحتاج إلى أن تتعزز بعمل مؤسسي كبير، يبحث ويجمع ويدرس.. وإلى جانب كل ذلك يُخرج أجيالا من العاملين في هذا البحر الذي لا ينضب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©